كل بقاع الدنيا يعرفون السودان بأنه منطقة للصراعات، أو أرض المجاعات والكوارث الطبيعية. كان هذا قبل أن يصبح العالم قرية إلكترونية، وبالرغم من هذا التواصل السريع بين القارات إلا أن السودان مازال في قواميس دول العالم الآخر بأنه من أكثر دول العالم انتهاكاً لحقوق الإنسان. والتواصل الإلكتروني فشل في تعريف السودان بأنه أكبر دول العالم ثروة حيوانية ومعادن أو إرث حضاري. سفاراتنا في العالم أشبه بديوان العمدة لا يغشاها حتى ابن البلد إلا لتجديد جوازه أو سداد مساهمة وهي خاوية على عروشها. والالتقاط الإخباري جعل أخبار الصراع في دارفور بين عشية وضحاها في افتتاحيات النشرات العالمية، والإعلام الغربي لا يهتم بأخبار العالم الثالث أو العالم المتخلف وفق نظرتهم، إلا إذا لامست انقلاباً عسكرياً أو صراعاً دموياً أو مجاعة، لا يهمها التنمية والبناء فهي تبحث عن الإثارة أو ما يستثير المشاعر الإنسانية بما يحقق لها ربحية عالية وطلباً متزايدا، لذلك الصورة الذهنية التي صنعها الإعلام الغربي للسودان بوصفه شعباً يتصارع أهله وتنتهك فيه آدمية البشر وتنشط فيه الانتهاكات، سارع عليه العالم، وحتى الدول الصديقة والشقيقة ظلت تنتهج أساليب البحث عن الإثارة دون اجتهاد لتقصي الحقائق ونقل ما هو صواب فظلت تبث ذات الصورة الذهنية التي تصنعها دول الغرب. الملحقيات وتحسين صورة السودان يبدو أن القائمين على أمر الإعلام محلياً قد فشلوا في تحسين صورة السودان الخارجية فلجأوا للاستعانة بخبراء في مجال العلاقات العامة يحملون الجنسية الأمريكية للعمل كاستشاريين لتحسين الصورة السالبة للسودان في وسائل الإعلام الخارجية، هذا ما ذكره وزير الإعلام أحمد بلال عثمان خلال مخاطبته ملتقى الاتجاهات الحديثة لإدارة الإعلام والعلاقات العامة والمراسم الذي نظمه مركز الفيدرالية للبحوث وبناء القدرات؛ حيث قال: "طلبنا من بعض مجموعات شبابية أردنية تحمل الجنسية الأمريكية ويعملون في مجال العلاقات العامة إجراء دراسات لتحسين صورة السودان في الإعلام الخارجي لكنهم طلبوا مبالغ مالية طائلة تعجز وزارة المالية عن الإيفاء بها". وسعى الوزير لبذل المزيد من الجهد في قطاع الإعلام والعلاقات العامة لتحسين الصورة السالبة للسودان في الخارج، والعمل على رفع الوعي الرسمي للاهتمام بالعلاقات العامة. وتعاقدت الحكومة في الماضي مع عدد من الشركات الأجنبية لتحسين صورة الحكومة والاتصال بالمسؤولين ورجال الكونغرس في أمريكا إلا أن استمرار الحروب والنزاعات الداخلية شل عمل هذه الشركات وأفشل دورها خاصة وأن جماعات الضغط المعادية للخرطوم عملت على الكشف عنها ومحاربتها. ويبدو أن السودان فطن في السنوات الأخيرة الماضية الى مجاراة دول العالم بتطوير وسيلة الإعلام الخارجي بالاستعانة بشركات خاصة بأمريكا وبعض الدول الأوربية لتقوم بتقديم الصورة الحقيقية عن السودان كمثال قضية دارفور، وفتح حوارات مع مجموعات الضغط بتلك الدول، ولكن الحكومة فشلت في جلب خبرات تساعد على إزالة التشوهات التي أحدثها الإعلام الغربي عن السودان، ويرجع بعض الخبراء ذلك الى أن الحكومة لا تزال تصر على نمط الحشد الإعلامي الحماسي والخطابي، واعتبر البعض أن الدبلوماسية السودانية نجحت في حشد مواقف دولية وإقليمية لصالحها وبدأت باتخاذ خطوات من شأنها حل أزمة دارفور، إلا أن الحملات التي قادتها بعض الأجهزة الإعلامية المحلية كان نتاجها إضعاف السودان وإرباكه ووضعه في خانة المتهم. وتقول بعض المصادر إن الحكومة استهانت بمشاكل السودان حتى تفاقمت الأزمة، وسمحت بتدويلها، ولازالت بعض هذه التشوهات باقية. ولتحسين الصورة التي شوهت في الماضي كان لا بد من استبدال الاستراتيجية الإعلامية في الدولة وتأهيل عمل الملحقيات في سفارات السودان في الخارج. تناغم الإستراتيجية الإعلامية الإستراتيجية الإعلامية في الدولة لا تنفصل عن السياسة العامة لها، فالإستراتيجية الإعلامية تهدف إلى "تحقيق السلام والاستقرار في السودان" وتنعزل عن السياسة العامة للدولة، ويجب أن تقوم هذه الاستراتيجية على انضباط الخطاب العام للدولة مع التركيز على قضية السلام والاستقرار الاجتماعي بالتنسيق مع وزارة الخارجية وكل المؤسسات التي لها علاقة بقضية السلام والاستقرار في السودان باعتبار هذا التناغم والتنسيق هو الذي يخلق البيئة الصالحة التي تحقق مقاصد الإستراتيجية وأي انفلات من المؤسسات الأخرى يمكن أن تؤثر سلباً عليها. والتأكيد على دور الملحقيات الإعلامية في تحسين صورة السودان في الخارج والتصدي للهجمة الإعلامية ضد السودان من خلال استهداف الجمهور المعادي. ودور مؤسسات الدولة مجتمعة متكامل ويجب أن تصب كل الجهود في السفارات المعنية بالتصدي للهجمات المعادية ولإزالة التشوهات. هذا ما قالة خبير دبلوماسي بالمعاش ل(الخرطوم)، وأردف قائلاً: لتحسين صورة السودان في الخارجية لابد من تزويد السفارات بالمعلومات المتكاملة والأرقام الصحيحة والأفلام الوثائقية لتعينها على الرد على أي هجمات يمكن أن يتعرض لها السودان من الجماعات المعادية، وزاد الخبير الدبلوماسي أن تزويد السفارات بالكتيبات والمعلومات الدقيقة تعين السفارات على إزالة التشوهات، كما أن الميزانية من أهم عوامل دفع العمل الدبلوماسي في الخارج لإقامة الندوات والمحاضرات والبرامج الثقافية، ودعوة الوفود والإعلام الخارجي لزيارة السودان للوقوف على الأوضاع، ويضيف بأن الرياضة أصبحت من أهم أساليب التواصل والتحاور مع البلدان الخارجية لأنها توصل صوت السودان وتعد من أعمق أساليب التعريف بالشعوب الأخرى الى جانب الموسيقى، وقطع بأن تحسين صورة السودان بالخارج تدفع الدول الأخرى للاستثمار في السودان. ويرى الخبير الدبلوماسي أن مبدأ الحوار والتوصل لسلام بين الحكومة والحركات المتمردة والوصول الى تفاهمات مع الأحزاب من أكثر عوامل إزالة تشوهات السودان في الخارج، ويفصل أن وقف الصرف على الحرب واستجابة أهل السودان للسلام والاستقرار وتحويل أموال الحرب للتنمية هي الصورة الأجمل للسودان في الخارج.