الخطوة التي اتخذتها الولاياتالمتحدةالأمريكية، برفع حظر السلاح عن دولة جنوب السودان، دون مجرد التطرق بالتنفيذ لأي من الوعود التي قطعتها واشنطن للخرطوم، برفع العقوبات المفروضة على البلاد من عقود من الزمان، بجانب وضعها السودان على قائمة الدولة المتهمة من قبل الولاياتالمتحدة برعاية الإرهاب، من شأنها أن تزيد فجوة الثقة الموجودة لدى الخرطوم، إلى أبعد مدى، على اعتبار أن واشنطن لا ترغب في تطبيع العلاقات المتعثرة في الأصل. ودأبت الولاياتالمتحدة خلال الفترة الانتقالية لاتفاقية السلام الشامل، بإطلاق الوعود للسودان بأنها تقدم على رفع العقوبات المفروضة على البلاد منذ منتصف تسعينيات القرن الماضي، وإزاحة اسم السودان من قاتمة الدول التي تتهمها برعاية الإرهاب، إذا ما التزمت الحكومة السودانية بتنفيذ اتفاقية السلام الشامل بكل حذافيرها، خاصة ما يلي منها إجراء الاستفتاء على تقرير مصير جنوب السودان، والاعتراف بنتائجه. وقد أبدت الخرطوم التزاما حرفيا بتنفيذ بنود الاتفاقية، وأجرى الاستفتاء في جو آمن وبسلاسة مطلع العام الماضي واعترفت بنتيجته التي أدت إلى انفصال الجنوب من جسد الوطن، غير أن الولاياتالمتحدة بدأت في سلسلة من المناورات، بإضافة اشتراطات مستمرة للخرطوم مقابل تنفيذ وعودها، وذلك برهنها التنفيذ بحل مشكلة دارفور ومن بعد بتسوية قضيتي جنوب كردفان والنيل الأزرق، وهي اشتراطات مرشحة للإضافة دائما. وعلى ذلك السياق، فقد رأت الحكومة السودانية، أن قرار الولاياتالمتحدةالأمريكية برفع حظر السلاح عن دولة الجنوب، يُعد مظهراً من مظاهر إخلال الولاياتالمتحدة، في تعاملها مع الدول، مؤكدة أنها لن تكون محل ثقة بعد الآن. وقال وزير الخارجية، علي كرتي، في تصريحات صحفية أمس الأول، تعليقا على قرار الحكومة الأمريكية، إن الولاياتالمتحدة خرقت قوانينها عدة مرات وقدمت الدعم لحكومة الجنوب قبل انفصالها. وأضاف قائلا "إنها لها ما تشاء تجاه قوانينها وبلدها ولكننا لن ننتظر دعما من الولاياتالمتحدةالأمريكية. وبالنسبة لحكومة الخرطوم فإن مخاوفها تتركز على إمكانية وصول السلاح الأمريكي إلى الحركات المسلحة التي تجد الدعم من حكومة الجنوب، الأمر الذي دعاها للتأكيد بأن تسليح الولاياتالمتحدةلجنوب السودان، سيكون محل مراقبة واهتمام من الأجهزة المعنية، مؤكدة أنها ستعمل من أجل الحيلولة دون وصول السلاح للحركات المتمردة. وطالب الناطق باسم وزارة الخارجية العبيد مروح في تصريحات، الولاياتالمتحدةالأمريكية بأن تعمل لضمان عدم وصول الأسلحة التي تقدمها إلى حكومة الجنوب لأيدي المتمردين الذين تساندهم دولة الجنوب. واعتبر حزب المؤتمر الوطني الحاكم، القرار خطيراً وسيؤدي إلى نتائج سالبة لأنه يهدف إلى تغيير موازين القوى بالمنطقة لصالح الجنوب، مؤكدا أنه ينطوي على تهديدات ليس على السودان، فحسب بل على دول المنطقة كافة، لاسيما أن الدولة الجديدة في الجنوب لم تنضج بعد، وأعرب الناطق الرسمي للحزب، البروفيسور إبراهيم غندور عن خشيته من وصول الأسلحة الأمريكية التي تقدمها دعما لجنوب السودان، إلى أيدي الحركات المتمرِّدة في دارفور التي تعتمد على الجنوب في تمويلها وتدريبها. وأبدى رئيس القطاع السياسي بالمؤتمر الوطني، الدكتور قطبي المهدي، أسفه على صدور القرار الذي وصفه بأنه غير موفق وأنه كشف الوجه الآخر للولايات المتحدةالأمريكية، ويؤكد على أنها لا تدعم السلام والاستقرار في المنطقة. موضحا أن أمريكا وما تعيشه من تداعيات اقتصادية فضلت بيع الموت، عبر بيعها السلاح لدولة الجنوب بدلاً من تشجيع عمليات الحوار والسلام في المنطقة. وبموجب قرار الرئيس الأمريكي، باراك أوباما الأخير، فإن الولاياتالمتحدة قررت رفع القيود المفروضة على بيع الأسلحة إلى جنوب السودان، وتعتبر الخطوة لافتة وتشير إلى تعزيز علاقات واشنطن مع دولة جنوب السودان الوليدة. وقال أوباما، الأحد، في توجيه إلى وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون، إنه يسمح للولايات المتحدة بتقديم مواد وخدمات دفاعية إلى دولة جنوب السودان. مؤكدا أن من شأن الخطوة أن تدعم أمن الولاياتالمتحدة وتعزز السلام العالمي. وقالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأمريكية، فيكتوريا نولاند، إن الولاياتالمتحدةوجنوب السودان، يبحثان العلاقات الدفاعية المستقبلية، لكن لم يتخذ قرارا بهذا الشأن، وأضافت أمام الصحفيين "كنا منفتحين منذ البداية - وحتى قبل إعلان دولة الجنوب- على المحادثات التي رغبوا في إجرائها معنا بشأن كيفية تأمين حدودهم والدفاع عن أنفسهم في المستقبل"، وتابعت "هذه المحادثات مستمرة، لست على علم إذا ما كنا قد توصلنا إلى أي نتائج . ويعتبر القرار الأمريكي هو الثاني في مشوار التقارب بين واشنطنوجوبا، بعدما أعلنت الحكومة الأمريكية الشهر الماضي، عن قرار برفع جزء من القيود الاقتصادية المفروضة على جنوب السودان، والسماح له بالاستثمار في قطاعها النفطي. وقد سمحت وزارة الخزانة الأمريكية للشركات الأمريكية تصدير المعدات لاستخدامها في القطاع النفطي بالجمهورية ونقل النفط عبر السودان من وإلى جنوب السودان، بينما أبقت الوزارة الحظر على قيام الشركات الأمريكية بتكرير النفط الخام لجنوب السودان في مصافٍ تقع في السودان. وذكَر مكتب الرقابة على الأصول الأجنبية بوزارة الخزانة الأمريكية "أوفاك"، نهاية ديسمبر الماضي، أنّ الشركات الأمريكية أصبحت حرة الآن في تصدير معدات لاستخدامها في قطاع النفط بجنوب السودان، ويمكن أيضًا نقل النفط والمعدات الأخرَى عبر السودان من وإلى جنوب السودان. وأشارَ المكتب إلى أنّ التغيير في السياسة لا يعنِي أنّ بإمكان الشركات الأمريكية إقامة أنشطة في قطاع النفط السوداني، كما لا يمكن للشركات المشاركة في تكرير النفط الخام السوداني الجنوبي في مصاف تقع في السودان. وأصدر المكتب الأمريكي بالفعل ترخيصين عامين لتنفيذ التغيير في السياسة بعد نحو عام من تصويت شعب جنوب السودان لصالح الاستقلال. ولم تخف الولاياتالمتحدة دعمها لجنوب السودان، ومساعدته على الانفصال، وظلت تدعم باستمرار الحركة الشعبية خلال سنوات الحركة. إلا أن هذا الدعم كان بصورة لافتة خلال مراسم تأسيس الدولة الوليدة، حيث أرسلت الولاياتالمتحدة وفدا رفيعا برئاسة مندوبتها في الأممالمتحدة سوزان رايس التي أبدت انحيازا فاضحا لصالح جنوب السودان، خلال الاحتفالات التي نظمت في جوبا في التاسع من يوليو الماضي، وضم الوفد عددا من كبار المسئولين الأمريكيين، بينهم وزير الخارجية السابق، كولن باول، الذي وقع اتفاقية السلام الشامل بالنيابة عن الولاياتالمتحدة وجون برندر قاست مؤسس مجموعة الأزمات الدولية، وبدت المندوبة الأمريكية أكثر ابتهاجا بانفصال جنوب السودان، أكثر من الجنوبيين أنفسهم وقد عكست نبرات صوتها والعبارات التي صاغتها في خطابها أمام الحفل ذلك بوضوح، عندما قالت "إننا باسم الرئيس أوباما وزملائي في الوفد والحكومة الأمريكية والشعب الأمريكي نرحب بحرارة بجمهورية جنوب السودان، ضمن مجتمع الدول ذات السيادة"، وأضافت قائلة "إننا نحيي أولئك الذين لم تكتب لهم الحياة ليشهدوا هذه اللحظة بدءا بالدكتور جون قرنق وانتهاء بالمواطنين العاديين الذين يرقدون في قبور لا شواهد ولا معالم لها"، وتابعت "إننا لا نستطيع إعادتهم ولكننا نستطيع تكريم ذكراهم بالعمل معا في بناء بلد جدير بتضحياتهم". وزادت "تذكروننا بحقيقة أنّ قوّة الإرادة تستطيع أن تكون على الأرض أقوى من الجيوش إذا توحّدت"، معتبرة أن استقلال الجنوب حق أخذ عنوة ولم يمنح، ووصفت ذلك اليوم بأنه يوم لانتزاع الحقوق ويوم للحرية. وقالت رايس مخاطبة الجنوبيين "لديكم صديق عزيز ومخلص يتمثل في الولاياتالمتحدةالأمريكية.. حكومتي تقف بجانبكم وستظل بجانبكم". وقد كانت الولاياتالمتحدة، من أوائل الدول التي اعترفت بالدولة الوليدة، وتعهد الرئيس باراك أوباما بشراكة ثابتة معها. لكل ذلك فإن القرار الأمريكي برفع الحظر على مبيعات السلاح لجنوب السودان، الذي أغضب الخرطوم، قابلته حكومة جنوب السودان بالإشادة باعتباره خطوة أخرى لتطبيع العلاقات بين الدولة الوليدة والولاياتالمتحدة بعد تخفيف العقوبات الاقتصادية. نقلاً عن صحيفة الرائد 10/1/2012م