شهد مرور الذكرى الثالثة والثلاثين لتحرير سيناء الاسبوع الماضي تطورا نوعيا، قد يكون له ما بعده، في سياق الحرب الدائرة هناك بين الجيش المصري والجماعات المسلحة، وتمثل في قرار سياسي بتسليح القبائل والاستعانة بها في المواجهات العنيفة التي ذهب ضحيتها مئات القتلى والجرحى خلال العامين الماضيين. وكان طبيعيا ان يبدو القرار كسلاح ذي حدين، إذ انه يمكن ان يعوض القصور الاستخباري الواضح، والذي أقرت به الدولة نفسها عبر اجراء تغييرات شملت قيادات المخابرات العسكرية إلى جانب الجيش الثاني الميداني الذي ينتشر في شمال سيناء، ويخوض المعارك تحت قيادة عسكرية موحدة لشرق قناة السويس تم استحداثها خصيصا لمواجهة الاعمال الإرهابية في سيناء، لكنه يثير مخاوف جدية من اساءة القبائل استخدام تلك الأسلحة، لتدعيم نفوذها في مواجهة الدولة نفسها، او التحارب فيما بينها، ناهيك عما يمثله ذلك من تآكل لهيبة الدولة، التي كانت تعهدت قبل اسابيع قليلة بتحقيق الانتصار على الإرهاب دون ذكر لاشراك القبائل. وردا على هذه المخاوف اصدرت امس قبيلة الترابين، وهي قبيلة ضخمة تمتد من صحراء النقب إلى جنوبسيناء، ويبلغ منتسبوها نحو نصف مليون، بيانا أكدت فيه «ان ما تقوم به من أعمال دفاع عن أرضها وديارها لا يتعارض مع سيادة الدولة». وشدد البيان، وكأنه يتحدث باسم الدولة، على تأييد الجيش بالقول: «وكلنا نؤيد وبكل شدة وحسم إجراءات السلامة والوقاية التي يتخذها الجيش والشرطة لحماية أرواح مجنديه وأرواحكم فلا تكونوا خناجر في ظهورهم احفظوا أنفسكم، فليست أرواحكم بأغلى من أرواح الجنود». واللافت ان البيان لم يتطرق إلى المطالب العادلة لأهالي سيناء بخصوص تخفيف معاناتهم من الآثار الكارثية للمواجهات العسكرية على حياتهم، ناهيك عن الانتهاكات الحقوقية والنقص الفادح في الخدمات الحيوية وخاصة في مجالات الصحة والتعليم والنقل والتشغيل، وهي التي كانت اسهمت اصلا في وجود بيئة معادية للدولة قبل ان يسمع احد بأي من التنظيمات المسلحة. ومع انتهاء «الهوجة الإعلامية» حول إعادة إعمار سيناء، التي تتكرر في مثل هذا الوقت كل عام، لوحظ ان النظام لم يتحدث عن أي مشروع أو خطة عملية في هذا المجال على الرغم من ان الرئيس المصري كان أعلن عن تخصيص ميزانية لهذا الغرض اثناء تكليفه الفريق اسامة عسكر بقيادة الجبهة الموحدة ضد الإرهاب في سيناء. بل ان النظام تجاهل التوصيات التي أصدرها وفد من المجلس القومي لحقوق الانسان (هيئة حكومية) بعد زيارة لشمال سيناء قبل عدة أشهر، وعلى رأسها دفع تعويضات للمتضررين، ومعالجة المظالم وانهاء اجواء القمع التي تجعل الأهالي عاجزين عن الشكوى خشية ان يتم احتسابهم على الجماعات الإرهابية. وللمفارقة فان أحد شيوخ القبائل الذين استعان بهم الإعلام الحكومي مؤخرا للترويج للسياسة الجديدة تسبب في حرج هائل للنظام عندما كشف عن ان تلك الجماعات، وخاصة «ولاية سيناء» (تكونت من بعض أبناء القبائل والعائلات، وانضم إليهم أعداد كبيرة من محافظات الشرقية والقاهرة والإسماعيلية، ومحافظات الصعيد، مؤكدا أن سيناء أصبحت مستنقعا لهؤلاء الإرهابيين يتجمعون من كل حدب وصوب، فى حضن تكفيريين من سيناء يعرفون طبيعة المنطقة التي نعرفها أيضا وسنقاتلهم عليها). وتثير هذه الشهادة الشبهات حول ادعاءات النظام طوال الشهور الماضية حول تورط جهات خارجية في الهجمات ضد الجيش، وتعيد تسليط الضوء على الاسباب المحلية للأزمة في سيناء. وفي موازاة ذلك، وبالرغم من تعاون القبائل، لا يكاد يمر يوم إلا ويتعرض أهالي سيناء للاهانة والتخوين من بعض الابواق الإعلامية الحكومية، باعتبارهم «عملاء» أو «بيئة حاضنة للإرهاب»، أو «ان انتماءهم إلى القبيلة اكبر من انتمائهم إلى مصر». والغريب انهم طالما تعرضوا في الماضي إلى اتهامات مشابهة وصلت إلى «التجسس لمصلحة اسرائيل»، مع ان الحقيقة التي تقر بها الأجهزة الأمنية المصرية، هي انه لولا وطنية ابناء سيناء لما كان ممكنا اصلا الانتصار على اسرائيل في حرب العام 1973، وبالتالي انهاء الاحتلال. واخيرا، ومع الايغال في الحل الامني، بدلا من اعتماد استراتيجية علاج شاملة للابعاد الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والمظالم التاريخية، يتحمل النظام وحده المسؤولية عن الاستمرار في التدهور الامني في سيناء ونتائجه المخيفة. المصدر: القدس العربي 3/5/2015م