قال بعضهم (ستكون هناك حكومة انتقالية بنهاية الحوار الوطني)، والحكومة الانتقالية هذه إذا قمت بترجمتها وفق قاموس السياسة السودانية المعاصرة فستجد أن معناها ليس فقط إزاحة حكم الإنقاذ بل وكنس آثارها، وإذا بحثت عن مرادفة لهذا المسمى في أدبيات قوى الإجماع الوطني فستجد هذه الفكرة مترفلة حد التبرج تحت مفهوم (الهبوط الناعم) لحكم الإنقاذ واذا أمعنت فستجد مزيدا من التفسير لهذا المصطلح في إعلان المعارضة قبل سنوات عقب انفصال الجنوب عن برنامج انتفاضة تغيير الحكم في مائة يوم الذي نسبته قبل أن تكتمل أيامه بل وتنكر البعض منهم للفكرة لما بدأ عداد الأيام يقارب الموعد المضروب، تلك الأيام كان فاروق أبو عيسى يقول إن على المؤتمر الوطني أن يسلم السلطة وإلا فإن الهبة الشعبية قادمة.وفي المقابل كان د. نافع علي نافع ير د عليه عبر التلفاز بأننا لن نترك لكم قيادة القطار ونركب عربة في (فرملة القطار) طالما أن الشعب هو الذي انتخبنا، فإن أردتم الانتخابات فهي أمامنا ونحن مستعدون لأي تحاور حول ضمان نزاهتها أو مراقبتها دولياً، وإن أردتم غير ذلك فبيننا الأفعال. ومن يبحث في ذاكرة الحوار الوطني يجد أن مطلب قوى المعارضة التي قاطعته أو التي انسحبت من آليته أو تحفظت هو اشتراطها بأن تؤجل الانتخابات العامة وأن يضمن أن الحوار الوطني سيقود إلى حكومة وفترة انتقاليتين، إذن ذات المواقف والآراء يعاد إنتاجها داخل الحوار الوطني في أعمال لجانه، ومن الذي يستطيع القول بأن القوى المعارضة الحاملة للسلاح في دارفور وكردفان والنيل الأزرق والحزب الشيوعي غائبة عن مداولات الحوار الوطني، إنها حاضرة بمفرداتها وأطروحاتها ومواقفها، فخاطب الهامش والمركز وفكرة تقسيم السودان إلى أقاليم والحديث عن الهوية الافريقانية والمطالبة بفترة انتقالية كلها تعبر عن اختراق الأحزاب والقوى المقاطعة للحوار بواجهاتها من الحركات المسلحة بخطابها ومواقفها. حاشية : إن كانت أطروحات الحركة الشعبية قطاع الشمال وحركات دارفور الرافضة للحوار وقوى اليسار حاضرة في أعمال لجان الحوار الوطني، فإن الذي تغيب هو ليس فقط الاسم بل الأماني التي تصطدم بتمسك أحزاب الحكومة بشرعيتها الانتخابية، فكل حزب أو حركة دخل الحوار ممنيا نفسه بليلاه، لكن الحقيقة التي سيصطدم بها من لم يستكشف سنن الله في التدافع أن تعارض المصالح والأهداف سيقود إلى مواقف واقعية لأكثر الأطراف. ترتضي فيها بمقاربة عقلانية أو براغماتية تقبل فيها بتوافق تام على كيفيات الحكم، وتدعي أن اطمئنانها على تنفيذ تلك الكيفيات يقتضي أن تكون حاضرة في الفعل عند التنفيذ فتشرعن لمشاركة في الحكم لتكون قد فازت ب(كيف) وصنعت لنفسها (من؟) في حكم السودان، ولوا أماني النفس لما كان هناك حوار. نقلاً عن صحيفة الرأي العام 11/11/2015م