أحزاب المعارضة السودانية تعتقد أنها تستغل الثورية وتمتطي ظهر سياراتها الموتورة -دون عناء- فى انتظار الحصاد الآتي. الثورية هي الأخرى تعتقد أنها تمتطي ظهر الأحزاب المعارضة للحصول على شرعية سياسية تفتقدها. الإثنان يبحثان عن زيّ موحد مشترك طالت الأشهر والأيام دون أن يتفقا عليه. الذين يقودون الثورية لا تهمهم كثيراً بمآلات الأمور، فالمال على المستوى الشخصي بالنسبة لهم وفير والحياة الرغدة فى الخارج سهلة وليس لهم ما يربطهم ولا ما يخسرونه داخلياً، فإذا نجح السلاح الذي يحملونه فى إيصالهم الى مقاعد الحكم فهذا جيد، وإذا قصر عن ذلك فإن أسلوب حياتهم الموزعة ما بين معسكرات الجند والفنادق الفخيمة وإلتقاء كبار المسئولين في الخارج توفر لهم قدراً من العزاء والسلوى، فهم ليسوا فى عجلة من أمرهم. أما قادة المعارضة فى الداخل فإن أمرهم مختلف. هناك استحقاقات سياسية حاضرة دوماً، مشاكل التنظيم والإدارة داخل الحزب، الصراعات اليومية، التمويل اللازم للتسيير، متابعة القضايا اليومية المطروحة فى الساحة السياسية، وضرورات تقديم الرؤى والمواقف والأسوأ -دبيب عجلة الاستحقاق الانتخابي- التى تطيِّر النوم عن أعينهم، فالدوائر الانتخابية القديمة التى أكل الدهر عليها وشرب انطوت وتبدلت وخرجت عن السيطرة. الأطروحات السياسية - على قلتها - لم تعد تواكب الأوضاع، والمصداقية السياسية نفسها غابت، والخبرة تكلست كما تكلست أقدام الزعماء الكبار بفعل عوامل (الرطوبة) والرهق المتواصل فى ما لا يجدي ولا يفيد. ثم الأسوأ، مشاكل الخلف والسلف حيث تقدمت سنون العمر بكل قادة الأحزاب المعارضة واستحالة إجراء عمليات إحلال وإبدال سلسة فالانقسامات تسد الأفق. معطيات الثورية بهذا الصدد لا تتسق مطلقاً مع معطيات هذه الأحزاب ولعل أسطع دليل على ذلك أن للثورية إعلان دستوري (خاص) تواثقت عليه فى غيبة هذه القوى السياسية المعارضة، وهو من قبيل ما يمكن أن نعتبره (المسكوت عنه) لديهم، واحدة من أهم أطروحاته، إقصاء الأحزاب السودانية، خاصة التقليدية حال الوصول الى السلطة. ربما كانت في هذه النقطة إشارة واضحة الى أن الأحزاب المعارضة التى تتعب نفسها الآن فى ملاقاة قادة الثورية وملاطفتهم والسير فى ركابهم إلى أن حدودها لن تتجاوز أيام (الزفاف الأولى). الأحزاب المعارضة هي الأخرى تستسهل استصحاب الثورية وقواها المسلحة، فما أن تدين لها الأمور حتى تأمرها فتضع سلاحها وتطلب منها إخلاء المناخ السياسي وتدع (الخبز السياسي لخبازيه السياسيين)! كلنا يعلم كيف أن ما يسمى بقوى الإجماع أعدت (خيمتها الخاصة) وفترتها الانتقالية ومجلس الرئاسة والإعلان الدستوري الذى يحكم فترتها الانتقالية. أحزاب المعارضة بهذه المثابة تعتقد أنها (صاحبة الأولوية والحق) فى إدارة الشأن السياسي السوداني حال نجاح الأمور، ولهذا أنشأت هي الأخرى إعلانها الدستوري الخاص بمعزل عن الإعلان الدستوري للثورية وفى حساباتها أن حملة السلاح القادمين من الأطرف والهامش والملتحفين لحافاً إثنياً فاقعاً عليهم أن يظلوا هناك على أطرافهم، أما المركز فهم سادته وسدنته! من المؤكد أن هذه اللوحة السريالية المعطونة في الطين والملطخة بالألوان غير المتجانسة هي اللوحة التى بالإمكان مشاهدتها كلما تعلق الأمر بما يسمى بالثورية والأحزاب السودانية المعارضة. كل طرف يرهق نفسه فى حجز المقاعد له وحده فى الوقت الذى فيه ما من أحد منهم يملك (ثمن التذكرة)! والأدهى وأمرّ أن كل منهم يعتقد أنه نجح فى مخادعة الآخر وحصل منه على مبتغاه، والأكثر سوءاً أن كل منهما تخالجه خشية من أن تتسبب الظروف – وهي فاعلة لا محالة – فى جر أحدهما – بمعزل عن الآخر – لكي يكون طرفاً فى معادلة سياسة مع الحكومة فيندلق الزيت وتنكسر الزجاجة! ولكن الأشد سوءاً من كل تلك المعطيات السيئة أن السيناريو القريب والخطير سيكون بفك ارتباط قطاع الشمال بدولة الجنوب فتنهار تماماً الثورية ويصبح قادتها أمام خيار التفاوض وحده لا غير، وتضطر أحزاب المعارضة للجري للحاق بالحكومة، فتجد القطار قد تحرك وبارح المحطة وتضطر لانتظار آخر قطار فى محطة الانتخابات العامة، وهو آخر ما تريده، لأنه القطار الأخير وثمن التذكرة عليه – حتى ولو فى آخر القطار – باهظ، وباهظ للغاية!