كثيراً ما يتحدث الناس عن التغيرات التي حدثت في المجتمع.. من سلوك وعادات مكتسبة وتداخل قد لا يشبه السودان في كثير من تفاصيله.. وقد يلاحظ ذلك بالعين المجردة، بل إن الشخص نفسه قد يلاحظ أن تغيراً قد حدث له وأن بعض معتقداته ومبادئه وثوابته قد تغيرت.. ويمكن أن نبدأ في تلمس ذلك التغيير في أوساطنا البسيطة.. فالجيران قد تغير شكل التعامل معهم وأصبح الجار لا يسد حاجته البسيطة من جاره.. ففي الماضي كنا نسمع الجارة تنادي على جارتها لأنها تريد «حبة ملح» أو غيره، كما أن الجيران كانوا لا يحتاجون للتفكير في الدخول على بعضهم وهم يحملون صنفاً من الطعام، لأن الضيوف قد حضروا إليهم في وقت لا يسمح بإعداد طعام يكفي ضيوفهم.. ولا ننسى بالطبع أن نذكر السلوك الجديد وهو حبس الأطفال في المنازل وعدم السماح لهم بالخروج للعب بالخارج.. لأن الشارع لم يعد أماناً وأن أناساً ذوا طبائع مختلفة قد ظهروا فيه مما جعل المنازل متعبة وغير مريحة للطرفين الأسرة والطفل الذي يعشق الحرية.. ففي الماضي كان الناس يأمنون للموجودين فيه لأنهم جزء أصيل من التربية.. وكان الحق مع كل كبير يتحدث مع الصغار وينهاهم عن الخطأ دون أن يتضجر أهله أو يبدون نوعاً من الضيق.. وإذا جاء الطفل للمنزل وشكا من أي أحد من الذين وجههوه يضربه أهله ليعلم أن لذلك الجار فيه «كلمة» وحقاً في التصرف.. لكن انتهى ذلك تماماً..أما المجاملات فحدث ولا حرج، فقد حل الموبايل محل الزيارة وأصبح الجميع يدعون أنهم مشغولون وأنهم لا يستطيعون إضاعة أوقاتهم في المجاملات التي يصفون بعضها بالفارغة.. كما أن الأسر تباعدت وأصبحت تعتمد على العلاقات الخاصة والأصحاب أكثر من أن تقف مع بعضها البعض.. فإذا «دققتم» سادتي في أي مناسبة نجد أن نسبة الأهل فيها أقل من «20%».. وأن الأصحاب والعلاقات الأخرى هي التي تتسييد المناسبات بأنواعها «أفراحاً أو أتراحاً».في ظني أن هناك بعض الأسباب التي جعلت السلوك الاجتماعي السوداني يتغير وتتباعد خطوطه.. فالتعليم والاهتمام الأسري به مثلاً، قد يشغل الإنسان ويقلل من أوقات مجاملته والعمل والتربية التي اختلفت، فالأسر كانت تعلم أبناءها المجاملة وتأخذهم للمناسبات الأسرية، لكن الآن هناك من يرفعون شعار «جنة الأطفال بيوتهم».. فيكبروا على ذلك وتصعب عليهم المواصلة في مشوار أسرهم الاجتماعي.. وقد دخلت كلمات جديدة مثلاً عندما تقول فلان «عمي أو خالي» تجد من يسألك «عمك طوالي»، مما يعني أن الأسر الممتدة ستتلاشى وتنزوي.. وحينها لن يكون «العز بالأهل».