وما زلنا نتحدث ناصحين للأحبة في الإنقاذ.. وهو قسم برافع السماء بلا عمد.. هو حديث مشفق وناصح وخائف من أيام حافلة بالرعب.. نأمل كثيراً أن لا تأتي.. نضرب الأمثال.. ونرسل الصور الناطقة والصادقة.. والصادحة وهي تروي في تفصيل مرعب.. مصير الذين لا يخافون آتياً ولا يرجون حساباً.. الحساب الذي نعنيه ليس حساب مالك الملك في ذاك اليوم الذي تجحظ فيه العيون.. وتشخص فيه الأبصار ويسيل العرق مدراراً.. الحساب الذي نعنيه هو حساب الدنيا.. حساب الجماهير عندما تنسدل قيودها عرساً في الأيادي.. والذين نعنيهم هم الذين «يعرضون» ويستعرضون بالقوة المتمثلة في قلاعهم المحروسة بالمدافع والبنادق.. حديثنا لهم هو متى ما زالت هذه القوة.. أو تبدلت مواقعها ومواقفها سيجدون أنفسهم في وضع «يحنن» حتى الكافر.. وها هو مبارك.. الذي كانت تحرسه وتحرس قصوره وقلاعه.. سواعد وبنادق مليوني جندي وصف ضابط وضابط.. وحشد من الجنرالات.. ها هو «أسكت» من سمكة.. يجيب في فزع على المحققين.. متوسلاً أن يبقى في شرم الشيخ.. خائفاً.. بل مفزوعاً من شبح «السجن».. ويتواصل سيل الأسئلة من المحققين حتى تتدخل «سوزان» التي كانت قبل أسبوع واحد سيدة مصر الأولى.. تتدخل باكية مولولة وكأنها امرأة بائع فجل أو فطير «مشلتت».. تخاطب المحققين وهي تختلج «كفاية حرام عليكم الراجل حيموت بين أيديكم».. ويقول «حسني» في انكسار «أعملوا فيّ أي حاجة بس والنبي أولادي لا».. وسبحان الذي لا يتغير. ونذهب إلى «صفوت الشريف».. وهذا كان فرعوناً آخر.. ملأ حتى الغلاف مجلداً مكتوباً بالدم.. دم الضحايا من أبناء مصر.. صفحات تحكي الاغتيال بشقيه المادي والمعنوي.. وانتهاك أعراض.. وتصوير محرم للنجوم للإرهاب والتخويف والترغيب والابتزاز.. وتنتهي اللعبة.. وها هو الرجل يقبع في «ليمان طرة».. مكوماً ببدلة السجن البيضاء.. وليته كان رجلاً حتى في السجن.. فقد خرس تماماً وعز عليه الكلام.. راح الرجل يبكي.. ويبكي وفقط يبكي.. أما سفاح القرن المخضوبة أيديه بالدماء.. ذاك الذي كان لا يراه أحد كائناً من كان.. وكأنه غول.. أو حيوان أسطوري.. مجرد ذكر اسمه تجلجل البيد والصحارى والمدن.. بأصداء الأصوات الشيطانية.. والرجل بلغت به الجرأة على الله خالق الكون بأن انشأ في سراديب مصر المحروسة.. قطعة أطلق عليها اسم «جهنم».. ويشاء الله أن يريه بعض ما ينتظره هناك في جهنم الحقيقية.. ولا أجد ما أكتبه لكم غير هذه المحادثة الصغيرة التي جرت في سجن طرة.. حيث يقيم.. «بمجرد وصول السيد حبيب العادلي وزير الداخلية السابق، إلى سجن طرة بدأ حرس السجن القيام بمهامهم.. قال له أحد الحراس.. أجلس هنا.. أخلع ملابسك.. خذ ملابس السجن.. خذ هذا الشبشب.. استشاط العادلي غضباً وقال لا مش ممكن انتو بتعملوا إيه.. انتو مجانين.. قالو له لازم تلبس وتجلس.. لم يفعل.. فأجلسوه بالقوة في نهاية الأمر وأمر حلاق السجن بالحلاقة بدون صابون.. هنا جن جنوب العادلي وأخذ يصرخ إيه البتعملوه ده.. قالوا له بصوت واحد بنفذ في تعليمات سيادتك.. حضرتك أمرتنا نتعامل كيف.. سجين يشرف في «طرة» نذلو.. نأدبو.. ونكسر عينو.. نعذبو.. أهو نحن دلوقتي بنفذ تعليمات سعادتك.. فما تزعلش».. هذا هو حبيب العادلي.. وله نقول «إنت لسه شفت حاجة». ونخرج من مصر.. لنحط الرحال في ساحل العاج.. و«باكبو».. ذاك الغبي قد أضاع فرصة عمره.. لو استجاب الرجل لنداء صناديق الاقتراع وتنحى عن قصر الرئاسة لخرج من القصر محفوفاً بالاحترام والوقار وبكامل «هدومه» البدلة الأنيقة وربطة العنق الباريسية التي تشع فيها أزرار النجوم.. ولأخذ موقعه محاطاً بالتقدير والاحترام تحت قبة البرلمان زعيماً للمعارضة.. ولكن لأن خمر السلطة ما برح يعشعش في «مخه» وهو يرفض آخر نداء من الثوار وجنود «الحسن واتارا» بأن يخرج من القصر محترماً.. رفض الرجل في صلف وجنون.. وما هي إلا خمس عشرة دقيقة حتى شاهده العالم كله «أسيراً» وفقط «بفنلة كط».. وكذا تكون النهايات.. نهايات كل من أسكرته السلطة.. وخدعته القوة.. التي يبدلها الله.. بل يبدل مواقعها في لمحة من الزمان.. هل من متعظ.. نأمل ذلك حتى لا نكون من الشامتين.