الضمير في عنك يعود إلى المؤتمر الوطني.. أما ما رواه البعض، فهو التعديلات والتبديلات الأخيرة وغير المعلنة بصورة رسمية التي جرت على بعض مواقعه القيادية، مثل تقديم البروفيسور الأمين دفع الله ليكون أميناً لأمانة العاملين، بدلاً عن الفريق أول مهندس صلاح عبد الله محمد صالح (قوش)، والدفع بالبروفيسور إبراهيم غندور ليكون أميناً لأمانة الإعلام بديلاً للأستاذ فتحي شيلا الذي جاء إلى المؤتمر الوطني من الحزب الاتحادي الأصل، وقد كان داخل حزبه كادراً قوياً مؤثراً مثلما كان في أمانة الإعلام بالمؤتمر الوطني. للقيادة داخل أي حزب تقديرات قد لا يعرفها غيرها، والقيادات العليا داخل الأحزاب ربما تتفق رؤاها حول شخصية معينة في فترة ما لأداء دور معلوم ومطلوب تتوفر مطلوباته في الشخصية التي يتم اختيارها لذلك الدور أو الموقع، لكن مصيبة الأحزاب دائماً تجيء من عدم التقدير المشترك لدى القيادة العليا والقيادات الأخرى القريبة منها، لذلك تحدث الانشقاقات والانقسامات داخل الأحزاب، والأمثلة عديدة لا تحتاج إلى تذكير، ولكن لا بأس من التذكير بأول انقسام داخل الحزب الشيوعي أُبْعد بمقتضاه الراحل عوض عبد الرازق ومجموعته لصالح سكرتير الحزب الشيوعي الشاب وقتها الراحل الأستاذ عبد الخالق محجوب، ثم الانقسامات التي شهدتها الحركة الإسلامية في بدايات تأسيسها عندما خرج منها الأساتذة المرحوم ميرغني النصري والمرحوم بابكر كرار وعبد الله زكريا، ولحق بهم الدكتور ناصر السيد في وقت متأخر، ليؤسسوا الحزب الاشتراكي الإسلامي. ولم تقف عجلة التغيير عند حدود اليسار واليمين الأقصى، فقد استمرت الانقسامات داخل اليسار واليمين معاً، وقد كان آخرها ما شهدته الحركة الإسلامية من انقسام عرف باسم المفاصلة جعل واجهتها السياسية تتحول إلى «مؤتمر وطني» و«مؤتمر شعبي».. الأول قاده شباب الحركة الإسلامية لدعم رئيس الدولة ومناصريه.. والثاني نتج عن إقصاء الأب الروحي للتنظيم الدكتور حسن عبد الله الترابي الذي أبقى معه مجموعة من الحرس القديم الذين كان ولاؤهم ولاءً تاريخياً للزعامة القديمة، إلى جانب بعض الشباب الذين تغيّر موقفهم مع مر السنين وكرها ليعودوا الواحد بعد الآخر إلى المؤتمر الوطني. والشيخ الدكتور الترابي أعد مفاجأة سياسية كبيرة بإعلانه أنه يعد العدة لتأسيس كيان إسلامي جديد يتجاوز إطاري «الوطني» و«الشعبي».. لكن لم تعد للرجل أدوات الجذب الكافية لهذا العمل. والتغييرات تطال حتى أحزاب الوسط ويمين الوسط.. وما حدث ويحدث منذ منتصف ستينيات القرن الماضي داخل الحزب الوطني الاتحادي المنشق إلى اتحادي ديمقراطي ووطني ديمقراطي وشعبي ديمقراطي، ليس ببعيد عن الذاكرة الموثقة في تاريخ الأمة السياسي، ونقصد بذلك الصحافة.. وكذلك الحال داخل حزب الأمة الذي أصبح له عدة فروع، وعلى رأس كل فرع زعيم وحوله جماعة. يتمتع حزب المؤتمر الوطني بعدد هائل من الأدمغة السياسية، إضافة إلى ما هو أهم في هذه المرحلة وهو السلطة التي تجعل الابتعاد عن دائرته للسياسيين المتفرغين.. محاولة أقرب للانتحار السياسي، إضافة إلى كونه واجهة سياسية لتنظيم آخر أقوى عنصراً وأدق تنظيماً وأكثر التزاماً، لذلك يصبح من الصعب أن تؤدي عمليات التغيير التي تطال قياداته إلى جنوح جماعة من داخله للمناوءة والمعارضة ومحاربة النظام. للقيادة تقديراتها ولكن الأقلام ستكتب وستجد الصحف وكتابها مادة تقتات منها لأيام وربما لشهور، لأن الناس مغرمون بالتغيير حتى وإن كان داخل أحزاب لا ينتمون لها، لأن التغيير يعني للكثيرين سياسات جديدة ولغة ومفردات جديدة في قاموس الحزب والعمل السياسي.. ونحن لا نتوقع الكثير أو المثير إذا كان الإطار واحداً وكذلك الهدف والسياسات، فكثير من القيادات التاريخية غيّبها الموت أو الإقصاء أو التنافس.. لكن يظل جذع الشجرة واحداً، ونستدل على ذلك بأن الحزب الاتحادي الديمقراطي لم يزل هو هو.. وكذلك الأمة، والشيوعي والبعثي.. وكذلك سيكون الحال داخل المؤتمر الوطني.