مستعرضاً همومنا العربية وحالنا الذي وصلنا إليه وبعضه من صنع أيدينا، تقافزت كلمات وعبارات عديدة لأتخير التي تلائم الوضع المخزي والحال المزري الذي تعيشه أمة العرب بتعاسة شديدة وخوف عظيم من الغد الذي يحمل في طياته الكثير، المثير، الخطر. وتعجبت وغيري، ألهذا الحد أدمنت الأمة الهوان على نفسها ومن يهن يسهل الهوان عليه ما لجرح بيت إيلام، هذه الكلمات أجملت المعنى وأوجزت وصف الحال. الأحداث جارية و وتيرتها متسارعة، ونتائجها دامية في وقت معاً، فهذه ليبيا يعيش شعبها أهوال التقتيل والتنكيل والسحق كالجرذان كما وصفه زعيمه الملهم، أم سوريا التي يعاني شعبها مأساة الضمير الذي أعماه حب السلطة وعتقته حمامات الدم الذي يسيل بلا توقف من النساء والرجال والأطفال، ثم وبلا منازع صبر اليمن وإصرار الشعب على الرحيل للطغمة الحاكمة.. هذه الدماء التي ملأت الطرقات هي مخزون الأمة الإستراتيجي من عقود وعقود ادخرتها الشعوب لليوم الذي تشخص فيه أبصار اليهود فإذا بأبصارنا وأفواهنا وعقولنا تصيبها الدهشة والحيرة ويعتصر قلب الأمة كل الألم متجمعاً منذ العام 48 وحتى هذه اللحظات، بعض ساستنا وقادتنا يفجرون طاقاتهم الكامنة ليس للنهوض العربي بل لتدمير ما استنهضته وبنته الأمة العربية طيلة العقود الماضية، وللأسف هذا التدمير هو بالوكالة عن اليهود والأمريكان. لم يعمل القادة عقولهم ولم تكن اجتهاداتهم إلا لكيفية تكريس السلطة، لقد سقطوا جمعياً في امتحان الحريات التي زادوا المقيدة منها تقييداً. لم تسلم الأخلاق من نزواتهم فتساقطوا واحداً تلو الآخر وصحائف الغرب تحكي وأحلامهم وأفلامهم تقول ذلك. ذهبت الأمانة منهم ومن أشياعهم ثم غاب الحياء وذهب ماء الوجه العربي، تدثر بعض القادة بإزار الكبرياء فنازعوا رب العباد فيها فنزع الملك منهم وسلبهم الوقار والاحترام.إن الأحداث الجارية في المنطقة العربية أو المتوقع حدوثها ثمنها مكلف وباهظ جداً، لقد نضحت الشعوب بكل ما تدفق من دماء وما أهدر من مال ووقت في كل من تونس ومصر ثم ليبيا وسوريا واليمن على آثارهم، قرابين ضخمة في قيمتها، ففيها العلماء والفقهاء والقضاة وكل الشرائح نوعاً وعدداً.ما يجري في المنطقة العربية ما هو إلا حلقة في مسلسل كتب له اجتياح المنطقة العربية في إطار إعادة التشكيل للمنطقة والهيمنة أو الحرب على الإرهاب أو السيطرة على الموارد. إن العرب كما وصفهم أعداؤهم من قبل يقرأون ولا يفهمون، وإذا فهموا لا يعملون وإذا عملوا لا ينجزون إلا ما يدمر بعضهم بعضاً. لقد سقط القادة العرب في مواجهة تحديات العصر وعجزوا عن إيقاف عجلة السقوط السياسي والاقتصادي والاجتماعي والأخلاقي. لقد برز على سطح الساحة العربية أدعياء في الفكر والسياسة وتشاكسوا فلا الفكر ولا العقيدة سلمت من تغولاتهم ولا السياسة قاربت الاغتراب الفكري والاجتماعي، لقد فقدت المجتمعات العربية الأمن الفكري والنفسي والأمن القومي تبعاً لذلك. لقد عجز القادة عن صياغة المواطن ليكون إنسان العصر في فهمه للواقع والالتزام بالعقيدة والتفاهم بلغة العصر. من عجب أن أمتنا ألقت كنوزها العرفية في السياسة والريادة في العلم وتخلت، فتحلل الكيان القومي وتمزق، وتنكرت لكل موروثاتها وتشرذمت وتفاقمت ثم تمددت تيارات التباعد الساخنة فأحرقت كل أنواع التواصل وتجمدت في عروقها دفقات دم القضية المحورية وصارت هموم الملك والرئاسة هي محور الشخصية القيادية العربية لأنهم توارثوها ويورثونها لمن بعدهم وهم هكذا حتى يأتي يقين النزع من ربها بعاصفة شعبية كما نرى أو بزلزلة. المعلوم أن الأمم إذا دهمتها الخطوب تعود وتؤوب لذاتها وأصولها وتسترجع كل مقومات القوة فيها وتتعاضد إلا أمتنا العربية بعضها يتنكر لبعض، وأخرى مطية لبعض القوى الأجنبية تبحث عن مدخل وموطأ لتباعد بين العرب وتدمر هذه الأمة في كل كياناتها الحسية والمعنوية، حتى صرنا لا نرى جمعاً عربياً أو محفلاً إلا وزادت وقائعه الوقيعة والقطيعة، إن قلوب القادة العرب تتجافى كل يوم عن التقارب في حين تأبى شعوبها رغم الحدود إلا التقارب والتعاضد وكلاهما، كل يغني على ليلاه فالشعب يريد إسقاط وتغيير النظام، والملك أو الرئيس يريد استمرار النظام، يا لهف فؤادي من غد. ها هي النكبة الكبرى تمر ذكراها وأي ذكرى فثورات الشباب اندلعت في بعض الشعوب وأحدثت طفرة للتغيير وبعض الشعوب تمور في وجدانها نار الثورة موراً، قالتها الحناجر وأفصحت عنها العيون، لقد كان ملهمهم الشعب الفلسطيني الذي قاد انتفاضات الحجارة ثم أفنى كل ربيع العمر يصيغ ويصنع الملاحم التي غيرت الملامح في أسلوب القتال العربي، في نهج الحوار العربي، إنه شعب القضية المعلم رغم المآخذ على بعض ساسته وقيادته، إن الشعب الفلسطيني رغم نكبته هو مستودع الرفض العربي هو الرفض ذاته و عينه، وهذا الرفض وهذا الصمود أشعل نيران القضية الفلسطينية في ساحة الثورات العربية، الحنين إلى الأرض قاد ركب تقدم الشباب في العودة ولو مظهراً يحكي أو في الروح نبض، إن الأرض بركان يثور وانشقاقات الأرض تعني بالضرورة أن في باطنها كل النار، كل الزلازل. لقد آن للعقلاء في العالم العربي- أن يوقفوا عجلة السقوط المسننة الدواليب والتي تدور الآن وهي في دورانها هذا تكسر وتحطم وتهشم كل العظام العربية، هذه أصداء النكبة وعلى رئيس الجامعة العربية المنتخب أن يكون مفتتحه لمهامه جمع الشمل، رتق الجسم، حفظ الود وترتيب إيقاع القلب، وليكن رجع الصدى في ذكرى هذه النكبة أن أمة الأمجاد عادت لتكون حرباً على التخاذل العربي. فريق ركن