لا خير فينا إن لم نقلها !! تيسير حسن إدريس [email protected] (ما حك جلدك مثل ظفرك ... فتولّ أنت جميع أمرك) {الإمام الشافعي} المتأمل لحال منظومة الدول التي ننتمي إليها المسماة بالعربية لا شك يصاب بالحزن والأسى حين لا يجد مهما أجتهد ونقب في التاريخ الحديث لحكومات تلك الدول موقف واحد مشرف يناقض هذا الواقع المهزوم ويقدح في مصداقية ما ذكرت فلقد أضحت المنطقة العربية برمتها مضارب للحزن والذل والهوان حتى حق عليها تسميت مضارب (بني خذلان وبني آسيان). فالمشترك الوحيد الذي يجمع هذه الدول هي جامعة الدول العربية والتي طوال تاريخها المديد (أكثر من ستون عام) لم تستطيع أن تصيب نجاح واحد يحسب لصالح الأمة أو أن تقوم باختراق يتيم يحدث انقلابا في حالها المأزوم ويعيد الأمل في أنها أمة ما زالت حياة قادرة على الفعل والعطاء والإسهام والتأثير في التاريخ البشري ، فالقضية المركزية ( احتلال فلسطين) التي كان المرء يخال أنهم قد اتفقوا والتفوا لإيجاد حل لها منذ عقود تراوح مكانها وتزداد تعقيدا وبعدا عن الحل والعدو الذي كنا نظن أنهم ناصبوه العداء أضحت معظم دولهم والقيادات فيها اقرب إليه من حبل الوريد تتسابق وتتبارى في خطب وده وتبادل المصالح معه بل وتبذل من أجل رضاه التضحيات وتقدم العطايا والهبات بلا من أو أذى ودونكم موقف (أم الدنيا) الدولة العربية الكبرى مصر من حيث تزويده بالغاز شبه المجاني وحماية حدوده مع قطاع غزة بالرجال وعوازل الفولاذ بالإضافة للتنسيق ألاستخباراتي والأمني عال المستوى وهذا الحال متكرر مع بقية العقد الفريد من فوق الطاولة مباشرة أو من تحتها وهذا الأدهى ويكفي ما بث في الإعلام مؤخرا عن الزيارة السرية لأمير قطر المفدى لإسرائيل ولقائه لقادتها مجرمي الحرب وقتلة الأطفال . أما علاقة هذه الدول مع بعضها البعض فحدث ولا حرج ظاهرها الابتسام والرحمة وتقبيل اللحى وباطنها الكيد والعذاب ولعن الأمهات ومسرحيات القمم العربية الهزلية خير شاهد على ذلك حيث يتخندق القادة وينقسموا إلى فسطاطين متناقضين ومتناحرين ولكل منهما مواقف تثير التقزز والغثيان ما بين تعيس وخائب رجاء ففسطاط (الانبطاح) التعيس يهرول بلا خجل خلف أسياده من الصهاينة الأمريكان كاشف عورته لريح من فرط سرعة الاستجابة ألا مشروطة لكل أمر يصدر عن البيت الأبيض ولا يهم قادته من حطام الدنيا الفانية سوى إرضاء حراس عروشهم التي شادوها فوق رمال الخداع والكذب ولو كان الثمن قمع الشعوب وإذلال الأمة وهم لا يخفون ولاءهم المطلق ولا يستحون وشعارهم (نحن ومن بعدنا الطوفان). أما فسطاط نضال الحناجر والذي يدعي المقاومة والتصدي فليس بخير من أولئك فمنذ أكثر من نصف قرن يلهبون ظهر العدو بصراخ أجوف وهتاف فارغ ووعيد كاذب فلم نسمع لهم صوت بنادق أو دوي قنابل حتى حين يتحرش بهم العدو مستفزا ويقصف عمق الوطن وعقر الدار يتحاشون النزال بإدعاء انه يريد جرهم لمعركة خاسرة لم يستعدوا لها ولا ادري ورب الكعبة كم من القرون تكفي لتجهيز العدة واكتمال العتاد؟!! يناورون وهم يعلمون أنهم يخادعون فقد خسروا المعركة من سنين عندما هجروا الخنادق والبنادق واختاروا النضال من قاعات الفنادق بشعارات وعنتريات ما قتلت في نصف قرن ذبابة وتفرغوا لقتال وإذلال شعوبهم وحماية عروشهم التي أضحت نعوشهم لا يفارقوها من المهد إلى اللحد. إذا ليس المنبطح على بطنه بأسوأ من المنسدح على زناد قد صدأ من طول الانتظار فكلاهما يخدم العدو بالطريقة التي يتقنها فلا فرق بين عمرو وزيد (فليلى) التي يتغنون عليها واحدة وبيتهم (الحرام) الذي يحجون إليه لونه أبيض ، وإذا ما تأملنا الحالة السودانية كمثال للخذلان العربي المبين من كلا الفسطاطين بدت لنا الصورة بائسة وكالحة السواد تحكي عن ضعف المعتقد وضحالة الفكر وانهزام الروح وانكسار الوجدان القومي وتبرز واضحة للعيان زيف الشعارات والادعاءات التي ظلت القيادات العربية تلوكها وتجترها ومن ثم تتقيها في عقول وأعين وآذان الشعوب حتى لا تعي ولا ترى ولا تسمع ما يدور حولها ولا تعقل ما يحاك حولها من مؤامرات تستهدف مستقبلها وكيانها ووجودها. إن المخطط الصهيمبريالي الرامي لفصل جنوب السودان عن شماله والتحكم في مياه النيل بإقامة دولة مسيحية ضعيفة ومواليه تغدو جدار واقي من تمدد الثقافة العربية والإسلامية إلى العمق الإفريقي فيما يعرف بدول القارة جنوب الصحراء ليس بجديد وقد بدأ العمل على تنفيذه منذ خمسينات القرن الماضي وقادة العرب في كلا الفسطاطين يعلمون ذلك علم اليقين خصوصا وإن البعض منهم ما زالوا على عروشهم منذ ذاك الحين ويكاد إن يكونوا مشاركين فيه بالدعم المباشر أو على الأقل بالصمت المريب رغم إدعاءهم الهبل والطرش أحيانا واللوعة والحسرة الأنثوية أحيانا أخرى فلقد أداروا للسودان ظهورهم وولوا الدبر وهو يمر بهذا المنعطف المصيري بحجج واهية تفضح عن عقول مترعة بالنظرة (الشوفينية) العنصرية والذاتية النفعية مع نكران الجميل والتنكر للأيادي البيضاء السودانية التي امتدت لهم في أزماتهم ولحظات ضيقهم. فمنهم من يرى أن السودان بلد إفريقي صرف وشعبه مجروحة عروبته فلا داعي لنصرته وبذل العون له وهؤلاء لسخرية الأقدار جلهم من بقايا الأرمن والشركس والدرز وقد تناسوا تضحيات القوات المسلحة السودانية التي أرقت دماء أبطالها على أرضهم من أجل إيقاف محرقة حروبهم الأهلية وإنقاذ ما تبقى من حطام دولتهم العربيدة ، وآخرون يعتبرون أرض السودان عمقهم الاستراتيجي وحديقتهم الخلفية ويجب على شعبه أن يخصي عقله ويلغيه ويتبع سياساتهم الخرقاء الذليلة ودون ذلك العداء والكيد المبطن والمعلن وقد نسوا أن شعب السودان لعزته وحكمة قادته هو من احتضن عار نكستهم وعالج نزيف جراح الأمة وأصلح بين المتخاصمين من زعاماتهم وخرجت من عمق قلب عاصمته الحرة الأبية (لاءات) العز والكرامة الثلاث كأول وأخر موقف رجولي لأمة هانت وسهل الهوان عليها في مؤتمر القمة الناجح الوحيد في تاريخ جامعتهم العربية عام 1967م وآخرون ليس بخير من هؤلاء أو أولئك تناسوا فضل أهل السودان والمحامل التي كانت تحمل سنويا لكسوة بيت الله الحرام وإكرام ضيوفه وآبار علي قرب مسجد الميقات في المدينةالمنورة والتي أقامها السلطان على دينار في القرن قبل الماضي حاضرة وتشهد على ذلك،ولكن رغم كل هذا ظلت دول الهوان تنسج على منوال الكيد غزل علاقتها بشعب السودان. إن العلاقات بين الدول والمنظمات تقوم على أساس المصالح المتبادلة ووفق هذا المعيار الذي يحكم العلاقات الدولية نجد إن السودان طوال فترة عضويته في الجامعة العربية لم ينل من الفوائد شيئا يذكر بالعكس كان وجوده داخلها خصما على لحمته الوطنية وصياغة هوايته السودانية ومثار توجس وشك من قبل المجموعات الزنجية الخالصة باعتبار إن المجموعات التي تدعي نسب حمزة والعباس (رضي الله عنهما) تحاول أن تمحوا هويتهم الأصلية بفرض قيم ومعتقدات غريبة عنهم مما زاد من اشتعال نار الفتن والأزمات الداخلية وأدى لتعقيد المشهد السياسي السوداني وتجلت نتائجه المدمرة في استعداد شطر الوطن الجنوبي للرحيل طارح على رأس أسباب انفصاله عدم مقدرة شعب الجنوب على العيش تحت ظل دولة تدعي العروبة وفق برنامج الجماعة المتأسلمة المدمر أضف إلى ذلك نظرة معظم الدول العربية لنا والتي تتسم بالعنصرية والرفض المبطن لعروبة دولتنا وشعبنا. فهل من بعد ما ذكرت استبان قومي النصح وعلموا إننا قد انحزنا لمضارب وشعاب ليست لنا واخترنا الصف المخذول وأوغلنا في السذاجة وحسن النوايا حتى ابتلعننا صحاري التيه العربي وأغفلنا مراتع الأشقاء في الغابات الاستوائية والجنان المدارية وها نحن بعد فوات الأوان وفراق الخلان نتباكى على اللبن المسكوب ونكيل اللوم لذوي القربى في الجنوب على اختيارهم الرحيل النبيل إلى عمق الأجداد الذي تنكرنا له برعونة الأطفال وادعينا نسب الأعراب فشربنا في نهاية المطاف كأس الخذلان والهوان. تيسير حسن إدريس 25/11/2010م