صاح النحوي في غلامه قبيل صلاة الفجر بقليل: ياغلام أصاحت العتاريف..؟ قال الغلام وهو يستجمع شتات أفكاره بعد يقظة مفاجئة قطعت نوماً ثقيلاً: زغفيلم..! صمت النحوي برهة، ثم ردد كلمة (زغفيلم) عدة مرات فلم يجد لها معنى قريباً أو بعيداً.. فصاح في الغلام: ياغلام وما معنى زغفيلم..! رد الغلام ومازال يغالبه النوم.. وما معنى العتاريف.. أجاب النحوي: العتاريف ياغلام أصلحك الله.. هي الديوك، فأجاب الفتى وهو يغمغم ومازال يمني نفسه بنوم طويل: معناها.. لم تصح ياسيدي..! وأكمل الغلام نومه وجعل سيده النحوي محتاراً في كلمة رغفيلم التي لم يجد لها معنى ولا اشتقاقاً ولا تصريفاً.. تستهويني هذه الحكاية كثيراً.. وخاصة كلمة (زغفيلم) التي لا معنى لها ونسجها خيال الغلام الذكي الذي ربما تأثر كثيراً بسيده النحوي..! وأجد أن كلمة (زغفيلم) هذه مناسبة جدا هذه الأيام فأرددها كثيراً، ليس بمعنى أن العتاريف لم تصح بعدُ، ولكن بمعنى أن الكلمة التي لا تعني شيئاً في واقع قد يعني شيئاً..! وقد تعني شيئاً في واقع لا يعني لا شيئاً..! أو في واقع مضطرب والناس تحتار منه و تتخوف أن تدخل حلبته! وقد تجد الناس من حولك(تجوط) وترغي وتزبد وأحياناً( تنظر وتتفلسف) في أمور كثيرة.. ثم تجد أن الأمر كله (زغفيلم) أي أنها لا تستحق كل تلك الضجة ولا تستحق أن تصيح (العتاريف) من أجلها..! كثيراً ما تجد(شكلة) مدنكلة وخناقة على مستوى بين كمساري وراكب في حافلة حول الفكة والباقي.. وتتحول المشاحنة اللفظية إلى مشاحنة واسعة يشترك فيها معظم الركاب..! ومع السخانة وزحمة المواصلات لا يتحمل كثير من الناس بعض الحالات التي تستوجب الصبر والعفو والصفح..! وتستوقفك خلال اليوم الكثير من (الخناقات) والكثير من سوء الفهم وعدم التقدير في المواصلات، وفي حركة المرور خلال اليوم مع غياب شبه تام للذوق وحسن التعامل، والذي يفضي في النهاية إلى الاشتباك، ومن العنف اللفظي إلى العنف الجسدي..! وحتى الصغار مع الإجازة التي لا طعم لها ولا لون في كثير من الأحياء، كثيراً مايحولون لعبهم البرئ إلى مشاكل وخناقات تتسع دائرتها فتدخل فيها الأمهات ومن بعدُ الآباء..! ويكفهر الجو في الأحياء إلى أن يتدخل العقلاء والحكماء فيضعون حداً لتلك الخلافات.. والطريف أن العيال سرعان ما يتناسون (شكلتهم) ويعودون إلى لعبهم و(هظارهم)، وكأن شيئاً لم يكن..! وكما يقال دائماً:(الأبناء يأكلون الحصرم والآباء يضرسون).. وزغفيلم في أحيان نكررها كثيراً في داخل أحيائنا، فإذا فرحت بجموع العمال وهم هذه الأيام يحفرون(المجاري) لتصريف المياه، تفاجأ بأن الأوساخ والتراب وكل ماكان عالقاً داخل هذه المجاري باقٍ على السطح.. وكأنهم غير معنيين بإزالته من مكانه. فتبقى المصيبتان: المجاري ما تزال على حالها، وأوساخها نقلت إلى مرتبة أعلى فأصبحت على السطح تذروها الرياح وتعيد بعضها إلى المجاري من جديد..! ووزغفيلم نقولها لاولئك الذين لا يقدمون رجلاً إلى الأمام ولا يرجعون خطوة إلى الوراء ويحسبون أن الزمن متوقف عندهم، فلا حركة ولا سكون بإرادتهم وحسب ما يخططون! فإذا قدمت رجلاً أمامهم قطعوها وإذا أردت أن تتراجع قطعوها..! وزغفيلم نرددها ونحن نتفرج على زعيط ومعيط وهم (يردحون) في القنوات الفضائية العربية ويكيلون السباب الشتائم لبعضهم ويرغون ويزبدون في قضايا لا تستحق أن تثار أصلاً و لا تستحق كل هذه العنتريات والتراشق اللفظي الحاد الذي قد يتحول في لحظات إلى إشتباك بالايدي بين فرحة المذيع بتحقيق المراد ونجاح حلقته- كما يظن- وبين حسرة المشاهدين..! وزغفيلم نقولها لاولئك المنافقين الذين سرعان ما تمسحوا ب(كِريم) الثوار، وأرادوا أن يسحبوا البساط من تحت أقدام ثوارها الحقيقيين الذين فجروها، فأصبحوا ثواراً أباً عن جد، وظنوا أنهم الناطقون باسم الثورات العربية وهم الذين فجروها.. ولكن كانت العتاريف صاحية لهؤلاء المنافقين الذين يحاولون في كل زمان ومكان سرقة الثورات ومن أبنائها وأهلها ويخدعون الله وهو خادعهم..! وكما يقال فإن الثورات تأكل بنيها، فإننا ندعو شباب الثورة المصرية والتونسية ان يكونوا يقظين ومتيقظين لكل المحاولات التي تقود إلى إجهاض هاتين الثورتين المباركتين، وما أكثر شياطين الإنس والجن الذين يبذلون الغالي والنفيس وكل الحيل وكل الوسائل لكي تتحول ثورتا مصر وتونس عن طريقهما نحو الفلاح والنجاح إلى طرق أخرى تعيدها إلى حال أسوأ مماكان عليه الحال قبل الثورتين..! وزغفيلم نقولها: لاولئك الذين يسرقون أحلامنا وآمالنا وهم يسطون على أفراحنا وبهجة أيامنا فيعكرون الأمزجة، ويحيلون الحياة إلى ساحات للبكاء والعويل.. ولا يقدمون خيرا ولا يُفرجون كربة ولايدخلون السرور إلى قلب أحد.. وإذا فقدوا سلطتهم وسندهم تباكوا على أيامهم الخوالي ومجدهم الذي ضاع..! وزغفيلم نقولها لاولئك الذين يحسبون أنهم يحسنون صنعاً وهم غارقون في شرورهم وضلالهم وغيهم ولا خير يُرجى منهم وهم على قيد الحياة، فإذا رحلوا سعد الناس برحيلهم وإنتهاء شرورهم..! وزغفيلم نقولها: لاولئك الذين ينسون أن ذاكرة الشعوب حاضرة وأنها لا تشيخ ولا يصيبها (الزهايمر)، ونقولها لذلك الرجل الذي ظن أن أهل السودان لا ذاكرة لهم وأن مايسطره ويتلفظ به عن السودان لا يُحفظ في صدور الرجال قبل أن يحفظ في الملفات والذاكرات الحافظات.. وكانت النتيجة أنه فقد منصباً لطالما تاق إليه ومنى نفسه به، ولكن كانت العتاريف صاحية.. وصاحت في الوقت المناسب! وعلى كل نحن دائماً مع صياح العتاريف وليس مع نهيق الحمير.