إلي اين نسير    منشآت المريخ..!    كيف واجه القطاع المصرفي في السودان تحديات الحرب خلال 2025    صلوحة: إذا استشهد معاوية فإن السودان سينجب كل يوم ألف معاوية    إبراهيم شقلاوي يكتب: وحدة السدود تعيد الدولة إلى سؤال التنمية المؤجَّل    كامل إدريس في نيويورك ... عندما يتفوق الشكل ع المحتوى    أيهما تُفَضَّل، الأمن أم الحرية؟؟    مباحث قسم الصناعات تنهي نشاط شبكة النصب والاحتيال عبر إستخدام تطبيق بنكك المزيف    عقار: لا تفاوض ولا هدنة مع مغتصب والسلام العادل سيتحقق عبر رؤية شعب السودان وحكومته    إجتماع بسفارة السودان بالمغرب لدعم المنتخب الوطني في بطولة الأمم الإفريقية    بولس : توافق سعودي أمريكي للعمل علي إنهاء الحرب في السودان    البرهان وأردوغان يجريان مباحثات مشتركة    شاهد بالصورة.. الطالب "ساتي" يعتذر ويُقبل رأس معلمه ويكسب تعاطف الآلاف    شاهد بالفيديو.. الفنانة ميادة قمر الدين تعبر عن إعجابها بعريس رقص في حفل أحيته على طريقة "العرضة": (العريس الفرفوش سمح.. العرضة سمحة وعواليق نخليها والرجفة نخليها)    شاهد بالفيديو.. أسرة الطالب الذي رقص أمام معلمه تقدم إعتذار رسمي للشعب السوداني: (مراهق ولم نقصر في واجبنا تجاهه وما قام به ساتي غير مرضي)    بالصورة.. مدير أعمال الفنانة إيمان الشريف يرد على أخبار خلافه مع المطربة وإنفصاله عنها    وحدة السدود تعيد الدولة إلى سؤال التنمية المؤجَّل    بعثه الأهلي شندي تغادر إلى مدينة دنقلا    تراجع أسعار الذهب عقب موجة ارتفاع قياسية    عثمان ميرغني يكتب: لماذا أثارت المبادرة السودانية الجدل؟    ياسر محجوب الحسين يكتب: الإعلام الأميركي وحماية الدعم السريع    محرز يسجل أسرع هدف في كأس أفريقيا    شاهد بالصور.. أسطورة ريال مدريد يتابع مباراة المنتخبين السوداني والجزائري.. تعرف على الأسباب!!    وزير الداخلية التركي يكشف تفاصيل اختفاء طائرة رئيس أركان الجيش الليبي    سر عن حياته كشفه لامين يامال.. لماذا يستيقظ ليلاً؟    "سر صحي" في حبات التمر لا يظهر سريعا.. تعرف عليه    والي الخرطوم: عودة المؤسسات الاتحادية خطوة مهمة تعكس تحسن الأوضاع الأمنية والخدمية بالعاصمة    فيديو يثير الجدل في السودان    إسحق أحمد فضل الله يكتب: كسلا 2    ولاية الجزيرة تبحث تمليك الجمعيات التعاونية الزراعية طلمبات ري تعمل بنظام الطاقة الشمسية    شرطة ولاية نهر النيل تضبط كمية من المخدرات في عمليتين نوعيتين    الكابلي ووردي.. نفس الزول!!    حسين خوجلي يكتب: الكاميرا الجارحة    احذر من الاستحمام بالماء البارد.. فقد يرفع ضغط الدم لديك فجأة    استقالة مدير بنك شهير في السودان بعد أيام من تعيينه    كيف تكيف مستهلكو القهوة بالعالم مع موجة الغلاء؟    4 فواكه مجففة تقوي المناعة في الشتاء    اكتشاف هجوم احتيالي يخترق حسابك على "واتسآب" دون أن تشعر    رحيل الفنانة المصرية سمية الألفي عن 72 عاما    قبور مرعبة وخطيرة!    شاهد بالصورة.. "كنت بضاريهم من الناس خائفة عليهم من العين".. وزيرة القراية السودانية وحسناء الإعلام "تغريد الخواض" تفاجئ متابعيها ببناتها والجمهور: (أول مرة نعرف إنك كنتي متزوجة)    حملة مشتركة ببحري الكبرى تسفر عن توقيف (216) أجنبي وتسليمهم لإدارة مراقبة الأجانب    عزمي عبد الرازق يكتب: عودة لنظام (ACD).. محاولة اختراق السودان مستمرة!    ضبط أخطر تجار الحشيش وبحوزته كمية كبيرة من البنقو    البرهان يصل الرياض    ترامب يعلن: الجيش الأمريكي سيبدأ بشن غارات على الأراضي الفنزويلية    قوات الجمارك بكسلا تحبط تهريب (10) آلاف حبة كبتاجون    مسيّرتان انتحاريتان للميليشيا في الخرطوم والقبض على المتّهمين    إسحق أحمد فضل الله يكتب: (حديث نفس...)    مياه الخرطوم تكشف تفاصيل بشأن محطة سوبا وتنويه للمواطنين    الصحة الاتحادية تُشدد الرقابة بمطار بورتسودان لمواجهة خطر ماربورغ القادم من إثيوبيا    مقترح برلماني بريطاني: توفير مسار آمن لدخول السودانيين إلى بريطانيا بسهولة    الشتاء واكتئاب حواء الموسمي    عثمان ميرغني يكتب: تصريحات ترامب المفاجئة ..    "كرتي والكلاب".. ومأساة شعب!    ما الحكم الشرعى فى زوجة قالت لزوجها: "من اليوم أنا حرام عليك"؟    حسين خوجلي: (إن أردت أن تنظر لرجل من أهل النار فأنظر لعبد الرحيم دقلو)    حسين خوجلي يكتب: عبد الرجيم دقلو.. إن أردت أن تنظر لرجل من أهل النار!!    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



(البنديجريون) الإنجليزي و(إن يو إندو) الإنكليزي .. بقلم: حاتم المدني
نشر في سودانيل يوم 14 - 04 - 2012

عمنا الدكتور محمد أحمد جحا له العرفان والتقدير من أوائل الأكاديميين الزراعيين الذين أُُبتعثوا للدراسات العليا في الولايات المتحدة في الفترة بعد الإستقلال وأشرف لاحقاً على العديد من مراكز البحوث البيئية والزراعية في أنحاء السودان وبتواجدنا في ترحالنا بعدد من تلك المراكز كان يجد وقت لزيارة الاسرة ،و كنت وقتها في بداية مرحلة الكتاب او الإبتدائية على الرغم من ذلك شغوف باللغة الإنجليزية بسبب تدريسها لنا منذ مرحلة رياض الاطفال وبدأت أطلع على مقررات اللغة المخصصة للمدارس الوسطى رغم انني في اول سنواتي بالكٌتاب مثال سلسلة كتب الهجاء الوايت نايل (White Nile No?) وكتب أخرى لا أذكر إسمائها كنا نطلق عليها أسماء مرتبطة بمادتها مثال "مان أند ذي بان" وجون اند توم الخ، وكنت أجد تشجيع منه لإهتمامي بها فيقتطع أيام من زيارته يراجع معي ويرشدني حول قواعد اللغة وله إسلوب مميز سلس يرسخ في الذهن سريعا و نصائح عادت بالفائدة لي لاحقا و يكرر قاعدة ذهبية وهي أن طريقة نطق مخارج الحروف والتلاعب بها هي التي تحدد معاني اخرى للعديد من مفردات الكلمة، كان ذلك قبل ثمانية وثلاثون عاماً الأن إذا ماسٌئلت عن قاعدة ذهبية في تعلم أي لغة أخرى ساجيب مختلفاً ان أفضل الطرق بعد "القراية أم دق" هي من خلال التواصل اليومي بها فالتواصل لايعلمك فقط اللغة بل بواطنها أيضا والتجارب خير معلم..
فقبل عدة سنوات كنت بالسفارة البريطانية بالخرطوم لإنهاء بعض المعاملات حيث طلب مني الموظف بها أن أذهب وأحضر له بعض المستندات التي يحتاجها لإكمال المعاملة موجهاً نحوي حديثه بصيغة الأمر بخصوص مستند ناقص:Go and fetch it for me لم انتبه لتوريته في صيغة الامر وحسبتها من عادة (بيروغراطيات) موظفي المؤسسات الحكومية، فضربت معه موعداً وأحضرت له لاحقا ما اراد لاكمل المعاملة، مرت سنوات على ذلك ولأذكر ان كنت قد إستخدمت صياغة مشابهة لجملته حتى جاء يوم طلبت فيه عفويا من إبني الصغير أن يذهب ويحضر لي شيئا بالمنزل مستخدماً نفس الكلمات وصيغة الأمر ...Go and fetch me فبدأ عليه الإمتعاض وهب ثائراً محتجاً على ماتفوهت به قائلا لي "أرجو المعذرة لكنني لست كلبك حتى تخاطبني بهذه الصيغة"! ، إندهشت من ثورة غضبه لوهلة وظننت أنني لم أبادر بصيغة الرجاء please وهي ما نصر عليهم الإبتدار بها في أدب التخاطب ،وكانت والدته على مقربة منا فنبهتني بتلميح سريع مرددة fetch is for the dogs! فاستدركت الأمرسريعا وفيما بعد سخرت من إستخدامي للكلمة محاولا أن أتذكر إن كنت بجهل قد إستخدمتها مع شخص أخر وذكرت لها متى ارتبطت بذاكرتي فمازحتني بقولها أكتب لذلك المسؤل إحتجاج بتورية أخرى تحرجه وتوبخه على مافعل وقد تقصيت مكانه لاحقاً وفعلت وكان رده هو الأخر طريفا بتورية أزاحة غبني نحوه ،لكن احداث محرجة صغيرة مثل هذه تعلم المرء ان يكون دقيقاً في تخير مصطلحات كلماته ..
والإنجليزية بصورة عامة ليست لها عامية بالمعنى المعروف رغم أن الجزيرة البريطانية بها لغتين مختلفتين بجانب اللغة الإنجليزية الأم ولايخلط بينهما كما مثال في السودان حيث نخلط في التخاطب العامي كلمات من اللغات المحلية غير الموجودة في المعاجم العربية ،لكن الانجليزية تحوي عبارات معروفة كثيرة تطلق و يراد بها معنىً آخر غير ما تعنيه الكلمات نفسها في قاموس اللغة مثال لاحقا في مقالي هذا: I will go banana ولاتعني حرفيا أنني ساصبح موزة ولكن العبارة قد تستخدم لتعني أنني سافقد منطقي او عقلي او اخرج من المتعارف عليه ،سانفعل ..الخ، او في مثال أخر you nuts، this nuts،فهي لا تعني أنت فول(حاجات) او هذا فول وانما أنت مجنون او هذا هراء.وبعض الكلمات تستخدم لإختصار وإغتضاب طرح كامل وتعفي عن إطالة الشرح مثال فلان إشترى الادني بالاقل او حول الإغراءfor a bowl of stew/ broth
بجانب كل ذلك الإنجليزية بها عدة أساليب من التورية بعضها معروف لغير الناطقين بها وآخر قد يجيده الناطقين بها كالاستراليين او الامريكان او الكنديين أما أعقدها تلك التوريات التي يستخدمها في المخاطبة إنجليز جنوب إنجلترا فهذه قد لايفقه كنهها حتى مواطنيهم في شمالها او غربهاوساحاول اشرح معضلتها التي تسبب دائما حرج كبير للكثيرين من خلال أمثال واقعية تتكرر خاصة بين العرب و السودانيين الذين يخاطبون وسائل الاعلام الغربية وبين حتى الذين أصبحوا اليوم جاليات معتبرة بها لكن يصعب عليهم التواصل مع مجتمعاتها ويصرون على التخاطب بلغاتهم في أوساط تضم غير المتحدثين بلغتهم وهو نوع من عدم إحترام المتواجدين حولك.
فمنذ مطلع التسعينات بدأ السودانيين يتوافدون الى بريطانيا باعداد كبيرة ، حيث لم يكن يتعدى تعداد السودانيين المقيمين بجميع مقاطعاتها بما فيها إيرلندا في الفترة وحتى عام 1988 حوالي 4800 بين مقيم او في إنتظار الحصول وقتها على إقامة دائمة بها، لأ أعرف تعدادهم الدقيق الأن ولكن يقدر عدد الذين طلبوا اللجوء اليها منذ عام 1993 بأكثر من مئة وخمسون الف تم تجنيس أغلبيتهم في عهد حكومة العمال السابقة قبل وضع شروط الان تتضمن معرفة اللغة والعادات والقوانيين.
في تلك الفترة كان لدي صديق من بلدياتنا شخصية طريفة داهية "رباطابي اللسان" عاش ببريطانيا في الستينات وغادرها في بداية التسعينات وتعود أن يتصل بي كل ما مر بها حيث التقيه في وسط لندن وكان كل ما التقي به يبادر بإمتحاني وإستكشاف تطور إستيعابي للغة الإنجليزية ،في إحدى زياراته هذه التقيته في منطقة (كوينز واي) في وسط لندن التي إشتهرت في السابق بمنطقة تواجد السودانيين القادمين الجدد والقدامى خاصة من فترة معارضة النميري حيث أخبرني أنه متواجد ببهوة (بي إن بي مختصر لكلمتي سرير مع إفطار) او حانة اللكوندة التي تستخدم كذلك كبهوة إستقبال وقد إختفت هذه اللكوندات الأن من المدن الكبيرة حيث حلت محلها الفنادق لكن المقيمين السابقين القدام يعرفون بعض أصحاب تلك اللكوندات حيث يستاجرون الغرف التي تعلوها بأجر زهيد وفي كثير من الاحيان كعرف قديم تقدم مجانا باعتبارهم ضيوف للأسرة التي تمتلكها.
عندما وصلت اليها وجدته يجلس في طاولة ببهوة الحانة يلتف حوله أصدقائه القدامى من عجائز البحر الكاريبي والانجليز فهب يستقبلني مرحبا بي بلهجة إنجليزية (الكاريبيين) وله إسلوب محاكاة لها أحيانا من لايعرفه قد يستحيل أن يفرق بينه وبين ناطقيها وعند إختلاطه النادر بالسودانيين لايقدم نفسه أبدا كسوداني ويبهرني كثيراً حزقه لعدد كبير من اللهجات المحلية "للباتريكس" الايرلنديين و"الجونز"من مناطق نيوكاسل في الشمال الشرقي و"الديفيدز" الويلشيين و"المايكلز"في الجنوب الغربي وهي التقسيمات العرقية حسب اسماء القديسين للجزيرة، وله إسلوب نطق لمخارج احرف اللغة الإنجليزية بجدارة تثير الإعجاب وتخدع الكثيرون ويفعل نفس الشئ حتى مع لغاتنا السودانية فحينا تجده بقاري رزيقاتي يجيبك ب(واي- و- كو) او رطاني ورباطابي سليط السان كما اقدحه دائما مازحاً.
ففهمت من مرادفات كلمات ترحيبه بقدومي ان التزم الحديث بالإنجليزية (القديمة) وأشاركهم تسلية التورية وكانوا جميعا يتمازحون بال (البنديجريون pundigrion) او لطافة التورية الخفيفة ويتناولون الجاد من الحديث بال( إن يو إندو Innuendo) وهي إسلوب تخاطب قديم يعتمد على التورية مع الغمز والتلميح والاول يجاد حسب قواعد نحوية معينة رغم أنه باللغة الانجليزية لكن قد لايستبينه أي متحدثا بها غير الملم جيدا به ، ففي حالة تورية (البنديجريون ) فهو إسلوب الطرافة والنكات الباردة يقال أنه ظهر في أوائل القرن الثامن عشر كممارسة شائعة في جنوب إنجلترا ويصعب شرحه لكن من خلال ما دار لاحقا ربما سيفهمه القارئ خاصة عندما يخلط عن عمد بتلميحات او ال(إن يو إندو ) فالاول يعتمد على ان يرد المتحدث في مقطع واحد، مصنوع من كلمة "مطاطية"تضم اكثر من معنى واحد بتفكيكها مثل الكلمات المتقاطعة تقدم الاجابة. والكثير من مواطني جنوب إنجلترا كانوا يلجأون له كذلك من أجل المتعة في تجمعاتهم الترفيهية لكنه عاد مرة أخرى ليصبح رائجاً اليوم بين الانجليز في الجنوب حتى في اجتماعياتهم العامة حيث يتخاطبون به ليفرقوا بينهم وبين الوافدين او سكان المناطق الأخرى فيصعب ان يفهم غيرهم مايدور في حديثهم أن لم يكن إنجليزي ود بلد!
بعد لحظات من قدومي دخل بهوة الحانة سوداني (من تلك العينة التي لاتفقه معنى بعض الملبس وتتجبص به كما فنطظة المهرج الاوفكاتو) فالملبس هنا كذلك له مناسبات وارتباطات حتى ماركاته والالوان لها معاني وترسل اشارات مختلفة مثال هنالك طاقية يلبسها البعض في غير أيام العطلة وتعني انني عاطل عن العمل اليوم وغيرها، وكان ذلك الشاب يلبس بدلة تصميمها ولونها وخطوطها تعرف هنا ببدلة موظفي الضرائب والمالية ولا يلبسها غيرهم حتى هم تركوها اليوم مع قميص يحكي قصة مخالفة وربطة عنق تلبس خصيصا في المأتم وأخذ مكان له أمام بار الحانة ، فلمحه صديقي الرباطابي السليط ومن دون ان يلتفت نحوه او نحوي او يقطع مجريات حديثه مع اصدقائه وفي جملة (بًّن) واحدة تصب في مجريات الحديث الفكاهي الذي يتناوله مع صديقه وفي نفس الوقت الجملة نفسها قصد بها ان يلمح لي جانبا بمزحة ثقيلة حول ما لاحظه فقال في ما معناه :" نايجل لوسون الحزين في السوق الاوروبية" لم أتمالك نفسي من الابتسام ويفترض ان أتي برد لايخرج الحديث عن ما يدور في مجريات حديثه مع صديقه الذي كان حول مأزق حكومة تاتشر ومنطقة الايرو وهو هنا قد أشار الى البدلة التي يلبسها الشاب عبر استخدام اسم وزير ماليتها فاجبته ربما يحتاج لكأس ويسكي لتقديم الميزانية لمعارضة برلمان مجلسكم؟.
وعندما إنبرى السوداني الذي قدم لحظتها في التخاطب مع النادلة بصوت عالي كالعادة رغم انها تقف مباشرة امامه مستخدما كلمات إنجليزية " ركيكة الترابط مفرداتها من قواميس "المعلقات السبعة لجد شكسبير" لم يتمالك صديقي السليط نفسه فقال لي "إنجليزية جامعة الخرطوم"!، هنا لم أتمالك نفسي من الضحك وغاظتني مزحاته الثقيلة فقد كنت أتلقى مثلها منه في السابق وما أن حانت الفرصة حتى القيت بالتحية باتجاه الشاب السوداني الذي هو كذلك لم يتوانى فتوجه نحونا ليشاركنا الطاولة قبل دعوته ولأن سحنة بشرتي و"تفة رأسي" دمغة سودانية خالصة عرفته بنفسي لكني قدمت له الرباطابي السليط على اساس انه من مواطني جزر الكاريبي فهرع الشاب يستفسره أيتها من الجزر ؟ وحتى ازيد من معاناة صديقي هرعت أنا كذلك مجيبا عنه أنه من جامايكا لان صديقيه الذين كانوا يتسامرون معنا من جزيرة "بيربيدوس" غرب الكاريبي وتختلف لهجتها عن شرق الكاريبي فانتبه لخطتي وتحدي له وغير لهجته حتى ينبه كذلك أصدقائه لما أرمي له وما انتواه، وبدأت مسابقة التورية و التلميحات ال ( إن يو إندو) وفكاهة ال(البنديجريون) الحقيقية بينما أعتقده الشاب السوداني ان ما يدور مجريات حديث ثر بينهم من دون ان يدري حقيقة الحديث المغاير الذي كان يدور فعلا، فمثالا عندما سأله صديقي السليط (بلهجة جامايكية) " من أين انت؟ اجابه الشاب السوداني لشلاقته :" أنا نوبي"! وببرود قسمات وجه تحسده عليه مستخدما نطقه لها والمترادفات التي يمكن إستخراجها من نطقه للكلمة إستفسره مرة ثانية: تعني أنت "نوبي او نوب- آ knobbyاو nob-a "؟ فيصححه الشاب مسرعا :"لا اعني نوبيا" والشرك الذي نصبه لنا هنا هو كلمة "نوبا" لأن لها معنى اخر من النطق مثال "نوع من مقابض الابواب" و تلميح جنسي أخر في توريات اللغة الانجليزية فاليعذرني القارئ فهي قد تقدم مترادفات لا مكان لايراد بعضها هنا لكنه بذلك قد بدأ المسابقة ليأتي الإخرون بالمترادفات الاخرى ويبتدرون غيرها من دون الخروج من مجريات الحديث ومن دون ان يفهم (المسطح) مايدور وقد إستحلها جلساؤه من دون أبدأ أي ملامح على وجوههم كذلك فيستفسرون الشاب وكانهم يتداخلون في الحديث الدائر بعفوية هل "نوبة" ليست نوبيا؟ وأين تقع؟! فيجيبهم الشاب وكأنه يشرح معاجم اللغات في دروس عن مناطق النوبة ونوبيا ويردون بمزيد من الاستفسارات في كوميديا سوداء هل يعيشون بين جبلين؟ ويردفون لابد انها منطقة عشبية؟ ويواصل الاخر ملمحا "هل لهم طقوس خاصة في الصباح الباكر"!! ..ويعلقون خفية على بدلته بسؤاله عن إقتصادها وعملتها ويمكنك أن تتخيل مجريات الحديث والتورية فيه من دون الخروج عن مايدور بينما هم في الحقيقة غارقون في كوميديا ساخرة سوداء وبالطبع لم ينتبه لها السوداني الضيف خريج جامعة الخرطوم و لايبدي أيا منهم كما الانجليز أي ملامح تبين المزاح على وجوههم، ولايمكنني التدخل لإنقاذه هنا لأن التورية لم تخرج من معني الجمل الصحيحة،وأول من يخطئ في المسابقة يخسرها ويتحول الموضوع الى مترادفات أخرى كأنها تصب في نفس التناول والراجل مبسوط مسترسل في الحديث الثر!.
ويشيع إستخدام التوريات المزاحية في المسلسلات البريطانية واحاديث السياسيين وارتبطت بعض منها بأخرى مغايرة تماما مثل تخاطب عصابات المافيا أشهرها التهديدات المبطنة التي يقولونها حتى في وجود شهود لانها قانونيا لها معنى اخر و مثال في الرشوة عندما يوقف رجل الشرطة مخالف فيقول له المخالف("جيي اوفسر" هل يمكنني ان ادفع الغرامة هنا)!.
او في إشارة البريطانيين لمختصر اسم المنظمة المناهضة لوجود الاجانب (ايدل) الأن، اما سياسيا فيستخدم التورية المحافظين كثيراً حيث يضمنون بها انه لن يفهم مضمونها غير البريطانيين ولن توقعهم في مأزق قانوني، وأسرع تلميحات ال( إن يو إندو) سياسيا لي رد توني بلير على الرئيس البشير عندما هطرق الاخير واصفا موقفه قبل استقالته "بزنقة خدام يوم الوقفة"، اما أشهرها كان عندما أشار الرئيس جورج دبليو بوش،(في كلمة أمام أعضاء الكنيست في القدس، 15 مايو، 2008( بقوله" ان البعض يعتقد اننا يجب ان نتفاوض مع الارهابيين والمتطرفين، وكأن للبعض منطق بسيط يمكن اقناعهم ان ذلك كان ومايزال خطأ. لقد سمعنا تلك الاوهام الحمقاء من قبل." وهو هنا كان يتحدث عن أوباما تلميحياً في نفس الوقت يسخر من سحنته وما شاع عن اصوله لذلك هرع اوباما يندد باسلوب ال( إن يو إندو) في الخطاب السياسي مستخدما هو كذلك التورية عندما قال: "ما لا يستحق هو انتخابات أخرى يحكمها الخوف، والتلميحات، والانقسام )".باراك أوباما، خطاب يوم 3 يونيو، 2008)
وقد ذكر الكاتب ماشيك يوحنا بسخرية في مقاله("بوش وأوباما، وبطاقة هتلر." أخبار الولايات المتحدة 16 مايو، 20) كيف ان المتحدثة باسم البيت الأبيض، طالعتهم بعدها بوجه لاتبدوا عليه أي تقاطيع إبتسام خفي و اسرعت تنفي "إن الإشارة تلك لم تكن عن السناتور باراك اوباما".
و رغم ان المتعارف العام ان هناك ثلاثة أنواع من التورية المزاحية في اللغة الإنجليزية Homographic (antanaclasis) استخدام معاني متعددة من الهجاء او Homophonic (polyptoton) استخدام أصوات مماثلة مع هجاء مختلف. وإستخدام الصوت المذدوج Double-sound
لكن الانجليز يستخدمون أنواع أخرى بخلط الغمز مع التورية المزاحية ولان الاخيرة لها قواعدها النحوية وإستخداماتها فالأولى تعقدها خاصة اذا ما استباحوا مساحة في الحديث بعيدا عن إسلوب تورية ادعاء او "عجرفة" توم إسويفت 'Tom Swift وهي أطالة المقاطع باسلوب نطق الارستقراطيين ومع ان كل التوريات المزاحية لها قواعدها وإستخداماتها لكن يحتاج تعلمها إرتباط قوي بتقاليد وتراث مجتمعاتها،، وحقيقة يمكنني أن أقول رغم معرفتي بعدد كبير من السودانيين والعرب المهاجرين لبريطانيا وغيرهم حتى الأوربيين سوى الذين قضوا بها عقدً او نصف قرن من الزمان وجدت الذين يجيدون التخاطب باللغة الانجليزية بتورياتها الصحيحة او يفهمونها ويستخدمونها كتخاطب محبب في المجالس الاجتماعية نادرين جداً أو ببساطة بحكم إنطباع عام قليلين مثال صديقي الرباطابي السليط اللسان الذي غادرها "ليهتم بنخيلاته في شمال الداخله" ونفرين من قدماء الأم درمانيين هنا "غطسوا وقلعوا " في مجتمعاتها كما يقولون ما عدا هؤلاء لم ألتقي أحد وأشك كثيراً ان يتعلمها الجدد فالغالبية رغم مرور وقت طويل لوجودهم بها وحتى تجنسهم ورغم فصاحتهم بها يخجلك استخدامهم غير الدقيق لمفرداتها فيرمون من دون وعي لعكس مايقصدون او يسخرون من أنفسهم بطرافة من دون ان يدرون،و ليس لهم عذر كما يقول صديقي السليط عندما يمازحني عن ذلك بلكنة شايقية "دحين إن سكن (إسكاوسر-إشارة لليفربوليين) في كريمى متل سنواتم دي ، مو لازم يتربل وينعوج لسانوا ديل المانعن شنوا؟".
سبب مقالي هذا ملاحظاتي وإمتعاضي من تلك المفردات باللغة الانجليزية التي ينبث بها البعض في اللقاءات الصحفية في وسائل الإعلام الغربية لكثيرون من السودانيين والعرب السياسيون و لاينتبهون للمعنى الأخر للمفردات التي يستخدمونها او التي يومئ بها مستضيفيهم، وإصرار البعض للتخاطب بالعربية في مجالس بها أغلبية لاتنطقها خاصة في المواصلات العامة بصوت عالي وضجيج.
*حاتم المدني
Hatim Elmadani [[email protected]]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.