قبل عدة أشهر لبيت دعوة كريمة من الأخ المقدم شرطة (م) سلام محمد علي لمشاركته فرحته بزفاف ابنته بالنادي القبطي بأم درمان، وهناك استقبلني الأخ سلام ببشاته الحصرية وابتسامته المعهودة التي لا تفارق شفتيه، وقد زادتها فرحته ألقاً وبهاء، وتذكرت تلك الطرفة التي حصلت من قبل، وكان موضوعها بشاشة الأخ سلام وابتسامته، فقد كنت يومها واقفاً على بلكونة الطابق الأول بمباني إدارة المواصلات والاتصال بوزارة الداخلية، وكان يقف إلى جواري واحد من الإخوة الطيارين (ما في داعي للاسم طبعاً وح تعرفوه بعد شوية)، وحينها مر من تحتنا الأخ سلام، وعندما لمحنا رفع يديه محيياً (وين ياكباتن) وعلى محياه ذات البسمة الساطعة التي عهدناها فيه منذ أن كنا طلاباً في الكلية.. فقلت لصديقي الطيار (تعرف أنا أكثر حاجة عاجباني في سلام ده انو دايماً هاشي باشي والابتسامة لا تفارق وشه) فقال صديقي الطيار في حنق ظاهر (بختو مالسه ما عرس).. وهاهو سلام قد تزوج وأنجب وهاهو يحتفل بزواج ابنته، وما تزال بسمته هي ذاتها، ولا شك أن السيدة حرمه هي من جعلت تلك البسمة تستديم على وجه سلام فلها التحية. عندما كان اللواء (م) محي الدين محمد علي ضابطاً برتبة الملازم بمركز شرطة دنقلا، كان هناك كلب شرس قد روع المدينة رجالاً ونساءً وأطفالاً.. كل يوم عاضي ليه زول- وكان أن قامت شرطة دنقلا بعمل حملة مطاردة لإيقاف حملة الكلب حتى تمت السيطرة عليه، حيث قبض وأتوا به مخفوراً وربطوه بحبل إلى جذع شجرة كانت بالمركز إلى حين وصول سلطات البيطري لفحص الكلب عن داء السعر.. غير أن الصول سماوي كان له رأي آخر، حيث أنه (نقَّة) والح وأصر على الضابط محي الدين بصرف النظر عن موضوع (البيطري) وإعدام الكلب والانتهاء من الموضوع، وتحت الحاح الصول مساوي ورغبته الجادة وعزمه على إباده ذلك الكلب الضال الذي روع المدينة، وجهه الضابط محي الدين بأخذ بندقية من مخزن السلام وإعدام الكلب.. وبالفعل قام الصول سماوي باحضار البندقية وعبأها بالذخيرة واتجه نحو الكلب متخذاً وضع التنشين.. حيث ثبت البندقية على كتفه وأغمض عينه اليسرى و (نشن) باليمني، من مسافة معقولة، على الكلب الملعون.. أخذ الشدة الأولى على (التتك) ومع كتم النفس خلص على الشدة التانية (بمسارقة) كما يقول تعلمجية الضرب بالنار.. و(توف قطع الحبل)!! ولكم أن تتخيلوا حال شرطة دنقلا وهي تطارد الكلب من جديد!!. كان مجموعة من ضباط الدفعة (35) من دورة حتمية بأكاديمية الشرطة، وكان من بينهم الأخ صلاح أمين وهو رجل لطيف عذب الحديث طريف، وقد اشتهر بعبارته المعروفة بين ضباط الدفعة (35) والتي قال فيها (أنا ما بكضب أنا ببالغ)، وكانت أول محاضرة في الدورة في الفقه وموضوعها (النكاح)، وكان المحاضر قاضياً معروفاً من قضاة (العدالة الناجزة) زمن نميري، وابتدر القاضي محاضرته عن (النكاح) كطبيعة فطرية في خلق الله وأهميته التي تؤدي للتكاثر وإعمار الأرض.. وأنه من طبيعة الإنسان والحيوان والنبات، وأضاف معلومة مدهشة حيث ذكر (إنه قد ثبت علمياً بأن هناك بعض من الحجارة وإذا ما وضعت في بيئة معينة فإنها تنمو وتتكاثر!!) وهنا التفت الضابط محمد الحبيب أبوسم إلى الضابط أمين وقال له (مولانا باااااالغ) فرد عليه صلاح قائلاً (خ خ خ خالس!!). لا غرابة في أن تقوم شرطة النجدة باسهامات إنسانية مقدرة خارج منظومة العمل الجنائي، كأن تقوم بنقل سيدة فأجاها المخاض إلى المستشفى، على سبيل المثال.. ولكن أن تقوم شرطة النجدة بالتدخل لاطلاق سراح (آخر صرفية) لموظف خدمة مدنية، فذلك هو الغريب والطريف في آن واحد، وقد حدث ذلك عندما كان المهندس الزراعي عبد المنعم مبارك مصطفى في بعثة دراسية لنيل درجة الماجستير بكلية الزراعة بجامعة الاسكندرية، وكان ذلك في النصف الأول من سبعينات القرن الماضي.. وكان الباشمهندس عبد المنعم ملحقاً بوزارة التعاون عندما تم ابتعاثه ولمدة ثلاثة أشهر، بعد وصوله الاسكندرية كان عبد المنعم بلا مرتب، حيث باءت كل محاولاته بالفشل عن طريق السفارة السودانية بالقاهرة لتحويل مرتبه من الخرطوم للاسكندرية، ولما يئس تماماً من وجود أية بارقة أمل لحل معضلته هداه تفكيره إلى كتابة خطاب للسيد مدير شرطة النجدة بالخرطوم، شرح فيه معاناته ومعاناة أسرته بلا مال في الغربة.. ولم يخيب مدير شرطة النجدة عشم الباشمهندس فيه، حيث قام بارسال ضابط برتبة ملازم إلى وزارة الزراعة مع تعليمات صارمة بأن لا يعود وإلا بيده شهادة (آخر صرفية)، خاصة بعبد المنعم وتسليمها لادارة التدريب بوزارة الزراعة، والتأكد من أن إدارة الشؤون المالية بالوزارة قد قامت بإجراء اللازم.. غير أن الملازم المتحمس (أداها كوزين) حيث انطلق بعربة نجدة (والسرينة) تولول.. والفلاشات تضرب.. فالتعليمات واضحة والأمر لا يسمح بالتأخير بالتعطل في زحام المرور، أو التوقف عند (الاستوبات) إلى أن دخل مباني وزارة الزراعة بشارع الجامعة تسبقه صافرات الانذار المدوية وتصحبه الفلاشات الساطعة، الأمر الذي أفزع كل العاملين بالوزارة يومها ظناً منها بأن جريمة قد وقعت بالوزارة.. ودخل الملازم الجسور وزارة الزراعة وخرج منها بذات الطريقة إلى وزارة التعاون ومنها عاد ظافراً متأبطاً شهادة (آخر صرفية)، وخلال ثماني وأربعين ساعة أكتملت الاجراءات، حيث تلقى عبد المنعم اتصالاً هاتفياً من الملحق القضائي بالقاهرة يبلغه فيه بوصول مرتبه زائد مرتب الثلاثة أشهر الماضية.وكان الضابط عثمان حسين رستم رجلاً وسيماً.. (أبيض) اللون (حلبي يعني).. ذو بنية رياضية وقامة فارعة، وكان واحداً من أبرع لاعبي كرة السلة في السودان، وعندما كان طالباً بكلية الشرطة حدث له موقف طريف مع الضابط تاج السر الباترا.. ضابط الميدان.. وكانت العادة قد جرت في الكلية أن تكون أمسيات الأحد بلا (طابور عصر) وكانت تمثل أوقاتاً رياضية مفتوحة وذلك مراعاة للمسيحيين من الطلاب الذين كانوا يذهبون في ذلك الوقت من كل أحد إلى الكنيسة.. وذات أحد كان الطالب رستم (ينقز) (بالكورة) لوحده في ميدان الباسكت، وتصادف أن مر الباترا بملعب الباسكت، حيث توجه إلى الطالب رستم.. وفي (بالو) إنه حلبي ومن بحري واسمه رستم يعني أكيد (قبطي).. فقال له مداعباً (الليلة ما مشيت مع الجماعة) وفهم الطالب رستم أن الباترا يظن أنه مسيحي فجاراه في الأمر، وقال له (أيوه ياسيادتك) فصفق الباترا يديه وقال له (يا سبحان الله كافر وعاصي!!).