«نحن جند السودان لا نهاب.. نفتدي الأوطان في سهل وغاب..» كلمات بسيطة ولكنها قوية ومعبرة كنا نسمعها من التعليق المباشر على فعاليات الاحتفالات بأعياد «مايو» الغابرة، وذلك عند مرور طابور طلبة الكلية الحربية أمام منصة الرئيس نميري -عليه رحمة الله- ونحن في طابور كلية الشرطة من خلفهم ... كلمات تعبِّر عن عقيدة الجيش في كل الأزمات وأساسها حماية الوطن.. ولقد ارتبطت الشخصية العسكرية لضباط الجيش السوداني في أذهاننا بالشدة والقوة والإنضباط.. غير أن هناك جانباً لطيفاً لتلك الصورة الذهنية يخفيه هؤلاء الأشاوس تحت زيِّهم العسكري وهو الشخصية البسيطة، والوجوه الضاحكة المستبشرة، وروح الفكاهة التي تخفف من عناء التدريب وقسوة العمليات.. وهو جانب نأمل في أن نتمكن من عكسه للقارئ الكريم حتى يتعرف على الشخصية الطريفة المرحة لضباط وجنود جيشنا المفدي.. وكيف يضحك العسكر، وكيف أن من بينهم ظرفاء يجعلونك تضحك من شدقيك.. ومن هؤلاء الظرفاء، ظرفاء الجيش السوداني، الأخ العميد «م» محي الدين إبراهيم خليل.. رجل حباه الله بذكاء متقد.. وأعطاه قلب أسد.. وعزم صحابي.. وصبر جمل.. ويدهشني العميد محي الدين عندما ينادي على زوجته الصالحة الحاجة «منى» وابنه البار «حسان» ليعدلا من رقدة جسده النحيل الذي هده «الروماتويد» وانكهته آلام الحزام الناري البغيض.. وأتعبته قرحة السرير.. يعدلا من رقدته وهو يتألم في صمت.. ولكن تراه على قسمات وجهه الجميل.. ليحكي لي بعدها طرفة من طرائف الجيش فيضحك هو ضحكة لطيفة من القلب وأضحك أنا معه من الأعماق حد الدمع.. وإن أنسى لا أنسى ما سمعته من العميد محي الدين عن معاناته مع الألم إذ يقول «والله ياعثمان أنا كنت بكورك من الألم زي البنات.. ولكن فجأة.. وأنا في قمة الألم عندما كان الممرض يقوم بعمل «غيار» صعب لجرح قرحة السرير تذكرت الصحابة في موقعة أحد.. وتذكرت صبرهم على آلام الجروح والطعن والبتر الذي ألمَّ بهم.. ومن ديك بقيت أكتم الألم والصرخة جواي.. ويلتفت لابنه «حسان» ويسأله: «سمعتني تاني بكورك ياحسان» فيهز «حسان» رأسه بالنفي.. فلله درك.. ولله صبرك.. ولله جلدك يامحي الدين. ومن طرائف الجيش التي حكاها العميد محي الدين عندما كان طالباً بالدفعة (24) بالكلية الحربية أن زميله الطالب الحربي محمد حسن جدعة كان قد حضر متأخراً لبعض الوقت لاستلام المهمات الخاصة بطابور البيادة في ذلك اليوم، وبما أنه لم يكن يعلم أي نوع من طوابير البيادة سيكون في ذلك اليوم فما كان منه إلا أن استلم من مخزن المهمات «العدة كلها» السيف والبندقية والعصاية والعلم الذي كان عبارة عن «بطانية سوداء».. جاء شايل العفش كله وداخل على الميدان ولما لمحه الصول حميدان وهو على تلك الحالة «كورك» لمساعده الرقيب «محمداني» «يا محمدانيييي.. أعمل حسابك.. على الكرار وصل»!!. وكذلك حكى بأن الطالب الحربي آدم قسمان كان فتًى طويل القامة ويشتغل البيادة «زي ما الله خلقها» وذات مرة خاطبه الصول أمين مأمون أبو صلب- صول السرية الأولى- قائلاً «يا آدم تمنك كم» فرد آدم بحزم وجدية «قرش ونص» وكان يعني بذلك ثمن الطلقة التي يمكن أن تقتله في ميدان المعركة.. يعني الولد خلاص «ناقِش» العسكرية فرد عليه الصول أمينا «نص بس.. منو أداك قرش ده»!! ومن طرائف الصول أمينا مأمون أبو صلب أيضاً أنه كان يتفقد طابور السرية الأولى من الدفعة (24) بالكلية الحربية.. وقد كانت السرية كلها «حالقة صلعة» في ذلك اليوم، فخاطبهم قائلاً «السرية الأولى.. مالو رأسك الليلة زي متار باريس» فغمغم الطالب الحربي «البدري» ساخراً «هو إنت مطار باريس شتفو وين!!» وكان أن سمعه الصول أمينا مأمون أبو صلب فرد عليه «إنت ياتالب سينما ده خلقوه ليك براك»!!. وذات مرة كان الطالب محي الدين «عريف من السينيرز» «شادِّي» طالب من «الجونيرز» في إدارة داخلية وبيتكلم معاهو «كلام فارغ» بتاع عسكرية وكان بجانبه طالب آخر من «الجونيرز».. شاهد يعني.. وحدث أن مرَّ بجوارهما الرائد محمد زين العابدين فقال لمحي الدين وهو ماري «أحلق ليه صلعة» فقال له الطالب محي الدين «هو أصلاً حالق صلعة ياسيادتك» فقال له الرائد زين العابدين «خلاص أحلق للجنبو.. تعليمات.. حتقع واطه يعني!!» والبتجي من الرائد بتلقَّاها الشاهد. وطرفة أخرى حكاها العميد محي الدين تعكس الكياسة واللباقة في تعامل القادة في الجيش مع ضباطهم الذين يلونهم في الرتب، فقد حدث أن لاقى العقيد صلاح اليسع خليفة الملازم محي الدين والذي كان شعره كثيفاً بعض الشيء فقال لمحي الدين «يامحي الدين.. بعدين أنا عايزك تمشي معاي توريني الحلاق بتاعك لأنو حلاقتو عاجباني» ففهم محي الدين مغزى الإشارة وقال له «حاضر سيادتك.. بكرة.. بجي حالق». كان الطالب الحربي هاشم شرارة «أحمر» اللون .. حلبي يعني.. وعيونو «خدر».. وحدث ذات مرة أن تحرك متململاً في الطابور فلمحه الصول «حميدان» فقال له «إنت ياتالب عينك كده زي «الزونقة».. وعامل كده وسط الطابور زي الرقعة في اللستك!!.» «الزونقة» تعني سوط المطر أي قوس قزح. كان النقيب حسن قائد سرية «البيان بالعمل» بجبيت مشهور بأنه «وصَّاف» وكانت بعض من نوادره في «الوصف» التي يطلقها قد حدثت «بالسُفْرة» في «ميز الضباط» وكانت أولاها عندما كانت الوجبة المقدمة للضباط تحتوي على «بودنق» وهي كيكه ملونة، فقال النقيب حسن لمن معه «جايبين لينا البودنق ملون زي طاقية سيد علي..»، والتوصيف الثاني أيضاً كان قد حدث عندما شاهد النقيب حسن السيد قائد مدرسة المشاة بجبيت والذي قد إنتهى لتوه من تقطيع وجبة «الحمام» التي كانت منتشرة أمامه على الصحن.. الجناح براهو.. والسدر براهو.. والرجلين كذلك.. فقال له النقيب حسن مداعباً «ده شنو يا سيادتك.. مفرتق ليك طبنجة!!» أما ثالثتها والتي كانت سبباً في حرمان النقيب حسن من الأكل مع الضباط في الميز.. فقد حدثت أيضاً ولسوء حظه مع قائد مدرسة المشاة في جبيت.. عندما شاهد النقيب حسن وجبة «الكوار» التي كانت موضوعه على تربيزة «السُفرة».. الشوربة براها.. و«الكوارع» في سرويس براها.. فقال النقيب حسن لقائد المدرسة «الجريوات ديل شنو ياسيادتك» فصرخ القائد «خلاص.. كلو.. كلو.. كلو.. تاني ماداير أشوف الضابط ده في الميز.. تدوهو أكلو براهو تاني»!!. ونعود لطرائف الصول حميدان من جديد عندما التقى الضابط مدني عبد المجيد الذي كان يرتدي الزي المميز للعاملين بسلاح الطيران وذلك بعد نقله من المشاة إلى قسم الإدارة بسلاح الطيران فقال له حميدان «والله ياسيادتك أنا كنت عارف إنك حتدهور وتبقى طيار»!!. اتصل بي مشكوراً الأخ الدكتور بابكر إبراهيم الزين طبيب التشريح بسنار وهو من أحباء «خلاصة الحكي»، وأهداني واحدة من طرائف الجيش التي خطرت بباله عندما قرأ بعضاً من طرائف الجيش في الحلقة (43) من طرائف الشرطة، وقال إن لديه صديقاً من ضباط الجيش قد تقاعد برتبة العميد قد حكى له بأن قيادة الجيش كانت قد أحضرت في أواخر الثمانينات من القرن الماضي عربات «تويوتا» لتوزيعها على الضباط، وكان قد تقدم بطلبه للحصول على واحدة منها إلا أن أمله لم يتم.. وفي اليوم التالي أوصله «السواق» للبيت وكان برتبة العقيد وقتها، فسأله السواق «شايف ياسيادتك العربات وزعوها أمبارح .. إن شاء الله يكون أدوك واحدة؟!» ولما ردََّ عليه السيد العقيد بالنفي، قال له السواق«معقولة ياسيادتك ناس الجيش ديل بقو فوضجية ولاشنو.. «الأتفه» منك أدوه عربية إنت مايدوك.. والله حكاية عجيبة»!!.