نحن لانملك في هذه الدنيا، كما يقول صديقي الصدوق الفريق بحر، سوي البسمة والقلب الطيب، ولذلك فإن دمعتي دائما قريبة أقرب من رجفة أخونا عبد المولى الصديق حتى ولو كان فريق الهلال يلاعب فريق أم بعيبيش، كما أن بعض المواقف الإنسانية الصادقة تأسر القلب و تجعله رقيقاً حد البكاء، ومثال لذلك ما حدث حين تلقيت مكالمة ملأى بالمشاعر الدفاقة من مولانا أبشر بابكر أحمد الجعلي إمام مسجد الحارة 60 بالثورة.. وكانت تلك المكالمة المؤثرة قد أتت بعد نشر المقال الذي أثار كثيراً من الجدل حول قضية ضباط سجن كوبر، ولقد أفاد مولانا أبشر بأنه كان متعهداً لبوفيه كلية الشرطة في النصف الأول من سبعينيات القرن الماضي، وقد تحدث حديثاً طيباً عن تلك الفترة وعلاقته بأهل الشرطة وتميزها وإخلاصها، وتذكر أيضا أيام الدفعة 35 وقال إنه لايزال يتذكر عدداً من طلابها المميزين، وذكر منهم السناري وبحر أحمد الزبير إلى جانب ظرفاء الدفعة شمبول وأسامة بشير، ولم يتمالك مولانا أبشر نفسه من البكاء عندما علم برحيل الفريق إسماعيل عطية والباتره ودرار، ووجدت نفسي ودموعي تنهمر غصباً عني وأنا أحاول تهدئته، ذلك كان حال ومشاعر رجل انقطع لأكثر من ثلاثين عاماً عن مجتمع الشرطة إلا أنه يحمل امتنانا عميقاً وذكريات طيبة عن هذا المجتمع النقي الجميل. ونعود بعد هذه المقدمة لنتناول بعضاً من طرائف الشرطة، والتي نبدأها بما حدث للطالب محمد عبد الله الصائغ الشاعر الرقيق المرهف.. منذ دخول الصائغ للكلية لم يكن ميالاً لتناول شاي الصباح الباكر في الكلية وعلى «التعتره» قرر ذات صباح أن يذهب للسفرة ليتناول كباية شاي، وفي طريقه للسفرة طلب منه زميله في العنبر الطالب علي الميرغني أن يحضر له كباية شاي أيضاً، وتسلم الصائغ كبايتي الشاي غير أن حظه العاثر رماه في طريق الملازم درار عليه رحمة الله، وقد كان درار رجلاً ذا بسطة في الجسم وصوت جهوري، فما كان منه عندما لمح الصائغ يحمل كبايتين شاي أن قال له «غفلنا منك اليومين ديل يا راجل بقيت تشرب بدل واحدة كبايتين.. خت الشاي ده وبسرعة على الميدان».. وفي الميدان قصد درار إلى «بلتون»الصائغ ووقف أمامه قائلاً «أيوة دائما كاتل لي حيلك.. أطلع بره» وبعد داك عينك ما تشوف إلا النور ولكم أن تتخيلوا عذاب الصائغ في ذلك اليوم. كان الضابط محمد عبد المولى واحداً من أذكياء الشرطة، وكان ملحقاً بإدارة الجوازات في السفارة السودانية بجده عندما تم نقله من جدة إلى قسم الجنسية بكادقلي، وعند وصوله للخرطوم ذهب قابل الفريق إبراهيم يحيي مدير الجوازات وقتها وقال له «يا سعادتك جلال كادقلي قاعد في الخرطوم أنا البوديني كادقلي شنو؟!!» جلال كادقلي كان لاعباً بفريق الهلال في ذلك الوقت .. ذكرنا في واحدة من طرائف الشرطة السابقة حكاية الباترة عليه رحمة الله عندما نادى على الطلبة «العرب» للخروج من الطابور لأمر ما، فكان أن خرج له بعض الطلاب من عرب الجزيرة فانتهرهم بقوله «انتو عرب يا بجم»، واتصل بي بعدها الأخ اللواء المكي محمد المكي مدير شرطة كسلا الحالي، وذلك عندما كان مديراً لإعلام الشرطة ليكمل الحكاية بأنه قال لهم مكملاً «أنا عايز القطريين بتاعين أبوظبي»!! كان الفريق محمد الحسن يوسف واحداً من القيادات التي اشتهرت بقوتها وحضورها الطاغي، وبعد إحالته للمعاش بحوالي يومين ثلاثة اتصل بشرطة المديرية بالخرطوم التي كان مديرها عندما أحيل للمعاش، ورد عليه المقدم نبيل أحمد عزالدين والذي كان شارد الذهن بعض الشيء، فقال له الفريق محمدالحسن إنه سيرسل سيارته طالباً مدها بالوقود، فقال له الضابط نبيل «معاي منو لو سمحت» فقال له «معاك محمد الحسن» فسأله نبيل: محمد الحسن منو؟ فقال الفريق محمد الحسن يوسف «بالسرعة دي يا نبيل؟!» ü كان الصول ميرغني طنون واحداً من أشهر صولات الشرطة أيام استعداد الشرطة الذي تواصل لأكثر من ستة أشهر بعد ثورة أكتوبر 64 وكانت وجبة الغداء من طبيخ واحد وهو «الرجلة» والمعروفة بموادها الحديدية، فاحتج الصول طنون على ذلك بقوله «والله نحن من أكل الرجلة دي كل يوم بقينا كمر عديل». ويحكي أيضاً عن الصول طنون أن زوجته كانت قد وضعت في تلك الأيام مولوداً ذكراً، وكان الجميع ينادونه بعم ميرغني، وكان أن لاقاه السيد أبارو الذي كان مديراً للأمن كما كان معروفاً بملاحقته المستمرة لأعضاء الحزب الشيوعي فقال للصول ميرغني: «مبروك يا عم ميرغني قالوا جابو ليك ولد سميتو منو؟» فقال الصول ميرغني: «سميتو لينين يا سيادتك!» كان الضابط عبد المنعم جاويش حكمداراً بكلية الشرطة، وحدث أن «عضتو» كديسة فأخذها وسلمها للجاويش النبطشي لإرسالها للفحص عما إذا كانت مصابة بداء السعر، فقام الجاويش النبطشي بإرسال«الكديسة» ومعها خطاب جاء فيه: «السيد حكيمباشي البيطري مرفق لكم طيه عدد واحد كديس الذي عض السيد الحكمدار للإفادة عن سبب السعر من دونه»!! في رمضان الماضي دعانا العميد معاش عماد الدين ميرغني جمال لتناول الإفطار بمنزلهم العامر، وبعد صلاة العشاء دعا إمام المجموعة بدعاء جميل ،وقبل نهاية الفاتحة طلب منه إسماعيل الفاتحة لجنابو حيدر وأولاده ولما انتهى قال له عماد وكمان عثمان حسين وأولاده، فصاح فيهم الفريق عبد اللطيف محمد عباس «شنو يا جماعة أصلو دي فاتحة ولا مايطلبه المستمعون..!!» وفي ذات الليلة حكى الفريق عبد اللطيف عن رجل سأل واحداً من ضباط الشرطة عن منزل قريبة له تدعى عوضية، فقال له الضابط «شفت المركز بتاع الشرطة ده تخليه في شمالك وتمشي طوالي ومع نهاية الشارع تلف شمالك مع نقطة بسط الأمن الشامل، وبعد شارعين ثلاثة بتلقى مركز الدفاع المدني تلف بيه يمين وتمشي طوالي لغاية ما تلقى المكاتب بتاعة أمن المجتمع تفوتها وبعدها بشارعين بتلقى النقطة بتاعة الشرطة الأمنية. بس بيت عوضية وراها طوالي»، فقال له السائل: عليك الله يا جنابو هسي أنا لو شارب لي كركدي ساي بجي بالدرب الوصفتو ده؟!!. كان الضابط شرحبيل عقيداً بشرطة مرور الخرطوم عندما التقى ضابطاً من شرطة حماية الحيوانات البرية، وبعد سؤاله عن الأحوال قال له الضابط أنا راجع المكتب لأنه عندنا استعداد فقال له شرحبيل: «ومستعدين مالكم شارد منكم قرد ولا شنو».