شاهد.. المذيعة تسابيح خاطر تعود بمقطع فيديو تعلن فيه إكتمال الصلح مع صديقها "السوري"    شاهد بالفيديو.. على طريقة "الهوبا".. لاعب سوداني بالدوري المؤهل للممتاز يسجل أغرب هدف في تاريخ كرة القدم والحكم يصدمه    شاهد بالفيديو.. البرهان يوجه رسائل نارية لحميدتي ويصفه بالخائن والمتمرد: (ذكرنا قصة الإبتدائي بتاعت برز الثعلب يوماً.. أقول له سلم نفسك ولن أقتلك وسأترك الأمر للسودانيين وما عندنا تفاوض وسنقاتل 100 سنة)    رئيس تحرير صحيفة الوطن السعودية يهاجم تسابيح خاطر: (صورة عبثية لفتاة مترفة ترقص في مسرح الدم بالفاشر والغموض الحقيقي ليس في المذيعة البلهاء!!)    انتو ما بتعرفوا لتسابيح مبارك    شاهد بالصورة والفيديو.. القائد الميداني بالدعم السريع "يأجوج ومأجوج" يسخر من زميله بالمليشيا ويتهمه بحمل "القمل" على رأسه (انت جاموس قمل ياخ)    شاهد الفيديو الذي هز مواقع التواصل السودانية.. معلم بولاية الجزيرة يتحرش بتلميذة عمرها 13 عام وأسرة الطالبة تضبط الواقعة بنصب كمين له بوضع كاميرا تراقب ما يحدث    شاهد بالصورة والفيديو.. القائد الميداني بالدعم السريع "يأجوج ومأجوج" يسخر من زميله بالمليشيا ويتهمه بحمل "القمل" على رأسه (انت جاموس قمل ياخ)    شرطة ولاية الخرطوم : الشرطة ستضرب أوكار الجريمة بيد من حديد    البرهان يؤكد حرص السودان على الاحتفاظ بعلاقات وثيقة مع برنامج الغذاء العالمي    عطل في الخط الناقل مروي عطبرة تسبب بانقطاع التيار الكهربائي بولايتين    ميسي: لا أريد أن أكون عبئا على الأرجنتين.. وأشتاق للعودة إلى برشلونة    رئيس مجلس السيادة يؤكد عمق العلاقات السودانية المصرية    رونالدو: أنا سعودي وأحب وجودي هنا    مسؤول مصري يحط رحاله في بورتسودان    "فينيسيوس جونيور خط أحمر".. ريال مدريد يُحذر تشابي ألونسو    كُتّاب في "الشارقة للكتاب": الطيب صالح يحتاج إلى قراءة جديدة    عثمان ميرغني يكتب: إيقاف الحرب.. الآن..    مستشار رئيس الوزراء السوداني يفجّر المفاجأة الكبرى    التحرير الشنداوي يواصل إعداده المكثف للموسم الجديد    دار العوضة والكفاح يتعادلان سلبيا في دوري الاولي بارقو    مان سيتي يجتاز ليفربول    لقاء بين البرهان والمراجع العام والكشف عن مراجعة 18 بنكا    السودان الافتراضي ... كلنا بيادق .. وعبد الوهاب وردي    أردوغان: لا يمكننا الاكتفاء بمتابعة ما يجري في السودان    وزير الطاقة يتفقد المستودعات الاستراتيجية الجديدة بشركة النيل للبترول    المالية توقع عقد خدمة إيصالي مع مصرف التنمية الصناعية    أردوغان يفجرّها داوية بشأن السودان    وزير سوداني يكشف عن مؤشر خطير    شاهد بالصورة والفيديو.. "البرهان" يظهر متأثراً ويحبس دموعه لحظة مواساته سيدة بأحد معسكرات النازحين بالشمالية والجمهور: (لقطة تجسّد هيبة القائد وحنوّ الأب، وصلابة الجندي ودمعة الوطن التي تأبى السقوط)    إحباط محاولة تهريب عدد 200 قطعة سلاح في مدينة عطبرة    السعودية : ضبط أكثر من 21 ألف مخالف خلال أسبوع.. و26 متهماً في جرائم التستر والإيواء    محمد رمضان يودع والده لمثواه الأخير وسط أجواء من الحزن والانكسار    وفي بدايات توافد المتظاهرين، هتف ثلاثة قحاتة ضد المظاهرة وتبنوا خطابات "لا للحرب"    مركزي السودان يصدر ورقة نقدية جديدة    "واتساب" يطلق تطبيقه المنتظر لساعات "أبل"    بقرار من رئيس الوزراء: السودان يؤسس ثلاث هيئات وطنية للتحول الرقمي والأمن السيبراني وحوكمة البيانات    ما الحكم الشرعى فى زوجة قالت لزوجها: "من اليوم أنا حرام عليك"؟    غبَاء (الذكاء الاصطناعي)    مخبأة في باطن الأرض..حادثة غريبة في الخرطوم    صفعة البرهان    حرب الأكاذيب في الفاشر: حين فضح التحقيق أكاذيب الكيزان    دائرة مرور ولاية الخرطوم تدشن برنامج الدفع الإلكتروني للمعاملات المرورية بمركز ترخيص شهداء معركة الكرامة    السودان.. افتتاح غرفة النجدة بشرطة ولاية الخرطوم    5 مليارات دولار.. فساد في صادر الذهب    حسين خوجلي: (إن أردت أن تنظر لرجل من أهل النار فأنظر لعبد الرحيم دقلو)    حسين خوجلي يكتب: عبد الرجيم دقلو.. إن أردت أن تنظر لرجل من أهل النار!!    عملية دقيقة تقود السلطات في السودان للقبض على متّهمة خطيرة    وزير الصحة يوجه بتفعيل غرفة طوارئ دارفور بصورة عاجلة    الجنيه السوداني يتعثر مع تضرر صادرات الذهب بفعل حظر طيران الإمارات    تركيا.. اكتشاف خبز عمره 1300 عام منقوش عليه صورة يسوع وهو يزرع الحبوب    (مبروك النجاح لرونق كريمة الاعلامي الراحل دأود)    المباحث الجنائية المركزية بولاية نهر النيل تنهي مغامرات شبكة إجرامية متخصصة في تزوير الأختام والمستندات الرسمية    حسين خوجلي يكتب: التنقيب عن المدهشات في أزمنة الرتابة    دراسة تربط مياه العبوات البلاستيكية بزيادة خطر السرطان    والي البحر الأحمر ووزير الصحة يتفقدان مستشفى إيلا لعلاج أمراض القلب والقسطرة    شكوك حول استخدام مواد كيميائية في هجوم بمسيّرات على مناطق مدنية بالفاشر    السجائر الإلكترونية قد تزيد خطر الإصابة بالسكري    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أبناء « ابيي» و صقور « الحركة» يضعون شطري السودان على شفير الحرب

يحدث ذلك حال وقوع ما أطلق عليه الرئيس مؤخراً ( أية استفزازات) إضافية من جانب جيش الحركة الشعبية، بذريعة الرد على ورود القوات المسلحة بحر العرب، وفرض سيطرتها الكاملة على الإقليم الدامي، أو يحدث في حال عدم الاتفاق حول القضايا العالقة قبل موعدها المضروب، علماً بأن أبيي نفسها هي أهم تلك القضايا العالقة بلا حل مأمول.. وأخيراً فيمكن أن يحدث ما نقول هاهنا في حال تضييق الخناق على السودان مجدداً من جانب أمريكا والغرب عقاباً على ما حدث مؤخراً وبما يستدعي عذابات مطلع التسعينات، الأمر الذي سوف لن يطيق مسؤوليته البشير طالما أن مخرج البلاد والعباد حينها يتمثل فقط في تغيير النظام.
في الحقيقة فإن الإرهاصات هي التي تشي وتقول..
ورغم ذلك سيبدو استشرافنا للبعض نوعاً من المجازفة، أو دعوة أخرى للحرب، مع أنه افتراض مسنود بمسوغات جدّ واقعية، لا ينقصها لكي تتحقق، سوى بضع نقلات أو تطورات إضافية لا تبدو بعيدة المنال، فيسار الحركة الشعبية وأبناء أبيي فيها جاهزون وتحت خدمة هذا السيناريو، تحدوهم غاية لا نعلمها..
وأما أقل تلك المسوغات أهمية فهي رغبة الرئيس البشير- المحتملة جداً - في ان ينهي حياته السياسية على نحو كبير ومذكور على مر الدهور والأجيال، كما بدأها أول مرة، فحينئذ سوف يعطي الضوء الأخضر لمؤسسته الأم لكي (تتصرف!) كما فعل سلفه عبد الله خليل من قبل، إذ ضاق ذرعاً واستيأس من محيطه، ففعلها بعيداً عن مصلحة حزبه، ومعلوم أن البشير سيترجل عن قيادة المؤتمر الوطني قريباً، بل وعن قيادة البلاد برمتها، فقد زهد كما يبدو، بعد أن رأى رصفاءه على رصيف الربيع العربي المخيم لا يذكرهم أحد بخير، رغم ضرباتهم الجوية ومترو الأنفاق الخ..، وبالتالي فلابد أن يشعر بأنه قد أطال البقاء قليلاً، ولابد له من خروج مشرف وفي الوقت المناسب، دون أن يستبقي وراءه خسائر لا تعوض أو شرفاً منتهكاً، أو عزة لعدو.
والعسكري إذا انسحب فلابد أن يدمر ما يمكن ان يفيد منه العدو، وليس العدو هاهنا سوى صقور الحركة، الذين أوصلوه (حد القرف) وبغض المصانعة
دوافع إضافية للتنحي:
لابد أن للبشير أكثر من دافع نفسي آخر يحضه على الإقدام نحو التنحي للجيش، فيما اذا نضجت الأسباب وكانت كافية، ومن ذلك مثلاً، تنامي ذيوع قصص الفساد التي كانت تحاك حوله دون أن يعلم بها، ودون أن يمكنه طاقمه من أن يفعل الكثير إزاء ما رشح حتى الآن، لذا فلابد من الجيش، لكي يأخذ الحق مجراه، ثم هناك مطالب شباب الحزب بفرص بعد أن هرموا، هرموا وهم ينتظرون حكمة الصف الأول ، ولكن هيهات، هيهات لا جن ولا سحرة بقادرين، وليس من منقذ من هذا التشبث سوى رجل الإنقاذ الأول، وبقرار لا يخلو من تضحية شجاعة، يبدأ فيه بنفسه.
وفوق ذلك يمكننا تخيل شعور السيد الرئيس بالغدر والخداع التاريخي الكبير، من جانب الحركة الشعبية التي لم تف بتعهدها النيفاشوي إزاء العمل من أجل جعل الوحدة خياراً جاذباً للجنوبيين، فعلى العكس تماماً كان موقفها الاجماعي القاطع، مستقوية بالقوى الأجنبية العظمى، الأمر الذي جعله هو ونائبه علي عثمان في وضع ( المضحوك عليهما) أمام الدنيا والعالمين، كما أن قرار إرجاء حسم قضية أبيي على أساس حدود 56 كغيرها من مناطق التماس، وذلك تحت ضغط أصدقاء الحركة الدوليين، خاصة كولن باول، كان قراراً انطوى على حسن نية زائد عن حده، فبدأ كالتفريط الساذج، وعلاوة على كل آنف سقناه، كانت مماحكات الحركة وسلوك قادتها المرهق خلال فترة الشراكة الانتقالية وخلال الانتخابات وملحقها الحلو، ناهيك عن موقف دينق ألور من تسليم الرئيس لأوكامبو، وهو حينئذ وزير خارجية الخرطوم!، كل هذا لابد أن يسبب شعوراً بالغثيان والغبن وكبر السن السريع والميل الى الثأر ممن تسببوا فيه.
ترى كم من غضبة وأنة مكتومة في حنايا هذا الرئيس طوال ما سبق من الوقت؟
فهل ستكون زفرته الحرى التي سيطلقها ليرتاح هي ان ينهي حياته السياسية بصورة تفغر لها الأفواه جميعاً فتجعله من القادة التاريخيين: أن يتنحى للجيش تماماً، بعد أن يلتزموا له بتحرير الجنوب فوراً من سيطرة الحركة الشعبية ويسلموه لشعبه المحترم، ليقرر مصيره بصورة أكثر جدية مع آداء التحية العسكرية له بعد ذلك؟
و أما الدافع الرسمي الذي قد يعلنه أو يوحي به فهو أن السودان عهدة تعهد بأن يسلمها سالمة للقائد الذي يليه، وهاهو يفعل، ويعلن سحبه الاعتراف بدولة الجنوب، لأن الاستفتاء لم يكن حراً ولا نزيهاً، فضلاً عن أن الفوضى تعمه الآن جراء حروب القبائل، بما لا يسمح بتدشين دولة تبدأ من الصفر، وهذه لابد مسؤولية، وفوق ذلك فإن الدولة الجديدة أثبتت أنها تهدد (عملياً) سلامة أراضي وشعب البلاد واستقرارهم، وبالتالي فإن الاعتراف بها سوف لن يعدو أن يكون ضرباً من جنون أو خيانة وتواطؤ مع عدو مبين.
المشكلة أن الحركة تريد كل شيء فقط !:
و سنضيف الى ما سبق، حقيقة أن قيادة الحركة الشعبية وقد تمادت فعلاً في العتو الكبير والغرور، تريد كل شيء دفعة واحدة - طالما أنه في نظرها حق أبلج وغيره باطل لجلج - وذلك بغض النظر عن ظروف الآخر الذي بيده المراد، إذ تريد أن تأخذ الجنوب كله لها وتحتفظ به لنفسها، ( وقد اتضح ذلك جلياً من خلال طريقة إدارة الانتخابات العامة الأخيرة واستفتاء تقرير المصير)، وتريد البترول كله إلا النزر القليل الذي تحدده بمزاجها على سبيل ( عطية المزين) للدولة الأم، التي استخرجت هذا النفط واستثمرته، وتريد الحركة الحدود كلها، كما تشاء هي، وتريد بعد الجنوب كله ابيي كلها، مما وراء خط 56، وتطمع بعد ذلك في جنوب كردفان وربما النيل الأزرق، وتريد الجنسية المزدوجة و كل شيء، كل شيء فقط !!
ولا تريد للشمال أي شيء ولا حتى أن يعفي الآخرون ديونه، كما اتضح ذلك من موقف باقان اموم المعلن، والحجة الوحيدة في ذلك كله هي أنها بذلك تأخذ حقها- كاملاً غير منقوص- بيد وتحارب حكومة الإنقاذ- لا الشعب السوداني الشقيق- بيد أخرى !
هكذا ... شاءت الحركة وشاء لها الهوى، و ما دامت أمريكا والغرب بجانبها، ظالمة أو مظلومة!!!
إنه قطعاً شيء غير مسبوق في تاريخ الحركات المتمردة في العالم الثالث، وبالتالي فإنه جدير بأن يثير حفيظة طوب الأرض في الشمال، ناهيك عن المواطن السوداني بكل عاطفيته وغيرته وإبائه المعروف، وهكذا فإن حفيظة عسكري صلب وعنيد مثل عمر البشير لابد أن تثور في لحظة غضبة جعلية إزاء لعبة السياسة التي لا نهاية لها هذه، و لا قوانين صارمة تحدها كما هو حال الجيش الذي طالما تربى في كنفه المشير وارتضع ثديه السخين.
الرئيس بدأ في تفويض الجيش :
الرجل كما نظن، وصل الآن مبلغ الجهد في طلب تاكتيكات السياسة، وهو سوف يخشى من أن يعده الشعب ضعيفاً في أخريات عمره كأبقى حكام السودان في دست الحكم عبر التاريخ ( ربع قرن تقريباً)، وبالتالي فقد بلغ مبلغه في طلب مشورة علي عثمان ونافع، ولم يعد أمامه إلا سربه ذاك: الجيش الذي لابد يسمي ما يجري بين ظهرانيه من جانب دينق ألور وأضرابه: حقارة صرفاً ! والدليل على ما نقول هو قراره النافذ بضرورة السيطرة العسكرية على ضفاف بحر العرب فوراً وقبل 9 يوليو!! ثم اطلاق يد الجيش حرة ازاء أي استفزازات بعد الآن!!
نعم الجيش طليق اليد الآن تجاه الجنوب بقرار رئاسي، أليس في ذلك يا ترى نوعاً من تفويض سلطاته التقديرية كقائد أعلى للجيش؟ ( قل واحد ) فالرئيس بدأ يتنحى.
ثم إن سهولة السيطرة على أبيي، في ظل اندفاع قوات مقدرة من جيش الحركة مسبقاً إلى عمق ذلك الإقليم الدامي، فضلاً عن تأهب قوات الحركة ووعيدها اللفظي السابق من أعالى جبال النوبة المجاورة إثر فشل رهان عبد العزيز الحلو هناك، كل ذلك مقروناً بكثرة التمردات والانشقاقات المسلحة داخل الجنوب وفي صميم الجيش الشعبي نفسه، سيفتح شهية القائد العسكري الشمالي ومن خلفه جيشه باتجاه (المزيد) في حال وجود أي تحرك عسكري جديد معاد من قبل الجنوب، أو اية قوات موالية للحركة في الشمال، وهذا المزيد سوف لن يكون سوى تحرير جنوب السودان كله، تحريره من الحركة الشعبية التي تهيمن عليه وحدها بوضع اليد الطولى حتى على صناديق الاقتراع ورأي الناخبين، ونحن هاهنا لا نبهت أو نغالي في ذلك طالما يشهد عليه الماثل من نسبة المقترعين لصالح عرمان رئيساً والمقترعين لصالح الانفصال، فالنتائج تكشف هيمنة روح القطيع الموجه، بكل ما يعنيه ذلك من الغاء للإرادة الشخصية ونفي لحرية الاختيار وتنوع الرأي، إضافة الى الانشقاقات والحروب المتزايدة يوماً بعد آخر، ضجراً من القبضة الحديدية الظالمة، وهو ما يقوم به كبار( كمرودات) الأمس، خصوم اليوم، المتفرقين أيدي سبأ، على أسس قبلية وجهوية، والذين شهدوا ويشهدون على مصادرة الرأي، وانعدام العدل والحرية بكل أنواعها في ظل حكم الحركة.
والأدهى وأعجب في هذا المشهد هو تقديم قيادة الحركة الشعبية لأسانيد دالة على أن كمروداتها الكُثر الذين انشقوا عنها لم يجدوا حليفاً أقرب ولا آمن ولا أحب الى أنفسهم من جيش الشمال، الذي بغّضهم في الوحدة بفعاله الوحشية كما يحاجون!
إذاً فجيش الشمال هو خيار الجميع في ساعة العسرة.
المبرر الأخلاقي للانقلاب الأبيض:
إن المبرر الأخلاقي الذي سيسوقه قادة الجيش، لخوض الحرب الشاملة ضد الحركة، عقب تسلم السلطة كما نتوقع هو من قبيل: تحرير جنوب السودان من قهر الحركة الشعبية ومصادرتها لإرادة الشعب هناك، وقمعها للكيانات السياسية المعارضة لها، وثانياً إجراء استفتاء آخر بطريقة شفافة ونزيهة فعلاً، وبإشراف وإنفاذ خبراء الأمم المتحدة وقوات الأمم المتحدة وحدها، في ظل رقابة حكومة الشمال ودول الجوار، فقط بعيداً عن الحركة وجيش الحركة هذه المرة، وقد يعمد قائد الثورة (قائد جيش الشمال حينها) إلى فرض فترة تهيئة معقولة تجعل خيار الوحدة جاذباً لشعب الجنوب الحر من جديد .
صحيح أن أمريكا سوف تزأر يوم الانقلاب، وتحرك أساطيلها على ثبج بحر القلزم وبحر العرب، كما أن أوربا سوف تتوعد وتطلب تسليم البشير (المتواطئ مع الانقلابيين) للجنائية، وتطلب تسليم السلطة فوراً لحكومة ديمقراطية، وتطلب اعتراف الانقلابيين بنيفاشا وإتمام خطواتها الأخيرة بدلاً عن خوض حرب ضد جيش الجنوب المتواضع، وهكذا كثير مما سيحدث جراء المفاجأة، ولكن لابد أخيراً من التعامل مع الأمر الواقع بناء على أصول الحوار و فن الممكن..
لذا نقول إنه إذا أقدم النظام العسكري (المتنحى له) على خطوة تاريخية كهذه، استباقاً لموعد 9 يوليو المضروب، فإن أسباب نجاحه سوف لن تكون منعدمة، خاصة إذا كانت حركات دارفور والشرق وقوى المعارضة الشمالية والجنوبية الأخرى شريكة في النظام الثوري الجديد بجانب الحركة الإسلامية من وعائها ( الوطني والشعبي)، وعلى نحو شراكي جاء يجعل كل هذه الأطراف صاحبة مصلحة حقيقية تدافع عنها تحت مظلة الجيش، وذلك من خلال صيغة وطنية جامعة يكون الترابي والصادق ونقد ولام اكول في مطبخها، وسنقول فوراً هاهنا أنها صيغة السودان الجديد !.
نعم السودان الجديد نفسه الذي دعا اليه دكتور قرنق مع تعديل منطقي طفيف يستوعب المتغيرات والظروف الموضوعية التي أغفلها دي مبيور .
إن هذا الذي نقول به يمكن أن يحدث، بل هو الآن قيد الانتظار ريثما تنضج شروطه وتواتي، ولابد أن البشير ينتظر معنا السانحة، كما لابد أن قيادة الحركة الشعبية بطريقتها الماثلة - ومن خلال أساليب أبناء أبيي والتيار اليساري فيها- تدفع بالمبررات والدواعي دفعاً نحو هذا السيناريو الداهم، وليس فوق كل ما ذكرنا من (ارهاصات) دالة على جدية ما نقول، إلا تجاهل القيادة الجنوبية لحقيقة بسيطة جداً وواضحة كالشمس في كبد السماء، وهي أن قراراً (ارتجالياً) واحداً من الشمال، يقضي بوقف تصدير النفط الجنوبي البتة عبر موانئه، سيحول الجنوب كله إلى حالة جوع وتسول مؤسفة، تجعله عالة على المجتمع الدولي على مدى سنين! طالما أن إيرادات النفط تمثل أكثر من 90% من موارد تمويل ميزانيته العامة.. فكيف لرجل دولة عاقل أن يعادي بسهولة طرفاً بيده قوت شعبه كله، ولديه متنفسه الأكثر يسراً وأماناً نحو العالم؟ كيف تعاديه حد الاستحواذ عنوة على أرض ظلت ملكه منذ الاستقلال، وهي الآن ملكه بموجب مبدأ ( حدود 56 ) التي ارتضاها معياراً لترسيم الحدود بينه وبين هذا الطرف، كيف لعاقل أن يفعل ذلك حتى إذا كان معه حق؟ إذ إن هناك في السياسة دائماً مصلحة أولى من مصلحة، وفوق ذلك أنك مقبل على تأسيس دولة جديدة ومبتدئة، فكيف تفطمها بجرعة دم، وبحرب مع جيرانك الأقربين؟ ناهيك عن أن أولئك هم بالذات الذين تحتاج الى اعترافهم قبل غيرهم بك، ككيان جديد، لا يتأكد وجوده وصلاحيته إلا بهم! أليس هناك رجل رشيد؟
أقول إن الذي يجازف بكل ما سبق ولا يعير الظروف الموضوعية اهتماماً الى هذه الدرجة المدهشة، لهو قمين بأن ينضج الظروف التي تحقق مثل هذا السيناريو الذي سردناه أعلاه بحذافيره وبأسرع وقت!
بيان رقم واحد:
الرئيس البشير لو سلم السلطة للجيش، وأنهى الجيش بضربة واحدة عبر بيان واحد، أنهى كل الكيانات السياسية الراهنة طالباً إعادة تأسيسها وتقنينها (لاحقاً) على نحو أكثر وطنية- (بحسب فهمهم الجديد الذي لا يعلمه إلا الله عز وجل)- فإن ذلك سيترافق قطعاً مع إعلان حالتي الطوارئ والحرب، وسيعني أيضاً وبالضرورة إحالة شريكي نيفاشا معاً على المعاش للصالح العام، ( وكما تدين تدان!)، فهل هذا ما يريده يساريو الحركة الشعبية وأبناء أبيي ومن ورائهم أمريكا وإسرائيل عوضاً عن انفصال سلس ودولة جديدة مضمونة النجاح والاستقرار والتنمية؟
فإن كانوا يفضلون ذلك الخيار الصعب المرتقب، فليدركوا إذاً أن أول من سيؤيد هذا الانقلاب الشمالي المنظور، هو سلفاكير ميارديت نفسه!، فضلاً عن قادة الجيوش المنشقة في الجنوب، ورياك مشار سيؤيده، ومالك عقار، ولام اكول، ورث الشلك، ودول الجوار ما عدا يوغندا وربما كينيا.
كيف ولماذا؟
هذا ما سنعود اليه لاحقاً ..


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.