[email protected] ظل السودان منذ القرن المنصرم في العام 1956م دولة مستقلة ذات سيادة علي أقاليمها وحدودها المعروفة بمساحاتها الشاسعة , التي تقطنه مجموعات كبيرة من القبائل ذات أنماط مختلفة من حيث العرق والتقاليد والمعتقد . تعاقب علي دسة الحكم مجموعة من الحكام ومارسوا طرق مختلفة نظم من الحكم ؛ لكن كل الحكام الذين أداروا هذه الرقعة الجغرافية لم يتمكنوا من صنع دولة المواطنة (دولة العدالة والمساواة والحرية والرفاهية) ، الدولة التي تقبل كل ألوان الطيف السوداني ، ومن ثم أدارة التنوع بطريقة يمكن أن تجعل السودان دولة خلاقةوذات ريادة في الأقليم . أستمرت الأنظمة المشوهة تمارس التجريب الي أن شهدت البلاد أنقلابا عسكريا في 30/يونيو 1989م بقيادة العقيد / عمر حسن أحمد البشير والذي سمي بثورة الأنقاذ الوطني ؛ وسرعان ما أتضح أن الجبهة الأسلامية هي المحرك الرئيسي والمندس في البزة العسكرية والتي بدورها ما أن أستقر بها الحال أذ أدخلت سياسات مدمرة داخل قوات الشعب المسلحة مما أدي الي أسلمتها وتسيسها ، وبنفس المنوال أتت بتوصيفات جديدة للأذمة الدائرة آنذاك بين جنوب السودان وشماله ؛ عندها تم أدارة النزاع بمنهجية القتال من أجل الجهاد في سبيل الله وتثبيت شرعه ، فأحتدم الصراع بين الحركة الشعبية والجيش الشعبي لتحرير السودان ونظام الجبهة الأسلامية حربا ضروس مما أدي الي زج الآلاف من أبناء الوطن في قلب المحرقة بأسم الدين ؛ فأدي هذا التصعيد الي أمتداد رقعة الحرب حيث دخلت النيل الأزرق وجبال النوبة(جنوب كردفان) والبجا ودارفور . وفي خضم هذا الصراع المدمر ولدت أتفاقية السلام الشامل وذلك بعد مخاض عسير ؛ والتي أقرت بأعطاء جنوب السودان حق تقرير المصير والمشورة الشعبية لمنطقتي النيل الأزرق وجبال النوبة(جنوب كردفان) وبروتكول خاص لمنطقة أبيي وترسيم الحدود بين الشمال والجنوب ؛علي أن تكون هناك فترة أنتقالية مدتها ست سنوات ؛ نحن الآن في اللحيظات الأخيرة من عمرها الذي سيذهب الجنوب بعده لأعلان دولته المستقلة عن الشمال بعد عملية الأستفتاء التي أجريت في شهر يناير المنصرم وسط حضور دولي وأقليمي مكثف ؛ سواء كانت نزيهه أم غير نزيهه فهي بأي شكل كان أفرزت دولة جنوب السودان . الحلقة المفقودة هنا أن الحركة الشعبية والجيش الشعبي لتحرير السودان عندما كانت تقاتل حكومات المركز طيلة عمر النضال ؛ شعارها الأساسي هو صناعة السودان الجديد بأسس تكون فيه أحترام للتعددية العرقية والثقافية والدينية علي أن تكون المواطنة هي أساس الحقوق والواجبات ، فمن وحي هذه الرؤية كان هناك أبناء النيل الأزرق وجبال النوبة(جنوب كردفان) والبجا ودارفور ؛والشمال الجغرافي عامة مد الحركة الشعبية والجيش الشعبي لتحرير السودان مفكرين ومقاتلين أشداء وهناك أبطال كثر وهبوا دمائهم وعقولهم في سبيل هذه الفكرة , في تقديري أن الجنوبيون عندما أختاروا دولتهم المستقلة جاء ذلك من خلال نظرة فاحصة وقراءة متأنية للواقع السوداني وكيفية تعامل نظام الجبهة الأسلامية(المؤتمر الوطني) مع الواقع وتلاعبه بالعهود والمواثيق . لكن سيظل هنا السؤال الملح الذي يطرح دائما ؟ أنه بعد أعلان دولة جنوب السودان ماهو نظرة المهمشين للأزمة في الوطن المهان وخاصة أبناء النيل الأزرق وجبال النوبة(جنوب كردفان) وكلنا ندرك جيدا أن نظام الجبهة الأسلامية(المؤتمر الوطني) ظل يماطل الحركة الشعبية والجيش الشعبي لتحرير السودان بل حتي الآن لم تتم المشورة الشعبية للمنطقتين كاملا ؛ كما أجريت في الأسابيع الماضية الأنتخابات الولائية لمنطقة جبال النوبة(جنوب كردفان) ونتيجتها الآن أن يحصد الأبرياء مراراتها من قصف وقتل وتشريد وأستهداف ممنهج . أذا ما رجعنا قليلا الي روح أتفاقية السلام الشامل نجد أنها نصت علي أن يبقي الجيش الشعبي لتحرير السودان جنوب خط 1/ 1/1956م ؛هذا النص لايستقيم دون ربطة مع نصوص أخري داخل الأتفاقية مثل الأنتخابات والمشورة الشعبية وترسيم الحدود , لكن عندما يكون هناك تعطيل لروح الأتفاقية في بند من بنودها أو التماطل في تنفيذها مثل ماهو ظاهر الآن من الحركة الأسلامية(المؤتمر الوطني) وطالما أنه هناك واقع جديد سيفرز بعد أعلان دولة الجنوب التي سيكون لها سيادتها علي أقليمها ولابد لها أن تحترم القوانين والمواثيق الدولية حتي تصبح دولة محترمة ؛ هنا لابد لنا أن نقول أن الحركة الأسلامية(المؤتمر الوطني) قد أقحم نفسه فعلا في عنق الزجاجة نتيجة لسياساته الرعناء . لأن أبناء النيل الأزرق وجبال النوبة(جنوب كردفان) المنضويون تحت راية الحركة الشعبية والجيش الشعبي لتحرير السودان سوف يتمسكون بقواتهم وأراضيهم وسلطتهم في الأقليم طالما كانت هناك بنود معطلة في روح الأتفاقية الي أن تتم تسويتها وتنفيذها من قبل الحركة الأسلامية(المؤتمر الوطني) والذي فيما يبدوا غير راغبا في تنفيذها ؛ وهذا سيؤدي الي نشوء أكثر من نظام أداري داخل الدولة وأذا أراد نظام الجبهة الأسلامية(المؤتمر الوطني) أن يتعامل مع هذا الوضع بالقوة فأن الحرب شوف تنشب بضراوة أعنف من الأمس وتزداد مساحتها شمالا لأن هناك كثير من المتزمتين ؛ وعندها لاتجدي سياسة القتال بالوكاله كما كان متبعا من نظام الحركة الأسلامية(المؤتمر الوطني) . في تقديري أن نظام الحركة الأسلامية(المؤتمر الوطني) سوف يساق الي حتفه أن أراد ذلك بالقوة أم بغيره لأنه لم يترك لنفسه بابا ألا وأوصده بالمتاريس وهذا ما ستفصح عنه الأيام القلائل .