لا أعلمُ بلاءً ولا ابتلاءً عانت منه أمةٌ من الأمم كالبلاء الذي يُصيبها من (أنصاف) مثقفيها وأنصاف متعلميها، ذلك أن حظهم من العلم قليل، وزادهم من التقوى ضئيل، وهم يُنَصَّبون على المنابر، ويتصدرون مجالس تعليمها ومراكز البيان والتوجيه الشرعي فيها، يحسبهم الناس قادةً للأمة، يُدلونها على كل خير، ويحذرونها من كل شر، فأصبح هؤلاء( الأنصاف) عوامل هدم لنهضة الأمة، وعقبات في طريق الدعوة إلى الله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، لقد جمعوا بين الجهل واليأس، فصاروا دعاة هلاك ومروجي فتنة، بل صاروا تجربةً فاشلةً، ومثالاً فاسداً، وسبَّةً على الداعين إلى الإسلام، وحجةً عليهم، علماء بغير علم، يتعلمون الفقه من الواقع، ويستدلون عليه بهوى النفس، وربما بغيره، وليس بالقرآن والسنة، يُفتون بحسب ظروفهم وأوضاعهم، وبحسب مصلحة من (يوالوا) فكراً كان أم أشخاصاً، إنهم يخدعون بذلك الأمة، ويخدعون أنفسهم، ويفّرغون جهودها، ويوهنون طاقاتها، في موضوعات تخدم أعداء الأمة، بل قَتَلَتَهَا! ويحضرني ها هنا (عنوان) ما خطّه قلم الشيخ المجاهد عبد القادر عودة في رسالته (المسلمون بين جهل أبنائهم وعجز علمائهم)، فقد تبدل حالنا أخي الشهيد إلى العكس، فالمسلمون يعانون اليوم من عجز أبنائهم وجهل علمائهم.. نعم جهل بالشرع، بل جهل بمعنى العقيدة، يُنبئُ عنه ضعف حاد في الإيمان، نراه واضحاً في أقوالهم ومواقفهم، وفتاويهم، المخالفة للشرع.. وقد صار موقف الحق عند أمثال هؤلاء (......) جهلاً وعدم فهم أو سوء تقدير لصعوبة الواقع، ومواقف غير عقلانية، وصار المحدِّد للحكم الشرعي وللموقف الشرعي-عندهم- هو مقدار ما يرجع على هذا الموجِّه، أو المعتلي للمنبر، من منفعة، أو مقدار ما يدرأ عن نفسه من ضرر، غلبت عليهم النفس الأمارة بالسوء، فنفوسهم يائسة، وخوفهم من العبد أكبر من خوفهم من رب العبد. ما ساقني إلى هذا الحديث ما قدّمه رئيس حزب الوسط الإسلامي، ودعا إليه من استخدام الواقي الذكري condom كخطوة قال إنها لا مناص منها لتجفيف ظاهرة الأطفال مجهولي الأبوين، وأنها الحل الناجع والسحري من هذه الظاهرة، مستنداً على قاعدة أخف الضررين، كما هو الجهل الواقع في فهم (الأنصاف)، لبعض القواعد الفقهية وتحريف الأحكام الشرعية من خلال تطبيقها في غير مواضعها كقاعدة أهون الشرين، أو أقل الضررين، أو أخف المفسدتين، أو درء المفسدة الأكبر بالمفسدة الأصغر، أو بما في هذا المعنى؛ لتبرير بعض المواقف والأعمال المحرَّمة أو من باب الشهرة والاشتهار وبياناً وتبياناً لهذه الفرية التي أتي بها رئيس حزب الوسط الإسلامي الذي يبيح الزنا جهاراً نهاراً أقول: أولاً: إن هذه القاعدة المذكورة أعلاه بنصوصها المختلفة، عند العلماء الذين يأخذون بها، ترجع إلى معنى واحد، وهو جواز الإقدام على أحد الفعلين المحرّمين، وهو الفعل الأقل حرمة منهما، وهي ليست مطلقةً بهذا المعنى، وإنما مقيدة فيما إذا كان المكلَّف لا يسعه إلا القيام بأحد الحرامين، ولا يمكنه أن يترك الاثنين معاً، فضلاً عن أن هذه القاعدة تستخدم عند تزامن وقوع ضررين في وقت واحد، ولا يكون هناك بد من الأخذ بأحدهما، وهل هذا ينطبق على الزنا يا أيها الكودة؟ وقد أخطأتَ- (في ما أحسب)- يا أيها الكودة خطأً فادحاً ستترتب عليه جملة مفاسد باستنادك على باطل (وما بني علي باطل فهو باطل) لأنك تركت الأصل وهو الزنا وتمسكت بالفرع الذي هو الأطفال فاقدي الوالدين، وما هذا إلا ثمرة (تالفة) من ثمرات الزنا. ثانياً: ودعوتك هذه يا أيها الكودة سبقك إليها الغرب متهتك الأعراض، منحل القيم، سافر المقاصدوتبنتها منظمات ما يسمى بالمجتمع المدني، وساندتها بعض حكومات الفسق والضلال، لأن غايتهم أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا، ويصبح الزنا مباحاً كالغرب باعتباره حقاً أصيلاً من الحقوق الإنسانية والحاجة إليه كالحاجة إلى كل ما تحتاجه النفس من مأكل ومشرب وغيره.. وكم يساوي الترويج لهذه الفتوي من محصلة الذي يتردى في الرذيلة ويقع في الفاحشة.. زانياً؟ ثالثاً: نحن في مجتمع إسلامي نظرتنا إلى العلاقة الجنسية نظرة معتدلة تقوم على جملة من الضوابط والآداب التي جاء بها الإسلام، ونُلزم أنفسنا بما أُمرنا به من قبل ربنا تعالى، فلا نُحل حراماً ولا نحرم حلالاً.. ومن ذلك أمرنا الشارع الحكيم بعدم القرب والإقتراب من الزنا، لقوله سبحانه وتعالى: (ولا تقربوا الزنا إنه كان فاحشة وساء سبيلاً) الإسراء (32)، فهذا أمر بيّن بألّا نقرب الزنا، وهو نهي شديد، ومن ورائه تحذير أشد بعدم القرب وليس فقط بعدم الوقوع، وذلك لجملة أمور لا يسعنا الحال إلى التفصيل فيها، ولكن يكفي قول علمائنا في آية الإسراء هذه أنها جمعت كل أنواع القبح ولا تقربوا الزنا، قبح شرعي كان فاحشة، قبح عقلي وساء سبيلا، قبح عادي.. فيا أيها الكودة نظرتنا للزنا ليست كنظرة أهل الغرب، وهي في حدها الأدني عند أهل الغرب أنه مباح، وعندنا القرب منه حرام ناهيك عن الوقوع فيه. رابعاً: وهل يا أيها الكودة وأنت تبيح الزنا عبر فتواك السحرية هذه، وتُقّدم للزناة (مخرجاً) تقاصرت نظرتك من مترتبات الزنا إلإ من خروج أطفال فاقدي الأبوين، وقد تناسيت هتك العرض المسلم، وذبح العفة، وإهدار الغيرة، وقتل الحياء، وتدمير الفرد، وضياع الأسر، وتفشي الأمراض القاتلة، والإعراض عن الزواج، وإشاعة الفاحشة وغيرها من الآثار التي يصعب حصرها ها هنا.. علماً بأن ما ذهبت إليه هو واحد من مترتبات الزنا الذي هو جماع كل شر. ومحصلة كل قُبح، وبالمقابل هل ترضى هذا الصنيع لآل بيتك ذكراناً كانوا أو إناثاً؟ وما العلاج النبوي في الأمر ذاته بخافٍ عنك!! خامساً: هل تعلم يا أيها الكودة أن الذين يصنعون هذا (.......) الذي تدعو إلى استخدامه وتسّوق إلى استعماله، حتى يُصبح في متناول يد الجميع، ومن ضمن أغراضهم واحتياجاتهم المعتادة في الأسواق والحوانيت، ومن بعدها في المدارس والبيوت، كما هو في الغرب تماماً يقولون إن استخدام هذا (.......) لا يمنع نقل الأمراض الجنسية، ولا يضمن منع الحمل إلا بنسبة ضئيلة تتراوح بين 20-25%، ولو كان (.......) يحمل في ذاته مواداً قاتلة للحيوانات المنوية، فكيف يكون ذلك علاجاً سحرياً وناجعاً؟ سادساً: كان الأحرى بك يا أيها الكودة، أن يكون علاجك السحري والناجع في القراءن الكريم والهدي النبوي القائم، على العفة والإستعفاف والداعي إلي الزواج والإحصان، وكان واجباً عليك أن تضطلع بدورك التربوي والأخلاقي، وأن يأتي العلاج عبر حزبك الوسطي والإسلامي، وتسهم في بناء الأمة الوسط- دعماً لحزبكم- التي تقوم على الإصلاح لا الإفساد، وعلى الأخلاق الفاضلة لا السيئة، وبيان ما رتبه الشارع الحكيم من عقوبات رادعة ونصوص قطعية الدلالة، وعدم الرحمة ولا الرأفة التي لم يُعرف لها مثيل، في سماحة هذا الدين (والزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة ولا تأخذكم بهما رأفة في دين الله ...) إلا مع الزناة، وخطورة الزنا وعواقبه الوخيمة وغيرها من الواجبات التي هي في عنقك، بدلاً من حسن الإعداد للزناة وهم شر الخلق وتهيئة المتكأ لهم، وتزين لهم الباطل حقاً، فتزداد الخرقة على الراقع، وأنت تقدم لهم هذه الفتوى التي سيتخذها ضعاف النفوس والجهال سبيلاً، إلى انتهاك الأعراض، فيكثر الأطفال فاقدو الأبوين، وينتشر الزنا ويحل من بعد ذلك غضب الله وسخطه والعياذ بالله . (ياحسرة علي العباد ما يأتيهم من رسول إلا كانوا به يستهزئون) وهذا والحمد لله أولاً وآخيراً