مولانا أحمد هارون رجل يحسن الظن بالآخرين حتى وإن كانوا خصوماً يعملون على قطع الطريق أمامه، وقد ظل هذا ديدنه في التعامل مع الحركة الشعبية ورموزها ومنسوبيها حتى عددنا الأمر ضعفاً، لأن مسلسل التراخي والتنازلات لن يفضي إلا لتجريد المتنازل عن آخر ورقة توت سياسية، بينما أطماع الآخر تتزايد وتصبح بلا حد أو نهاية. انتخابات جنوب كردفان (المؤجلة) كانت عبارة عن معركة (حياة) أو (موت) بالنسبة للحركة الشعبية، إذ علقت عليها آمالها في أن تصبح هذه الولاية العظيمة امتداداً شمالياً طبيعياً لدولة الجنوبالجديدة، وأن تكون مصدر خطر دائم للشمال خاصة وأن جيش الحركة الشعبية ما زال يضم أكثر من ثلاثين ألف جندي وصف وضابط من أبناء جبال النوبة والنيل الأزرق. دخلت الحركة الشعبية تلك ( المعركة) الفاصلة وهي متسلحة بالأحلام وبإعلام ميت كسيح لا يؤثر على منظميه أو موظِّفيه، ورفعت شعار التهديد والوعيد معلنة من خلاله أنها لن تقبل الهزيمة، وليت شعارها كان مثل الشعارات العظيمة (النصر أو الشهادة)، لكنه جاء يشبه شعارات رجالات العصابات وقطاع الطرق (النصر أو الإبادة).. أو بعبارة أخرى (النجمة أو الهجمة).. ومع ذلك أسقط مواطنو جنوب كردفان أحلام الحركة وإعلامها عبر صناديق الاقتراع، فظهر الوجه القبيح للحركة التي رفضت الهزيمة وأرادت (فش الغبينة) وأشعلت نار الحرب في رؤوس الجبال وسفوحها، وشردت الآمنين واعتدت على الأخضر واليابس، وأشرعت أسلحتها في مواجهة خصومها قتلاً وترويعاً وبذراً لبذور فوضى لا تبقي ولا تذر.. ونسيت الحركة وقياداتها أن من يزرع الريح يحصد العاصفة. أرتدت كرة النار بفعل عاصفة الرفض والغضب في وجه من أشعلها لتبدأ (الولولة) والعويل والصراخ، وليبدأ بعض كتُّاب (الضَللة) في التعدي على من قاموا بالتنبيه وأرادوا أن تبسط الدولة هيبتها.. وأن تمارس القوات المسلحة دورها في الحفاظ على سلامة الوطن وأراضيه، وأخذوا يكيلون لهم اتهامات من شاكلة أنهم من مشعلي نيران الفتنة.. كأنما يريدون أن يصمت الجميع عن تجاوزات الحركة وجيشها لتمسك بالشمال مثلما أمسكت بالجنوب.. لكنها أحلام واهية ينتجها إعلام ظلوط. الآن فقط انتبهت الحكومة لما ترمي إليه الحركة.. الآن فقط انتبه مولانا أحمد هارون وأفاق من أحلامه بالتعايش والتصالح مع الحركة ورموزها، لكنها إفاقة بعد الإعاقة التي أصابت جنوب كردفان.. وهي إفاقة على كل حال نأمل ألا تدخل الأوضاع بعدها في غيبوبة تستدعي تدخل السماسرة الإقليميين بأزياء الوسطاء والأجاويد. ونجدد دعوتنا بأن يكون يوم الجمعة الثامن من يوليو القادم الذي يسبق السبت التاسع من يوليو، يوم إعلان ميلاد دولة الجنوب، نجدد دعوتنا بأن يكون (جمعة التحرير) وأن تخرج التظاهرات تملأ الشوارع تطالب برحيل الحركة الشعبية ومشايعيها من الشمال حتى تتحرر بلادنا منهم.. ومن القوات الأممية التي لا نريد لها وجوداً على أرضنا أو ترابنا.