هم أهل السودان الحقيقيون.. ومن منا لا يفاخر ببعنخي وتهراقا، لكن بعنخي وتهراقا اللذين في المتحف القومي الآن لا يشبهان مصطفى عثمان اسماعيل، ولا محمد وردي، الأخيران يشبهان المصريين، وكل الذين يزعمون انهم نوبيون في الشمال، ليسوا كذلك بالضبط، ولا يشبهون الزنوج كثيراً، ولكنهم آخذوا بعض لسانهم القديم وبعض عاداتهم، وقالوا نوبا! . و نساؤنا اليوم يزغردن لأن قواتنا المسلحة تحاصر أولاد النوبة في الجبال وتضيق عليهم الخناق، كلا، جيشنا أكبر من هذا، أنه أكبر من أن ينتصر في الجخانين الصغيرة وفي حروب العصابات المرهقة ضد مواطنين مضيعين ومحتارين. جيش مصر ما قتل المتمردين حين أوقفوا مصالح مصر في ميدان التحرير. جيشنا كبير أيضاً، جيشنا الذي أتى بالاستقلال وحده دون أن يقدم السياسيون من أجله قطرة دم، وإنما حصدوا ما زرعه الشجعان في كرن وفي المكسيك وليبيا، هذا جيشنا كلنا، فلم تشغلوه بالصغائر؟. إنها مسؤوليتك سيدي الرئيس وأنت من أبناء الجيش، المدخور للكبيرة. قضية اليوم في جنوب كردفان، قضية سياسية وصغيرة، وهي بين المؤتمر الوطني والقطاع الشمالي المتبقي من الحركة الشعبية، فلماذا لا تجد حلاً سياسياً عادلاً وخلاص؟ القول بأن نيفاشا انتهت، وهؤلاء مجرد عملاء للجنوبيين قول مؤآخذ، لا بل مختزل وفيه تضليل. أولاً لماذا حارب أولاد النوبة بهذه الأعداد الكبيرة بجانب الجنوبيين أصلاً ؟ هؤلاء ببساطة (وعلى بلاطة) ، يستشعرون الآن أن الجنوبيين استهلكوهم ثم باعوهم بخساً وقبضوا الثمن انفصالاً لهم ولقبائلهم، مخدوعون والعبرة تخنقهم ويكابرون، ولقد اكتشفوا هذا مؤخراً، فأصيبوا بالجنون! ، ماذا كسبوا لأنفسهم أو لمناطقهم مما وعدهم به قرنق؟ لا شيء فقط، فتمنوا بحياء أن تتفهم الحكومة مصيبتهم، بدأوا بالرجاء، ولكن ياسر عرمان مثل قضيتهم أسوأ تمثيل، فاستخدم النوبة أيضاً لأجندة تخص توجهه الايدولوجي، وهنا كان على الحكومة أن تفرق بالبصيرة بين الصوت العالي والمستفز لياسر عرمان، وبين مصيبة أبناء النيل الأزرق وأبناء النوبة، فالأخيرون ضحايا خديعة فعلاً، ويعيشون مأساة حقيقية، كالمنبت الذي لا أرضاً قطع ولا ظهراً أبقى، ولا يجب أن تتخذ الحكومة منهم كل هذا الموقف الصادم.. كما لا يجب أن تهينهم بعطية احتقارية. صحيح أن الحكومة جريحة وتشعر بخيبة الأمل وبالخديعة مثلهم جراء تقرير المصير والانفصال، ولكن الخديعة لم تكن من تدبير أبناء النوبة ولا أبناء النيل الأزرق، وإنما من جانب (القوميين الدينكا) تحديداً، وكل البقية ضحايا في ضحايا... كان على الحكومة أن تأخذ بنيها المغرر بهم في حضنها، كأية أم تتحمل ولدها المسيئ، لا أن تقول لهم تستأهلون، لأنكم وقفتم مع الأشرار!، الأم تلمّ حتى عيالها الصعاليك، لا أن تتركهم شامتة منتقمة وكأنها لا تعرفهم، الأم أم، والحاصل هو أن بنيك يا حكومة انتموا الى العصابات، وباتوا في مقام من يقاتل عائلته مطالباً بحقه الشرعي في ميراث أبيه، لأن أمه زوجة أبيه أنكرت نصيبه وقالت أنت وقفت مع الأعداء !. كان بوسع الأم أن تتسامح مع بنيها المجرمين، لأنهم بنوها، ولأنهم أصحاب حق، ولأنها لم تحسن تربيتهم وإطعامهم حتى لجأوا الى الشوارع. أنسوا ياسر عرمان بالله، فهو ممن يستغلون قضايا الهامش لهزيمة الاسلاميين، وقضية الهامش أيسر من حلمه، قضيته هي حقوق بسيطة في التنمية وفي تمكينه المنطقي من الشراكة الحقيقية، هذا كل شيء، وهو ما يريد عبد العزيز الحلو ومالك عقار، لا أن نقول لهم: نيفاشا انتهت ياعملاء! أنتم الآن تنتقمون فقط وتستردون شرفاً اعتدى عليه (القوميون من الدينكا واتباعهم) هم الذين قتلوا الدجاجة وخمّوا بيضها، لا غيرهم، وأما البقية فضحايا مهما كابروا، فلا تقاتلوا المعذبين في الأرض، أين يذهبون؟ الجبال وتلاحقونهم فيها. حرام! هؤلاء ليسوا ياسر عرمان. هؤلاء عادوا من الحركة الشعبية بخفي حنين، تركوا قائدهم تلفون كوكو في سجن الجلاد، رحماكم، نسل أجدادكم الحقيقيون، فحافظوا على نسل تهراقا فقط احتراماً لتهراقا الذي حكم لكم مصرهو واولاده . ثم ماذا يريدون؟ هل يسألونكم رئاسة الجمهورية كما فعل أولاد دارفور فاستجبتم؟ أم يريدون نصف الثروة أو الانفصال كما فعل الجنوبيون ووافقتم؟ كلا، مطالبهم أقل من ذلك بكثير، وكفى الله المؤمنين شر القتال. معلوم أننا نعاني حساسية تجاه سيرة (الحركة الشعبية) ولكن لا تخلطوا بين مطالب هؤلاء المشروعة كشعب سوداني أصيل، وبين أفاعيل الحركة التي لم يؤسسوها ولم يخططوا لها، وإنما فقط كانوا جنوداً أجراء مستخدمين فيها هرباً من أن يعملوا خدامين في بيوتكم الى الأبد!!. فلا تكرهوهم، تذكروا أنهم كانوا يغسلون لكم ملابسكم ويكوونها، واسوهم واحسنوا اليهم يرض الله عنكم وترضوا أنتم عن أنفسكم والصلح خير.. وأحضرت الأنفس الشح.