أكد الدكتور عبد المحمود أبو أمين هيئة شؤون الأنصار، أن كل الأنظمة التي تعاقبت على السودان لم تجعله مستقراً، وأن الكل يدعي الوصل بليلى، وقال أبو إنهم كانوا يثقون بأن نيفاشا ستؤدي لانفصال الجنوب، لأن المنهج الذي أُتبع في معالجة مشكلة الجنوب لم يراعِ التباينات الاجتماعية مما خلق ذلك انفصالاً عدائياً مخلفاً وراءه بؤر صراع ما بين الشمال والجنوب، وقضايا نزاعات أخرى كأبيي وجنوب كردفان وغيرها، لذا ما لم يتفق الأطراف كلهم لمناقشة هذه القضايا مجملة، واستصحاب الجميع في حلها.. فإن السياسة المتبعة ستكون سياسة إطفاء حرائق ولن تتمكن من معالجة الأزمة السودانية بصورة ترضي كل الأطراف. وقال دكتور عبد المحمود أبو إن المنصب الديني للصادق المهدي كإمام للأنصار لا يمنع عضوية حزبه من أن ينتقدوه أو يختلفوا معه، وأن الرجل مهما أوتيّ من مكانة، فهو محكوم بهذه الضوابط المؤسسية، وأوضح عبد المحمود أبو في حوار أجرته معه (آخر لحظة).. أنهم لن ينبشوا قبر الإمام المهدي ليتأكدوا من وجوده، لتعارض ذلك مع حرمة الميت، مطالباً في ذات الوقت بإثبات عكس ذلك .. وكان أن تطرق الحوار لموقف هيئة شؤون الأنصار مما يجري في الساحة من قضايا سياسية ودورهم وأسباب غيابهم وعلاقتهم مع المنشقين عن حزب الأمة وإمكانية وساطتهم لجمع الفرقاء.. فمعاً لمضابط الحوار: وأضاف د. أبو أنهم لا يقدسون جسداً ولا موقعاً، بل قيم ومباديء على خلفية تقرير أبرزته إحدى القنوات الفضائية على أن الإمام المهدي غير مدفون في القبة الحالية بمدينة أم درمان. وقال أبو إذا أثبت الإنجليز أنهم قد نبشوا قبر الإمام وتخلصوا من جثمانه فسيكونون قد قاموا بعمل فيه إسقاط لكل القيم الإنسانية التي يتحدثون عنها، وإن ذلك ربما يفتح الباب لهم ليرفعوا دعوى قضائية ضد الجهات التي قامت بذلك أمام المحكمة الجنائية. وكان أن تطرق الحوار لموقف هيئة شؤون الأنصار مما يجري في الساحة من قضايا سياسية ودورهم وأسباب غيابهم وعلاقتهم مع المنشقين عن حزب الأمة وإمكانية وساطتهم لجمع الفرقاء.. فمعاً لمضابط الحوار: بداية دكتور ما هو موقف هيئة شؤون الأنصار من القضايا القومية التي تشغل الشأن العام مثل أبيي وجنوب كردفان والانفصال، فأين أنتم من ذلك؟! - هيئة شؤون الأنصار من المؤسسات الدينية المتابعة لقضايا السودان بصورة لصيقة، وهذا نابع من طبيعة تربية الأنصار القائمة على الإلتزام بالدين وحمايته والانتماء للوطن والمحافظة عليه، وقضية أبيي واحدة من قضايا السودان الكبرى، ونحن قبل اتفاقية السلام تحدثنا كثيراً عبر المنبر، لأن قضايا السودان معقدة ولا يستطيع حزب واحد أن يحل هذه المشاكل برؤيته، إذ لابد أن يجتمع كل المعنيين.. وأقصد بهم ممثلي الشعب السوداني في قواه السياسية والاجتماعية، إذ هناك أحزاب وكيانات دينية واجتماعية، وهذه المكونات بمجملها لديها تراكم جمعي تعرف به طبيعة المشاكل وطريقة حلها، ومشاكل السودان كانت محصورة في قضايا كلية كبيرة، وهي إشكالية العلاقة بين الشمال والجنوب.. وهي قضية سياسية وثقافية في آن واحد، وقضية المركز والأطراف ونظام الحكم، إذ أنه ومنذ استقلال السودان لم يستقر أهله على نظام واحد للحكم، إذ هناك أنظمة كثيرة تعاقبت وكل يدعي الوصل بليلى، ولذلك المنهج الذي أتبع في معالجة أزمة الجنوب في تقديرنا كان منهجاً لم يراعِ التباينات الاجتماعية، ولو أن الاتفاقية أشركت كل السودانيين باختلاف ممثليهم وناقشوا القضايا كلها لأنها متداخلة، لتوصل أهل السودان لاتفاقية عادلة وشاملة.. ولكن هذا لم يحدث، ولذا نبهنا منذ البداية على أن الاتفاقية هذه مصيرها سيؤدي لانفصال جنوب السودان و وسيكون انفصالاً عدائياً، وتخلف وراءها بؤرة للصراع ما بين الشمال والجنوب، وتفتح باباً لنزاعات أخرى ظهرت الآن في دارفور وأبيي وجنوب كردفان والنيل الأزرق وغيرها من المناطق، ولذلك ما لم يتفق الأطراف كلهم لمناقشة هذه القضايا بجملتها باستصحاب آراء كل أهل السودان، ففي تقديرنا أن السياسة المتبعة ستكون سياسة إطفاء حرائق لن تتمكن من معالجة الأزمة السودانية بصورة كبيرة ترضي الأطراف جميعاً. قلت إن إقصاء المؤتمر الوطني لبقية القوى السياسية بشأن نيفاشا ولّد هذه العيوب وبؤر الصراع التي تعاني منها أطراف البلاد، ولكن أنتم متهمون بأنه رغم رؤيتكم الواضحة للحل إلا أن خصومتكم مع المؤتمر الوطني هي التي أثرت في مواقفكم الوطنية.. ما مدى صحة ذلك؟! - لكي أكون منصفاً.. ليس المؤتمر الوطني وحده إقصائي، بل هناك أطراف، إذ كان ينبغي أن تصر الحركة الشعبية على إشراك القوى السياسية ولو فعلت ذلك لاستجاب المؤتمر الوطني، وصحيح الأفيد تبني منهج إقصائي.. ولكن الحركة الشعبية نفسها ذهبت في هذا الاتجاه ونحن لا تحكم علاقتنا مع المؤتمر الوطني أو غيره من القوى السياسية، نزعة عدائية، ولا نكره الأشخاص ولا الأحزاب ولا نغير منها، بل نحن من دعاة التعددية والمحافظة عليها واحترامها، ومع اختلافنا معهم.. لكننا نحترمهم، والعداء للأحزاب والغيرة منها لن يؤدي إلى حل الأزمات، وإنما العداء للسياسات والممارسات والمواقف، ولذلك نحن لا ننطلق من نظرة عدائية ولو كان كذلك، فعبر تاريخنا الطويل تعرضنا لظلم كبير من عدد من القوى السياسية والتنظيمات.. ولكن بعد أن زالت تلك النظم، لم نتعامل معها تعاملاً عدائياً، إنما أحلنا قضية من أعتقدنا أنه ظالم للمحكمة وأخذت مجراها القانوني الطبيعي، ولذلك أقول إن كل تنظيم سياسي ينطلق من نظرة عدائية أو إقصائية للتعامل مع الآخرين لن يكتب له النجاح، ونحن ننطلق في توجهاتنا هذه من التربية التي نشأنا عليها وهي التربية النبوية، حيث إن الرسول صلى الله عليه وسلم وعندما دخل مكة قال يا معشر قريش ماذا تظنون أني فاعل بكم؟.. قالوا: خيراً أخ كريم وابن أخ كريم.. قال: أذهبوا فأنتم الطلقاء. وتربيتنا السودانية أيضاً التي نشأنا عليها شكلها الإمام المهدي الذي قال (من فش غبينتو خرب مدينتو)، ولذلك نحن لا ننطلق من هذه النظرة وأي اتهام لنا بأننا نعادي المؤتمر الوطني لأنه حزب.. أو نغير منه، فهذه نظرة غير صحيحة.. فنحن نختلف معه في السياسات ونعادي ممارساته الظالمة، ومتى ما تحلى هذا التنظيم أو ذاك عن ممارساته الخاطئة، فسيجدنا قريباً منه إن شاء الله. أنت لم تبريء الحركة الشعبية من أنها حذت ذات نهج المؤتمر الوطني في إقصائها للآخرين.. ولكن ألا تعتقد أن حكمك هذا قد جاء متأخراً لكون أن حزب الأمة كان على علاقة لصيقة بالحركة دون الآخر؟! - حزب الأمة لديه علاقة بكل القوى السياسية ولم يقطع صلته بأي تنظيم اللهم إلا التنظيم الذي يبادر هو بقطع العلاقة، ولذلك حتى الذين تتفق أو تلتقي معهم، فإنك تنصحهم فيما يخطئون.. ولو تذكرين أن حزب الأمة كان عضواً في التجمع الوطني الديمقراطي وحدثت خلافات بينه وبين قائد الحركة الشعبية، وقتها تم احتواء الأمر، ولذلك كونك تتفق مع هذا التنظيم فلا يعطيك هذا مبرراً للسكوت على أخطائه خاصة فيما يتعلق بالقضايا الأساسية الجوهرية المتعلقة بمصلحة السودان، واعتقد أن المرحلة الحالية ليست مرحلة اتهامات للمؤتمر الوطني ولا للحركة الشعبية ولا غيرهم، بل المرحلة الآن أعقد وأصعب مما نتصور، ولذلك دعوتي لكل القوى السياسية أن تتناسى هذه المرارات والجراحات وتقبل بوطنية خالصة ومتجردة للحوار، من أجل تجاوز الأزمات التي فتحت أبواب جهنم على السودان. وهل ستكتفون بالانتقاد فقط، إذ يقولون إن هيئة شؤون الأنصار غائبه ولا وجود لها؟! - هيئة شؤون الأنصار ليست حزباً سياسياً و... مقاطعة: ولكن لابد وأن يكون لكم دور؟! - هيئة شؤون الأنصار تشارك في كل ما من شأنه أن يؤدي إلى إصلاح الموقف الوطني، ولذلك هي الآن تشارك في كل المؤتمرات التي تعقد في السودان فيما يتعلق بقضية الدعوة الإسلامية، وتشارك في قضايا الحوار من أجل التعايش الديني، وهي عضو فيه.. وكذلك تشارك في كل دعوة توجه إليها لتدلي برأيها وتقول هذا الكلام بكل وضوح، أما الحزب السياسي «حزب الأمة»، فهو يعبر عن الأنصار، وبالتالي يستطيع أن يمارس هذا الدور بصورة تستصحب هذه الرؤية الأنصارية بصورة واضحة، لأن الحزب أصلاً نابع من كيان الأنصار. قبل ذلك كان أن قال الدكتور الترابي إن الطرق الصوفية من شأنها أن توحد أهل السودان.. فما رأيك؟! - أهل السودان لديهم قيم غير موجودة وإذا تم استصحابها في العمل السياسي، لتجنبوا كثيراً جداً من المشاكل.. والطرق الصوفية لا شك أنها لعبت دوراً كبيراً في نشر الإسلام والمحافظة عليه، وفي توحيد المجتمعات باختلاف تبايناتها الثقافية والعرقية، ولذلك تجد في الطريقة كل القبائل السودانية موجودة، وهيئة شؤون الأنصار باعتبارها وريثاً شرعياً للدعوة المهدية، فقد استطاعت أن تستصحب كل أهل السودان في تحقيق تحرير السودان، ولذلك أهل السودان لديهم هذه القيم، فإذا تم استصحابها فسيحققوا نجاحات كبيرة.. وأنت تذكرين الآن في العلاقات الاجتماعية، فالشعب السودان متفرد وعندما تكون هناك مناسبة لعقد قران أو أي مناسبة، تجدين كل أهل السودان موجودين الحاكمين والمحكومين، وكذلك لدينا قيم الجودية والمشاركة والتكافل، فحل النزاعات بوسائل فيها الجانب السلمي كلها موجودة، لذا لعب أهل السودان دوراً كبيراً خاصة الطرق الصوفية، وأزمتنا في تقديري هي من الأفكار التي وفدت من بيئات أخرى وحاولت أن تنزع الجلد السوداني المتسامح وتطبق مناهج لا تصلح لهذا المجتمع السوداني القائم على التعدد والتسامح والثقافة المتنوعة، لذا فهي أزمة وافدة إلينا وليست سودانية.