كما كان السودان للسودانيين ، فان الهامش لابد أن يكون للمهمشين وحدهم ، أصحاب الجلد والرأس وأسياد الوجعة. وان محاولة اختطاف بعض ابناء (الجلابة) اليساريين لقضيتهم والنضال باسمهم(بدون توكيل شرعي) يعتبر في حدّ ذاته نوعاً من التهميش ،هو الأسوأ من غيره، لأنه ينطوي على مصادرة حق التعبير عن النفس بالأصالة، وتلك مصادرة لا يمكن تفسيرها إلا نوعاً من الاستخفاف بقدرات وإرادة أبناء الهامش ، فلماذا عدم الثقة في ان المهمشين قادرون على انضاج تجربتهم النضالية الخاصة بهم؟، ثم المضي بها قدماً وفق ظروفهم الموضوعية نحو آفاق تطلعاتهم ورؤاهم هم لا غيرهم!. ان ما تقوم به أخي ياسر ، إنما هو نوع من الوصاية والاستباحة، أو لنكن اقل ضجراً فنعتبره شكلاً من اشكال وضع اليد وادعاء الرعاية البطريركية التي لا تخلو من استعلاء وتجيير قضية حقيقية لصالح اجندة احزاب وتوجهات آيدولوجية ليست من هموم مواطني الهامش. فمتى ستعمدون الى التواضع والإقرار بأن الجمرة لا تحرق الا من يطأها فعلاً، وأي تأوه من جانب غيره يعد تمثيلاً وتقمصاً لا نصدقه ، بدليل ان حرب الجبال الآن أنت لست في رحاها ولا أتباعك ممن أطلقوا الحملة الانتخابية الاستقطابية المبالغ فيها هنالك ، وإنما أهلها وحدهم يكتوون. ولا أدل على ان أجندتكم السياسية المؤدلجة(المهمومة اساساً بمعاداة الاسلاميين كمنافسين تاريخيين) هي هم آخر يضاف الى هموم الهامش، من قول عبد العزيز الحلو أخيراً بأن قضية علمانية الدولة هي من أهم مطالبه لوقف حرب الجبال . يا اخي خليك حلو! مشكلة مواطني جبال النوبة هي تطبيق العلمانية على نظام الحكم ؟؟!. اسأل شعب جنوب كردفان وخيّرهم بين صندوق للتنمية ، برأسمال مليار دولار، يحسم لهم برعاية دولية خلال ثلاث سنوات مشكلات(الماء والكهرباء والخدمات الصحية المجانية والتعليم المجاني والطرق) فضلاً عن ضمان الأمن والشراكة السياسية العادلة وفرص العمل ، خيّرهم بين هذا المطلب التنموي الجاد وبين تطبيق العلمانية في ولايتهم وحدها ناهيك عن بقية السودان، فماذا سيختارون لأنفسهم؟ هل تستطيع ان تقنعهم بان العلمانية ستأتيهم بالتنمية حتماً؟ أنت تعرف والجميع يعرف ماذا يريد أبناء الهامش، يريدون ان يكونوا كالبسطاء من ابناء الجزيرة ونهر النيل والشمالية لا أكثر!! فهم لا يتطلعون برومانسية الى الازدهار والرفاهية، وانما يأملون في الحصول على الحد الأدنى من شروط الحياة بالمقاييس السودانية المتواضعة . وأن يعاملوا كبقية فقراء السودان فيأكلوا مثلهم الفول والعدس والطعمية بأمان، وتكون لهم بيوت جالوص وفرص عمل واقعية بسيطة ويكونوا محترمين لا محتقرين ، هذا كل شئ . وبالطبع فلا يمكن اشتراط العلمانية كضمانة وحيدة لتحقيق هاتيك المطالب المنطقية، بدليل انها الآن واقع متاح لغير ابناء الهامش وبدون هذه العلمانية/ العصا السحرية !، والشريعة الإسلامية(كما تعلم) لم تقل انشئوا المدارس واحفروا الآبار والطرق للمسلمين في الوسط والشمال وامنعوها عن أبناء الانقسنا او النوبة !! . المسألة اذاً أبسط مما تدعونه وتحاولون اقناعنا به . انها التنمية الشاملة والعادلة فحسب، وليس أحرى بتحقيق هذا وأجدر من الإسلام ، ولا حتى في حال ان بعض النوبة غير مسلمين ، لأن التعليم الداخلي المجاني المطلوب بالحاح من جانب ابناء(الجنوب الجديد) سوف لن يستثني غير المسلمين ولا المستشفيات ستلفظهم ولا غيرها. وهكذا يتضح عبث الربط العضوي بين حقوق المواطنة وبين العلمانية النافية لسلطة الاسلام من حياة المسلمين العامة .ثم أليس في فرض شريعة العلمانية(ميثاق حقوق الانسان ) بالقوة والقهر على كل شعب السودان الذي يؤيد شريعة دينه نوعاً من الوصاية والظلم؟ أليس هذا تهميشاً واحتقاراً لإرادة شعب بكامله؟ وباسم قضية المهمشين الذين لا ناقة لهم في أحلامكم ولا جمل؟ هل تنتصرون للأقلية( 5% من شعب السودان) يريدون شريعة الدين العلماني، عن طريق ظلم 95% تضربون بخيارهم عرض الحائط، ثم تزعمون تبني قيم العدل والحق بعد هذا للشعب السوداني؟ كل ما هنالك أنكم تريدون هزيمة خصومكم التقليديين(الإسلاميين). قولوها صريحة واعدوا لها عدتها بعيدا عن الهامش، قولوا انكم تسعون الى دحر مشروعهم الذي يستمدون منه قوتهم(الشريعة والخطاب الديني)، ولذلك تستغلون قضايا الهامش ، والنتيجة هي أن الهامش الذي تثيرون فيه الفتن، لا يستقرويعاني، بل يموت أهله يومياً فيخسرون التنمية وحتى حق الحياة، وكل شئ لأنهم ضحايا تهميشين اثنين : الأول تهميش المركز اياهم ، وثانياً تهميشكم أنتم لقضيتهم الاساسية: التنمية لصالح مركزية قضيتكم الأساسية : العلمانية وشريعة ميثاق حقوق الإنسان . كفى، أرجوكم ، دعوا الهامش للهامش، وارجعوا إلى سوح الصراع الطبقي والايدولوجي. ديل ذنبهم شنو؟.