زينب السعيد كانت في التلفون وتبدو «غاضبة». وهي التي عهدناها ضاحكة «مستبشرة». قالت لي: المصحح غيّر عبارة في مقالي فبدلاً من كلمة «الغبش» جاءت كلمة «الفشل» وما أبعد المسافة بين الكلمتين!! فالغبش أهلنا في بربر الذين ينتمي إليهم أستاذنا وزميلنا الغبشاوي «دماً» و «لحماً» لا يمكن أن يتسرب «الفشل» من بين أيديهم أو خلفهم!! فهم أهل دين وعلم وصلاح ودور رائد في التعليم الديني وخدمة الناس بلا من أو أذى كما تفعل الحكومة «وأشباه الحكومة» أما الغبش المصطلح الذي يشير للسواد الأعظم من الناس.. والذي قصدته الكاتبة عندما تحدثت عن مسؤوسة تحمل ملامح الغبش.. فالمسألة هنا ذات «قولين» وإطلاق الكلمة على العموم هي إما تأكيد المدح بما يشبه الذم!! أو هو الذم بما يشبه المدح. وأورد هنا طرفة تصب في ذات المعنى فأذكر قبل أعوام ذهبنا في رحلة صحفية لولاية جنوب دارفور مع وفد وزاري على مستوى عال ضم أكثر من «15» وزيراً دفع بهم وزير التجارة الخارجية آنذاك ووالي جنوب دارفور الحالي صديقنا الدكتور عبد الحميد موسى كاشا الى محلية الضعين ولأن التمثيل كان كبيراً وعالياً فإن الزهو والفخر قد تسللا الى أعماق كاشا ووقف مخاطباً أهله في حشد كبير «زمان ما في حكومة بتجيكم.. الليلة جبناها كلها ليكم ده الوزير فلان. وده علان. وعندما جاء الدور على أخونا الزبير أحمد الحسن وكان وزير المالية آنذاك انفعل كاشا شوية وداس البنزين زيادة شوية!! وده أخونا الزبير وزير المالية.. ود المزارعين.. وود المساكين..ود أم الطيور.. وود الترابلة.. وود الغبش.. ولم أتمالك لحظتها نفسي من الضحك وقلت لمن كان جواري وعلى ما اعتقد إما الزميلة محاسن الحسين أو فاطمة الصادق!! «الزول ده بشكِّر في الزول ده ولا بنبذوا» وانفجرنا ضاحكين حتى وصولنا أبو مطارق ولهذه قصة أخرى نتمنى أن نحكيها ذات يوم!! ونعود لموضوعنا الأساسي ونسأل هل الغبش هي مدح أم ذم!! قد يقول قائل هي مدح عند السودانيين الذين يميلون للبساطة في حياتهم ويكرهون زخرف الدنيا وزينتها في منبعهم الأساسي الأصيل الذي يرتكز على سماحة الدين وتجذر النزعة الصوفية وربما يقول قائل هي ذم فلماذا يعيش الإنسان أغبشاً في عهد الكريمات ولماذا لا يبحث عن حياة منعمة حتى لو «لحس ليهو لحسة لحستين» وما في داعي للأغنية التي تقول كل الغبش واقفين صفوف!! زميلتنا المصححة طلبت مني الاعتذار ل«زينب السعيد» عن هذا الخطأ غير المقصود ولكنها قالت لي القصة كلها «من بعضها» ف«الغبش» مساكين و«الفشل» اليومي يحاصر حياتهم من كل جانب .. والله يجازي اللي كان السبب..!