لازم أبناء النوبة في الجيش الشعبي والحركة الشعبية والأحزاب المعارضة وداخل المؤتمر الوطني شعور وإحساس بضعف وبؤس حصيلة النضال المسلح الذي امتد منذ عام 1984 وحتى 2005 بتوقيع اتفاق الهدنة في سويسرا لوقف إطلاق النار، ومن ثم اتفاق السلام الشامل في يناير 2006 وتفتق وعي أبناء النوبة بعد سكرة الشعور بالزهو والفخر لاتفاقية اهتمت بالجنوب وأسست لوضعية خاصة خلال الفترة الانتقالية للجنوب، بينما تماهت نصوص اتفاق الترتيبات الأمنية والعسكرية في نصوص غامضة عن مولود المشورة الشعبية الذي وصفه السياسي المسرحي ورئيس المجلس التشريعي بالجنوب ب«جنا الفيل» وتنامى الشعور بخيبة الأمل والإحساس بالفشل بعد أن تبين الحصيلة الصفرية التي حصدها النوبة من نضال السنوات التي قاربت العشرين، حيث فشل المفاوض نيابة عن النوبة في الوصول لمكاسب جاءت بها اتفاقية 1997 بين حكومة السودان ومنشقين عن الجيش الشعبي بقيادة محمد هارون كافي.. وأسباب بؤس حصاد النوبة من اتفاق نيفاشا تعود لهلامية المطالب التي دعا قادة الحركة الشعبية الذين تلبستهم ذهنية «المثقفاتية» العلمانيين الجانحين نحو المدرسة المثالية، والمطالبين بفصل الدين عن الدولة و«تنويب» المنطقة والانكفاء على الذات.. وهؤلاء كانوا بعيدين عن مدرسة الواقعية التي جسدتها حالة القائد تلفون كوكو أبوجلحة الرافض مبدئياً أن يفاوض الجنوبيين عن النوبة والتعويل على مشروع هلامي «السودان الجديد» على حساب مطالب أهل الإقليم في التنمية التعليم الصحة والمشاركة القومية في السلطة.. وانقسم أبناء جبال النوبة منذ توقيع الاتفاقية لفريقين أحدهما أقبل مكباً على وجهه لتنفيذ الاتفاقية واضعاً ثقته في الجنوب والجنوبيين وفريق آخر مافتيء يتحدث عن ضرورة تحسينات الاتفاقية وفك الارتباط بجنوب السودان دون الوقوع في أحضان المؤتمر الوطني والحالة الأولى جسدها القائد عبد العزيز الحلو ودانيال كودي قبل أن يبتعد عن الحلو لاحقاً ويمسي قريباً من السجين في «مخافر» استخبارات الحركة الشعبية الجنرال تلفون كوكو أبوجلحة. من قرر الحرب؟! بعد إعلان نتائج الانتخابات التي فاجأت فيها الحركة الشعبية المؤتمر الوطني برصيد جماهيري غير محسوب، وما كان متوقعاً أن ينافس مرشح الحركة عبد العزيز الحلو مرشح الوطني أحمد هارون الذي خاض حزبه الانتخابات بثقة زائدة كأن منتخب البرازيل يلاعب منتخب الصومال .. وساد شعور واعتقاد بأن نتيجة المباراة محسومة سلفاً قبل إطلاق صافرة البداية.. لكن الحركة الشعبية نجحت في زعزعة مراكز ثقل الوطني في غرب كردفان وفي بعض الدوائر بشمال الولاية وشرقها بإثارة الفتن تارة والدعوة لمقاطعة الانتخابات تارة أخرى، في وقت حشدت الحركة قدراتها لدوائر كادوقلي والدلنج.. وجاءت خيبة الحركة في الوصول لكرسي الحكم بفارق 6 ألف صوت، بينما الوطني كان يمني نفسه بفارق لايقل عن 60 ألف صوت منذ إعلان الحركة نفسها فائزة في الانتخابات من طرف واحد عقدت أمرها وحسمت خيارها السياسي برفض نتائج الانتخابات والضغط بشدة على المؤتمر الوطني لإرغامه على الانحناء مرة أخرى والتنازل عن المقعد مثلما انحنى في الدمازين ومثلما تنازل عن خوض الانتخابات في غياب الحركة الشعبية والإذعان لشروطها بإعادة الإحصاء السكاني وإعادة السجل الانتخابي.. لكن الوطني لم يذعن للضغوط هذه المرة وانكفأ الجنرال عبد العزيز الحلو في منزله بالقرب من منزل الوالي يخطط ويلتقي صحافيين يساريين ودبلوماسيين غربيين والقادة العسكريين من المناطق النائية يتم استدعاؤهم لكادوقلي 10 قيادات لكل يوم حتى لا يثير الحضور الكثيف لفت نظر أجهزة الأمن التي كانت ترصد بدقة اجتماعات عبد العزيز الحلو مع قادته الميدانيين للتخطيط للعملية العسكرية التي ضربت حولها سرية تامة لاحتلال مدينة كادوقلي وإعلانها «بنغازي جديدة» تقع تحت قبضة الثوار. وقرار العودة للحرب اتخذته الحركة الشعبية في جوبا في وجود القيادات ياسر عرمان ومالك عقار وعبد العزيز الحلو بعد تقرير الموقف العسكري الذي قدمه الحلو للقيادة في الجنوب بتاريخ 3/6/2011 وأحيط القرار بسرية تامة على أن يلعب عرمان وعقار دوراً مخادعاً للتمويه وخداع المؤتمر الوطني بالسلام والتسويات حتى تسقط كادوقلي تحت قبضة الحلو... محاولة اغتيال حاج ماجد سوار: في العاشرة صباح السبت الماضي كانت 3 سيارات ترافق وزير الشباب والرياضة حاج ماجد سوار الذي آثر دون سائر القيادات المركزية للمؤتمر الوطني من أبناء جنوب كردفان أو غيرها التوجه لكادقلي والوقوف على الأوضاع ميدانياً بوفد ضم اللواء حسين إبراهيم كرشوم السفير السابق بالخارجية والأستاذ عوض الله الصافي مستشار الوالي، وفي رئاسة الشرطة التقى الوفد باللواء مقدم هبيلا واللواء د. خضر المبارك وكبار الضباط في زيارة تفقدية للشرطة ثم اتجه الوفد لمقر القيادة العسكرية التي انضم إليها الفريق النو نائب رئيس هيئة الأركان للإمداد كقيادة أركان ميدانية وإلى جواره اللواء بشير مكي الباهي واللواء أحمد خميس والعميد بشير القائد السابق للوحدات المشتركة المدمجة قبل أن تتمرد الوحدات القادمة من الحركة الشعبية وتصوب بندقيتها إلى صدر مكون القوات المسلحة.. وفي منزل الأمير كافي طيارة البدين بدا زعيم النوبة المورو أكثر إصراراً على الحرب وكسر شوكة التمرد العسكري وانتشر مجاهدو النوبة يزودون عن القائد طيارة والنساء يطلقن الزغاريد ويعلن حاج ماجد أن مسيرة الجهاد ماضية وأن كتائب المجاهدين في طريقها لكادوقلي لتعيدها آمنة مطمئنة.. وفي الطريق لمنزل أحد شهداء معارك كادوقلي بحي «حجر المك رحال» الواقع شرق المدينة وبعد أداء الوفد للعزاء وعودته إلى وسط المدينة أطلقت مجموعة تسللت من «حجر المك» النار على الوفد قبل مغادرته مكان العزاء لكن القوة التي كانت مكلفة بحراسة الوزير ردت على مصدر النيران قبل أن تنضم إليها سيارة لاندكروزر محملة بالجنود ليعود الوفد سالماً إلى القصر الذي تقيم فيه أغلب القيادات بينما الوالي يتمسك بالإقامة في منزله رغم الهجمات التي تشن من وقت لآخر .. تمرد على التمرد: اختارت الحركة الشعبية السرية المطلقة وهي تضمر إعلان الحرب وأبلغت قيادة الحركة قيادات محدودة بالقرار، وقبل أسبوعين لطلقة التمرد الجديد غادرت أسرة عبد العزيز الحلو منزلها بضاحية أركويت لنيروبي وكذلك أسرة رمضان حسن وزير المالية وانتقى عبد العزيز الحلو قيادات بعينها وتقسيم الحركة الشعبية لأهل الثقة وغير الموثوق في انتمائهم للحركة.. وقد بدأت التصدعات في صفوف الحركة برفض مجموعة من العسكريين والسياسيين لخيار الحرب وأصدرت مجموعة ضباط الحركة من أبناء الحوازمة بياناً استنكرت فيه العودة لمربع الحرب وجاءفي البيان: نحن تجمع أبناء الحوازمة بالحركة الشعبية ندين ونشجب تصرفات بعض قياداتنا التي اختارت الاستئثار برأيها الخاص، ونحن دعاة سلام لن نشارك في الحرب التي اتخذت قرارها مجموعة صغيرة تقف إلى جانب عبد العزيز الحلو.. ثانيا: نحن أبناء الحوازمة في الجيش الشعبي كان انضمامنا للحركة يهدف لرتق النسيج الاجتماعي وتطوير الحركة لحزب سياسي يضم كل الإثنيات، ولكن بعض قيادات الحركة غير حريصة على قوميتها وتسعى لقوقعتها وسط إثنية واحدة بجنوب كردفان. إننا نرفض مسلك الحلو في الاستئثار بالرأي وندعو كل قيادات الحركة الرافضين لخيار الحرب بالتوحد وهزيمة المخططات اليسارية التي تهدف لسرقة النضال من أهله وجعل جنوب كردفان مطية لتحقيق أهداف الآخرين.. عقيد الباتيل أبكوره رائد علي إسماعيل كمبو رائد حماد مهنا دراس نقيب الطاهر النور إسماعيل نقيب مصطفى الشريف أبوهم نقيب سيف الدين تمان إبراهيم م. أول تاور جنقاي توتو *** وسياسياً رفضت قيادات قبيلة «التمانج» الانسياق وراء دعاوي الحرب وطالبت بتحكيم صوت العقل، وقالت إنها مع خيار السلام وكذلك أصدرت قبيلة الدلنج بياناً للرأي العام نأت فيه بنفسها عن مستنقع الحرب، وقالت إن خيارها الوحيد هو السلام. آثار أحداث أبيي على كادقلي: حاولت بعض الأقلام الربط بين حادثة اجتياح القوات المسلحة لمنطقة أبيي وفرض الأمن والنظام فيها وتمرد عبد العزيز الحلو في كادوقلي.. لكن الواقع يقول إن النوبة غير معنيين كثيراً بقضية أبيي التي احتكرت في حيز ثنائية المسيرية ودينكا نقوك والمؤتمر الوطني والحركة الشعبية.. ومنذ حقبة الدكتور عيسى بشرى كرئيس للمؤتمر الوطني واللواء خميس جلاب كرئيس للحركة الشعبية صدرت توجيهات مركزية لكلاهما بالنأي عن مستنقع أبيي، ولا يبدي عبد العزيز الحلو حماساً لدينكا نقوك في أبيي ولا يشاطر المسيرية حتى المجاملات في قضية يعتبرها النوبة والحوازمة قضية غيرهم.. والحركة الشعبية في الجنوب لم تضع الخيار العسكري في أبيي ضمن أولوياتها ولجأت للخيار الدبلوماسي والتفاوضي لذلك نأت بنفسها عن المعترك العسكري، ولا تبدو الحركة الشعبية بجنوب كردفان أن لها انشغالات بقضية أبيي. }}