رسمت كسلا ابتسامة فرح خاص على ثغر الشرق الحبيب.. ولأن المصائب يجمعن المصابينا.. كذلك يشتركون في لحظات الفرح الاستثنائي، كالذي عاشته كسلا الولاية أول أمس، وانداحت مساحته بطول كل ولايات السودان وعرضها، الوجع مشترك وكذلك الهم.. ولا هم للولايات غير هاجس التعليم والصحة والخدمات.. ولئن ظن الناس أن التعليم في المدارس الحكومية قد دخل في حالة موت سريري لا رجاء في شفائها، مهما كانت مهارة وحكمة الطبيب، لئن ظن الناس هذا وتاهوا جاءهم من يقين الخبر ما يثبت الفؤاد، ويؤكد أن التعليم في مدارس الشعب السوداني لايزال بخير، وجاءهم من الشرق مثال حي للأسرة السودانية التي تثق في ربها وبداخلها من الإيمان واليقين ما يصبرها، على البقاء في عواصمالولايات التي تعيش هي الأخرى حالة من الهجرة النفسية والهروب الى العاصمة خوفاً على مستقبل الأولاد ودراستهم.. ووالد النابغة طه يعقوب قال لجموع المهنئين إنه رفض كل المقترحات، التي طلبت منه للهروب بابنه الى العاصمة حتى لايفقد فرصته الذهبية في الحصول على مقعد في جامعة متميزة.. الوالد رفض مغريات المدارس الخاصة التي قدمت له، عروضاً متعددة ليس أقلها مجانية الدراسة لابنه النجيب.. الرجل استعصم بالبقاء في الشرق وبثقة مدهشة قال إنه كان واثقاً من تفوق ابنه، وجلوسه بجدارة على مقعد الأول في امتحانات الشهادة السودانية.. وبأقل توقع وتقدير لم تكن الأسرة كلها تتوقع لطه مركزاً غير الثاني والثالث بأسوأ الاحتمالات الممكنة !! وجه طه الطفولي تعلوه ( مسحة) ثقة بالنفس واطلالة الواثق من ذاته!! .. وحديثه لجموع الصحفيين والمباركين لم يخرج من القوالب التقليدية لمثل هذه الحوارات التي تتكرر مع المتفوقين أمثاله كل عام.. والجديد الذي لم يقال هذه المرة حتي هذه اللحظة: كيف فعلها طه يعقوب؟.. وماهي دلالات هذا النجاح وانعكاساته على العملية التعليمية بكل ولايات السودان؟!!.. ألا ينبغي أن تشكل هذه النتيجة ( دائرة) للتوقف والمراجعة لما يدور في حقل التعليم بالولايات.. بل كل مايحدث في حقل التعليم ببلادنا!! إن نجاح طه يعقوب وتفوقه على أقرانه بهذه النتيجة المتميزة، يفتح الباب أمام سؤال تم الطرق عليه مراراً وتكراراً دون الحصول على إجابة محددة أو مقنعة: أين ذهب الذين تفوقوا من قبل وحصلوا على المراكز الأولى في امتحانات الشهادة السودانية؟!! .. هل حافظوا على تفوقهم أم اعترضتهم مشاكل وعقبات في مسيرتهم التعليمية أخرجتهم من حلقة التنافس والتفوق؟!! .. ماهي الآلية التي تتبعها الدولة أو المؤسسات والهيئات والجمعيات ذات الصلة للاهتمام بالنابغين والمتفوقين من أمثال طه وتوفير الفرص والمعينات بغرض الاستفادة منهم كما تفعل كل الدول، التي تعرف وتقدر قيمة أن يكون لديها نابغون ومتفوقون تستثمر فيهم باعتبارهم ثروة عقول قومية تحتاج للرعاية والعناية والاهتمام. ونجاح النابغة طه يجدد الدعوة التي تطالب بضرورة وضع معايير جديدة للتفوق والنجاح في امتحانات الشهادة السودانية، ليس على مستوى المركز الأول ولكن على المستويات التي تليه.. وتوضيحاً لما نقول هل هناك طالب أو طالبة في منطقة الرديس بمحلية السلام بولاية النيل الأبيض قد حصل أو حصلت على نسبة 80أو 70% في امتحانات الشهادة السودانية، علماً بأنه يتلقى تعليمه في مدرسة حكومية بظروف المدارس المشابهة في مثل هذه المناطق الطرفية، حيث لا تتوفر خدمات الكهرباء والامتيازات التي تتوفر لطالب أو طالبة في مدرسة حكومية أو خاصة بمنطقة الرياض بالعاصمة الخرطوم، وحصل على ذات النسبة التي حصل عليها زميله أو زميلته بالرديس.. هنا كيف سنقيس النجاح هذا؟ ألا يستحق الناجحون في الرديس معاملة خاصة وعناية بسبب الظروف التي جلسوا فيها لامتحان موحد بكل ولايات السودان، الذي لا تتوحد فيه الظروف التعليمية والبيئية والنفسية، قبل وأثناء وبعد نهاية العام الدراسي!! قياساً على هذا يستحق الطالب طه تكريماً خاصاً ونوعياً من قيادة الدولة .. ويستحق طه وأسرته المشاركة في فرحهم الذي أشاع البهجة في كل بيت سوداني يفرح للناجحين و(الفالحين) من أمثال طه.. فرح ونجاح جاء بلا تكلف ولا تسرع .. فرح حفته بركة القبول والتوفيق من الله عز وجل لأسرة بسيطة ومتواضعة استثمرت بحق في كنز من كنوزها، وحصدت لحظة إعلان النتيجة حالة من السعادة والرضى تعاش ولا تحكى! التهنئة لأمير الشرق طه يعقوب .. وتهنئة من سويداء القلب لوالده ووالدته، وتحية خاصة لمعلميه ومعلماته الذين انتزعوا إعجاب كل الحريصين على التعليم بالسودان.. شكراً لهم فقد أعادوا لنا الثقة في أنفسنا وأكدوا أن التعليم في مدارسنا الحكومية بخير.. وأكدوا أيضاً أن التفوق والنجاح بذرة في كثيرين من أمثال طه، ولكنها تحتاج لمن يتعهدها بالسقاية والرعاية بين البيت والمدرسة حتي تؤتي أكلها وترمي البلاد والعباد بأطيب الثمر.. والبشر! مليون مبروك يا أمير الشرق.. مليون مبروك!!