تطرقنا فى مقالنا السابق الى حال الولاية والضعف الذى يعتريها فى جميع جوانبها الاقتصادية والخدمية والادارية والتنفيذية وسال مداد الكثير من المشفقين على بحرأبيض طيلة الفترة الماضية مناصحين و مرشدين و مترجين للقائمين عليها أن يعملوا من أجل إبدال الحال لحاضر أهلها و إحسان المآل لمستقبل أجيالها القادمة . إن الحكم و القيام على إدارة شؤون الناس أمر عظيم و مصاب جلل لمن يقع عليه التكليف فهى أمانة وهى يوم القيامة خزى و ندامة الاً لمن أداها بحقها والتاريخ يكتب من أحسن الأداء ومن أساء الى الأمانة . فهذه فرصة مواتية للإخوة القائمين على أمر الولاية فى أن يعملوا جاهدين من أجل إحداث التغيير المنشود و الاستفادة الكاملة من إمكانات و طاقات هذه الولاية الاقتصادية والبشرية و توظيفها من أجل حياة كريمة لأهلها . ولكن و للأسف الشديد ظللنا طيلة الفترة الماضية نستمع الى كلام مكرر و حديث للأمانى والأشواق ظل قابعاً فى مكانه لا يحرك ساكناً و لايقدم جديداً مما جعلنا نوقن جازمين أن حكومة الولاية لا تدرك أهمية هذه الولاية و لا إمكاناتها و لا حقيقة وضعها . هذه الولاية ذات الخصوصية في الموقع والمساحة والإمكانات مما يؤهلها لتلعب دوراً مقدراً في تاريخ هذه الأمة حاضراً ومستقبلاً كما فعلته في الماضي . هذه الولاية التي احتضنت الثورة المهدية وناصرتها وأصبحت مركز إشعاعها الفكري والتربوي والجهادي فكانت الجزيرة أبا معقل الإمام المهدي والأنصار علامة واضحة في تاريخ السودان الديني والنضالي منذ عام (1881) م. هذه الولاية التي تقع في خاصرة السودان يمثل موقعها الاستراتيجي معبرا رئيسيا يربط بين شمال البلاد وجنوبها وبين شرقها وغربها ، و أضحت في ذاتها نموذجا للسودان المصغر بتركيبتها الاجتماعية التي تجد فيها جميع السحنات والقبائل واللغات يعيشون في تكاتف وتآلف وسلام ، لم نسمع فيها نزعةً قبلية أو لغة عنصرية أو حادثة سجلتها أضابير الشرطة والمحاكم عن صراع جهوى أو عرقي . هذه الولاية التي بزغ فيها فجر التعليم في العام (1903م) قبل أن يلج نوره كثيرا من مناطق السودان فخرجت أبكاراً ورموزاً في مجال التعليم والاقتصاد والطب وساسةُ عظام أسهموا في الحياة السياسية بالبلاد ، ويظل بخت الرضا منذ (18/أكتوبر/1934م) علامة فارقة في تاريخ التعليم في السودان . وتمتد في بحر أبيض الأراضي الخصبة الصالحة للزراعة في محلياتها المختلفة والتي تقدر ب(6.5) مليون فدان مما يؤهلها أن تكون فرس الرهان في تحقيق النهضة الزراعية على مستوى السودان. وتذخر الولاية بثروة سمكية يقدر إنتاجها ب(70%) من إنتاج الولايات الشمالية ، وكذلك ثروة حيوانية مقدرة تحتاج منا جميعا للعمل على تنميتها وتطويرها بتوفير المعينات للاستفادة منها. وقد تم اكتشاف البترول في أجزاء كبيرة في الولاية وبدأ العمل في التنقيب بها في جنوب الولاية وهناك مناطق أخرى واعدة للتنقيب . كما تنتظر الباجا الالتفات إليها حتى نجعل من سهولها أجمل المواقع السياحية و هي التي يقصدها السياح من كل مكان ، و أن تنشأ فيها أغنى الحظائر والمحميات الطبيعية ويمكن أن تكون مصدراً للدخل المقدر لخزينة الولاية بتنشيط السياحة . و تعتبر النيل الأبيض مركز ثقل صناعة السكر في السودان أو( جمهورية السكر) كما يحلو للبعض أن يطلقوا عليها. حيث تتوفر بها كل المقومات المطلوبة لتوطين صناعة السكر وجعل الولاية مركزاً رئيسياً لهذه الصناعة الهامة فيمكن لها أن تكفى حاجة البلاد وتصدر فائض إنتاجها للخارج و توفر موارداً إضافية لخزينتها وعملة صعبة للخزينة العامة للدولة .و يجب تنشيط العمل بالمشاريع الجديدة كمشروع سكر مشكور الذى تبلغ مساحته (30) ألف فدان و الطاقة الانتاجية المتوقعة له (200) ألف طن سكر سنوياً وتبلغ تكلفته (103) مليون دولار ، نأمل أن يحدث نهضة حقيقة يستفيد منها أهلنا فى أم جر و ما حولها بغرب النيل الابيض والمشروع على حسب ما علمنا يتضمن إنشاء محطة كهرباء لإنتاج (36) ميقاواط توفر الطاقة والمياه للمصنع والمنطقة المحيطة به . وكذلك مصنع للأعلاف و مصنع للسماد العضوى . وأيضاً مصنع سكر قفا والذى تبلغ مساحته الكلية (137) ألف فدان و طاقته الانتاجية ( 370) ألف طن و تبلغ التكلفة الكلية للمشروع (500) مليون دولار والحديث عن صناعة السكر يجب أن يأخذ من القائمين على أمر الولاية بعداً خاصاً فمن الأهمية بمكان أن يجتهدوا فى إستقطاب رأس المال الوطنى و الأجنبى وان يجلعوا إستراتيجيتهم للفترة المتبقية من دورتهم بناء قاعدة متينة لتوطين صناعة السكر فى الولاية مع الاستفادة من التجارب السابقة فى هذا الجانب والمتمثلة فى مصنع سكر كنانة ومصنع عسلاية ومصنع سكر النيل الابيض الجديد .و كذلك يجب العمل فى إطار توطين صناعة السكر فى الولاية فى تطوير الصناعات المصاحبة لصناعة السكر مثل صناعة العسل الصناعى والجلكوز و إنتاج خميرة الخبز وخميرة العلف و كذلك صناعة الأعلاف والمولاص و الإيثانول و البقاس لتوليد البخار الذى يستعمل فى أغراض الصناعة و توليد الطاقة الكهربائية . و كذلك إنتاج لب الورق و الخشب المضغوط . وكذلك زيادة الانتاج الحيوانى على غرار مصنع كنانة فى تربية الأبقار لإنتاج الألبان و مشتقاتها من الزبادى و الأجبان والزبدة وغيرها و إنشاء مصانع تعليب لكل هذه المنتجات و توفيرها لكل السوق السودانى وتصدير الفائض منها. وكذلك إنتاج الدواجن و تقديمها للمستهلك بأسعار رمزية . و يجب الاَ نكرر التجارب المريرة فى معالجة النزاعات و قضايا التعويضات مع ملاك الأراضى و أصحاب الحيازات ( وما حادثة الأعوج عن ذاكرتنا ببعيد ) فيجب أن نستصحب مسألة رفع الوعى للمواطن البسيط بأهمية هذه المشاريع الاستثمارية و فائدتها له و لأبنائه وللمنطقة عموما و توضيح طبيعة الخدمات المقدمة للمنطقة من خلال المشروع و معالجة مواضع الخلاف مع المزارعين و مظاهر الاحتكاكات بكل صبر وحكمة .وعندما ننادى بضرورة الاهتمام بهذه الصناعة وزيادة عدد المصانع العاملة بها الى أضعاف العدد الموجود والمخطط له ننظر بعيداً الى أرتال العاطلين عن العمل من أبناء الولاية الذين يمكن ان يجدوا فرصة للقمة عيش كريمة فى العمل بمصانع السكر الجديدة والصناعات المصاحبة لها ، و ننظر بعيداً الى الامكانات المتاحة لها من أراضى خصبة ومصادر مياه و أيدى عاملة والتى يجب الاستفادة منها بالصورة المثلى ، ويجب أن نهتم بمعاهد التدريب و التأهيل الفنى لجميع أبناء الولاية الذين لم يجدوا حظهم فى التعليم النظامى لإستيعابهم كعمالة محترفة للعمل فى هذه المجالات والتى نكون من خلالها نستشرف بناء المستقبل الزاهر والغد المأمول لهذه المنطقة و لأهلها وللسودان بأجمعه . ونتمنى أن يخرج التخطيط النظرى فى تجميع مشاريع الاعاشة الى واقع عملى ملموس يستفيد منه أهل المنطقة وتعود به مشاريع الإعاشة الى ناصع عهدها و كذلك نتمنى أن يكون تبعا لذلك تجميع للحلال والفرقان و القرى الصغيرة المتفرقة والتى لا يتجاوز عدد المنازل فى الكثير منها العشربن بيتا ً من أجل توفير الخدمات الأساسية للمواطنين . - كل هذه الخيرات وهذه النعم تحتاج منا جميعا العمل المتضامن والصف المتحد والعزم الأكيد من أجل أن ننهض بالولاية ونعمل على أن تأخذ مكانتها الطبيعية في خارطة الفعل السياسي والاقتصادي والاجتماعي الفاعل والمؤثر و أن يخرج إنسانها من دائرة الدعم الى فضاء الانتاج و يكون أهل الحكم فيها رائداً لايكذب أهله وقادراً بتمام أمره.