قال لي سعادة السفير حسان المصباح أن المحاضرة التي قدمها الأستاذ السر أحمد قدور في نادي الخرطوم عن أثر المديح في فن الغناء السوداني تصلح رسالة دكتوراة، وعليه إعدادها وكتابتها وتقديمها بفصولها الخمسة التي تتناول تطور فن المديح النبوي في السودان، منذ عهد الفونج والمملكة السنارية حتى اليوم وأن النماذج التي قدمها شرحاً وتفسيراً بل وأداءً بالرميات والعصي والمخبوت والدقلاشي وغيره من الفنون التي لا يتقنها إلا هو كمادح وشاعر ومؤرخ لهذا النوع من الفنون شيء مدهش.. واستعرض معي رحلة ومراحل هذه المحاضرة، البحث القيمة والأسلوب العلمي البياني، الذي أتبعه الأستاذ، فقسم فن المديح إلى مراحل منذ المادح الأول منذ مئات السنين بديار الجعليين (قوز المطرق)، المادح الشاعر الصوفي الكبير صالح ود الأمين، وابنه من بعده الذي أكمل رسالته باعتبار أن الرجل وفي الحقبة السنارية هو الرائد الأول لهذا الفن، ولا يوازيه إلا أحد الفطاحل من أرباب هذا الفن على ود حليب في ديار الشايقية، وحقيقة الأمر دارهم كلها في شندي دار واحدة قبل أن تنقسم القبيلة إلى قسمين أبناء غانم في المتمة وشندي وأبناء شقيقه إدريس (شائق) في داره التي أسسها في الشمال ديار الشايقية.. ثم استعرض الأستاذ ما تلى تلك المرحلة من أجيال من أساطين المديح فذكر ود التويم وود الدقوني- طيفور الدقوني العاليابي، وابن عمه ود تميم، وود أب شريعة هذا العبقري المتفرد الذي حرص على جمع ديوانه منذ سبعين عاماً الشيخ أحمد حسون وقدم له الشيخ بابكر بدري. الشوق علينا آزداد والعقدة شينة لي سواح أبي إبراهيم لمتين مشينا وصولاً إلى الأمير أحمد ود سعد وحاج الماحي المسلمابي.. راجل الحرة والعقيدة والكاسنجر.. ويبحر بنا الأستاذ في قارب الفن والابداع.. بل والأداء التطبيقي لأماديح كل هؤلاء، حتى تصل إلى المادحين والمنشدين المعاصرين.. حاج التوم من الله، وودحاج العاقب، وود أب ضرس.. وبشير الحضري، ومحمد المهدي خمجان، وحامد العربي، وأحمد عمر الشيخ، والسماني أحمد عالم، الذين أضافوا إلى جانب الميدح أغراضاً أخرى كالحماسة ووصف الطبيعة، وبوح العاطفة الشريفة الصادقة، فكانت إضافاتهم إبداعاً يضاف إلى أبداع.. لقد صدقت أخي السفير.. حقاً فقد كانت المحاضرة رسالة دكتوراة ثرة وثرية في هذا الجانب، وزانها وجملها أن إتحاد المادحين كان حضوراً بكامل عضويته في تلك الليلة الخالدة ليلة المبدع النبوي والتي قدمها طاقم البرنامج الفن الناجح (أغاني وأغاني)، والتي تتفرد به في كل عام قناة النيل الأزرق، كما تتفرد بتقديم محاضرات مبدعة ومقدمة ردهات وحدائق نادي الخرطوم.