رحلتي من الغناء إلى المدائح إنتقل زكي عبد الكريم من المديح إلى الغناء. كان (المادح) زكي عبد الكريم، ثم أصبح (الفنان) زكي عبد الكريم. إنتقل صلاح بن البادية من المديح إلى الغناء، ليصبح الفنان صلاح بن البادية. إنتقل الجيلي الشيخ من الغناء إلى المديح. قبل ذلك كان (حاج الماحي) قد انتقل من الغناء إلى المديح. على ذلك النهج أيضاً انتقل الشيخ (الأمين أحمد القرشي) من الغناء إلى المديح، ليصبح شيخ المادحين. الشيخ الأمين أحمد القرشي قامة صوفية سامقة من العلم والورع والأخلاق. جاء من ولاية الجزيرة التي أنجبت عمالقة شعراء المدائح (ود سعد) و(حياتي) و(ود تميم). وأنجبت نجوم المدائح الزاهرة (بشير الحضري) و(حاج التوم من الله) و(عبد السلام مادح الصرصري). الشيخ الأمين أحمد القرشي من مواليد قرية (أب ريش)، وهي كذلك موطن تلميذه ورفيقه وصفيّه الراحل بلبل المدائح الشيخ (علي بخيت) الشهير ب (عليّ الشاعر). درس الشيخ/ الأمين أحمد القرشي القرآن بمسيد (طابت الشيخ السماني) بمنطقة سنار، ثم التحق بمعهد أم درمان العلمي حيث درس العلم على يد تلاميذ الشيخ (عليّ أدهم)، ثمّ عمل مرشد ديني بمدينة سنار. بدأ الشيخ/ الأمين أحمد القرشي حياته مغنياً في بيوت الأفراح. وفي إحدى المرات بينما كان يغني في حفل جاء رسول من (أبونا) الشيخ السماني ود الشيخ البشير يستدعيه. الشيخ السماني حفيد الشيخ أحمد الطيب راجل أُم مَرَّحِي. بعد أن أخبره الرسول برسالته، توقف (الأمين) عن الغناء وذهب إلى الشيخ السماني فخاطبه الشيخ السماني من وراء جدار وطلب منه أن يكف عن الغناء. ومنذ ذلك اليوم توقف (الفنان) الأمين أحمد القرشي عن الغناء. ولما كان والده مادحاً شرع الأمين في تعلم المديح منه. حينها لم يكن الأمين يعرف القراءة والكتابة، وكان يعمل بالزراعة وأثناء عمله بدأ تأليف الشعر، وذهب مرّة إلى الشيخ السماني ود الشيخ البشير يستشيره في الذهاب إلى الخرطوم فأمسك بيده وبدأ يكتب عليها، وقال له ردِّد معي (رب اشرح لي صدري ويسِّر لي أمري واحلل عقدة من لساني يفقهوا قولي). دخل الأمين أحمد القرشي المعهد العلمي بأم درمان ليس كطالب بل كعامل (فرَّاش)، وعندما تنبَّه المسئولون في المعهد إلى جمال صوته ألحقوه بالمعهد، فكانت أول قصيدة حفظها هي قصيدة الشيخ قريب الله (ها برق الأحبة لاح عند الصباح فأخجل المصباح)، وكان الأمين قد تعلَّم من والده المادح فنون ضرب (الطار) بإيقاعاته الستة (المربَّع) و(المخبوت) و(المسدس) و(المعشر) و(الحربي) و(القدرابي)، من تلك الإيقاعات ما يساعد على (الرقص) الخفيف أثناء المديح. بدأ الأمين أحمد القرشي رحلته مع المديح مع الشيخ بشير الحضري (أول مَن سجَّل مدائح نبوية بالإذاعة السودانية). ثم انضمّ إلى (جمعية الصفا في مدح المصطفى)، وكانت تضم عدداً من أفاضل أم درمان منهم الشيخ الحسن الإدريسي والشيخ الفاتح قريب الله والشيخ مصطفى الملثم وبكري أبوحراز وعبد الرحمن عثمان وشيخ حمزة والشيخ صديق أحمد حمدون والشيخ عبد الله الغبشاوي والشيخ محمد مالك، وغيرهم من الكرام. كانت (جمعية الصفا في مدح المصطفى) تنتقل من بيت إلى بيت كل يوم جمعة بين بيوت أعضاء الجمعية. كان من المادحين الشهيرين في تلك الفترة الشيخ بشير الحضري والشيخ حاج التوم من الله والشيخ إبراهيم الفداسي والشيخ جنتو، وغيرهم. تعلّم الأمين أحمد القرشي عن (جمعية الصفا) فن الإنشاد، وأول قصيدة حفظها كانت قصيدة نبوية للأستاذ الشيخ عبد المحمود ود نور الدائم وقصائد أخرى في سلك التصوف إلى جانب قصائد الشيخ قريب أبا صالح (للمرء يسعد) و(الحمد للَّه زال الهمّ والكدرُ). المادح الأمين أحمد القرشي شاعر غزير الإنتاج، كتب ما يزيد عن خمسمائة قصيدة. وقد جمعها في ديوان (شذى الطيب في مدح النبي الحبيب). من أخريات قصائده التي كتبها (كوكب المدينة). للمادح الكبير علاقة حميمة ببلبل المدائح الصدَّاح (علي الشاعر). وقد بدأت تلك العلاقة منذ عام 3691م عندما تعرَّف عليه لأول مرة. حيث كان (علي الشاعر) يسكن في غرب مدينة (الحوش) في جنوب ولاية الجزيرة. بدأ (الأمين) و(علي الشاعر) يمدحان معاً كثنائي. وأصبحت صداقة عمر. تتلمذ على يد الشيخ الأمين أحمد القرشي كثير من المادحين منهم الشيخ علي الشاعر والشيخ عبد الله الحبر والشيخ إسماعيل محمد علي والرشيد بلال وصلاح محمد بشير. كما تتلمذ عليه ولده مصطفى والسماني محمد البشير وأولاد أم عيد وأولاد البرعي وأولاد الدبيبة. العديد من الشخصيات العامة كانت تستمع إلى الشيخ الأمين أحمد القرشي وتدعوه إلى مناسباتها. من تلك الشخصيات الدكتور حسن الترابي والشهيد المشير الزبير محمد صالح ونائب الرئيس عمر محمد الطيب والرئيس جعفر نميري والمشير سوار الذهب والأمير عبد الله نقد الله. كما كان الشيخ الأمين أحمد القرشي يمدح في إحياء ليالي المولد النبوي. سافر الأمين أحمد القرشي إلى انجلترا بدعوة لتسجيل بعض المدائح النبوية بهيئة الإذاعة البريطانية. رتب تلك الزيارة الإذاعي أيوب صديق، ولكن لظروف ما أُلغي التسجيل. ثم سافر الشيخ الأمين إلى مصر وشارك في احتفالات دينية بمولد الحسين. حاول الشيخ الأمين أحمد القرشي إدخال الآلات الموسيقية على المدائح فحاول المديح بآلة العود. ولكن لم ترُق له التجربة. دخل الأمين أحمد القرشي الإذاعة السودانية (هنا أم درمان). وكان لدى (الأمين) برنامج أسبوعي بعنوان (مع المادح). كما دخل الشيخ (الأمين) التلفزيون عن طريق الراحل محمد الحجاز مدثر، وكان أحد المادحين الرئيسيين في برنامجه (ساعة صفا). ثم دخل الشيخ (الأمين) عالم (الكاسيت) عن طريق (منصفون). سجّل الشيخ (الأمين) بمرافقة الشيخ (علي الشاعر) أربعة عشر شريط كاسيت. وهما أول من أدخل (الكاسيت) في عالم المدائح. من أشهر القصائد التي سجلها ثناني الأمين أحمد القرشي وعلي الشاعر (المدينة يا بلد الرسول) و(الشوق للرسول وأصحابه) و(نسمة الشوق هبي) و(المكرَّم سيد البيت الحرام) و(الليل لاح نور شلع). ومن القصائد العربية (وميض برق في الدجى قد لاح كم ثغر ليلى باسمٌ وضَّاح). جارى الشاعر المادح الأمين أحمد القرشي بعض قصائد أغنيات حقيبة الفن. حيث جارى (البرَّاق في الداجي لا لا ٭٭ ذكَّرني مكة وهلالا) و(من طيبة هب نسّام ذكَّرني محبوبي). الشيخ الأمين أحمد القرشي الذي لم يدخل السينما أو دار الرياضة في حياته، كان في مطالع حياته يحب من الفنانين أحمد المصطفى وعثمان حسين وإبراهيم الكاشف ورمضان حسن وبادي محمد الطيب ثمّ حمد الريح. إفتتاح معهد القرآن بمدينة (الحاج عبد الله) أدخل سعادة لا تنسى في قلب الشيخ (الأمين). رحل إلى دار الخلود الشيخ الأمين أحمد القرشي تاركاً وراءه رصيداً ضخماً من مدائح المصطفي. كما ترك وراءه بحاراً زاخرة من المحبة. ألا رحمة الله الواسعة عليه في الخالدين. ألا رحمة الله الواسعة على صديق عمره الصدّاح العابد الذاكر المادح الشيخ (علي الشاعر). القصة الثانية طِيش الدفعة الطِّيش هو التلميذ الذي يأتي ترتيبه الدراسي في آخر الفصل. أي أحرز أسوأ تحصيل دراسي بين أقرانه. كان الأطفال في المظاهرات ضد الرئيس جعفر نميري في السبعينات يهتفون (لن يحكمنا طيش حنتوب). (دانون) مؤسس شركة (دانون) لمنتجات الألبان كان ترتيبه (طيش الفصل). بعد أن غادر المدرسة كافح في الحياة كفاحاً مريراً، حتى توّج ذلك الكفاح بإنشاء إحدى أشهر مصانع منتجات الألبان في العالم. والتي أصبحت تحمل اسمه (دانون). أصبح إسم طيش الدفعة (دانون) أحد أرقى الماركات التجارية في العالم. كان ل (دانون) نموذج فريد في الإدارة حيث يعتبر العمال شركاء. إلى جانب مرتباتهم كان يخصّص لهم نسبة ثابتة من الأرباح السنوية. عندما كتب (دانون) مذكراته التي تروي سيرته الذاتية ورحلته من الفشل إلى النجاح، إختار لها عنوان (طيش الدفعة).