كتبنا الخميس الماضي الحلقة الأولى عن المؤلفة قلوبهم.. كنا نود كما وعدنا أن تكون الحلقة الثانية الأحد الماضي.. ولكن فقد تهنا في بحر الدموع وتاه الملاح وانكسر المجداف وانطوى الشراع.. في عاصفة بل كارثة انشطار الوطن وذهاب الجنوب بأحبته وأرضه وزرعه ومواطنيه.. كان لابد لنا يومها ذاك من الحديث عن تلك الواقعة المزلزلة.. وكان لابد لنا من ارجاء كل شيء فقد كنا نتلقى العزاء في صيوان الوطن المخضوب بالسواد المسربل بالرماد.. واليوم نعود- أحبتي- وعذراً شاسعاً لعذر أكثر وجاهة وأوسع مساحة.. كتبنا يومها عن الفاروق عمر بن الخطاب وجسارته ورجاحة عقله وسعة أفقه بل وانشراح صدره لإصدار الفتاوى والعمل بها كرجل دولة قوي وجسور وكرجل دين حاسم حازم متفقه ووقور.. وكذا الاجتهاد وإلا فلا.. وكذا الفتاوى وإلا فالصمت واجب الكينونة.. أن يعطل أمير المؤمنين سهم المؤلفة قلوبهم.. يا للجسارة.. وسعة العقل..ونلتفت في واقعنا الإسلامي اليوم.. ذاك البائس الفقير المسكين.. ونرى عجباً.. وفتاوى قشور.. تحوم بعيداً.. بعيداً عن قوة الفتوى.. وتبتعد بعيداً عن روح ومقاصد الدين.. يا لبؤس الفتاوى عندما تستدعي الضحك والسخرية.. وكم هي مضحكة فتوى يصدرها أحد «مولاناتنا» وهي تتحدث عن طول المسواك الشرعي.. وفتوى يجتمع لها الفقهاء والمجامع والهيئات لتفتي بأن من يصوت للحركة الشعبية هو كافر.. وأخرى رفضها الرئيس البشير في حزم وصرامة وتصميم.. عندما أصدرت تلك الهيئة بحرمة سفره خارج أسوار الوطن.. وكأنهم لم يسمعوا بقصة النبي المعصوم صلوات الله وسلامه عليه عندما ذهب إلى «الطائف» فرداً مفرداً وحيداً إلا من عناية ربه وكم لاقى من العنت والأهوال.. وهو يدعو إلى دين الله الواحد الصمد.. ومن خارج الحدود.. تتمدد ظلال البؤس والمسكنة والغشامة.. وأحد الأئمة يدعو في شمال الوادي إلى كسر الخلوة.. بل شرعية الخلوة بإرضاع الرجل الأجنبي «رضعة مشبعة».. يا للمسكنة.. ويا لبؤس الاجتهاد.. المهم كل ذلك لا يهمنا.. الذي يهمنا فقط هو سهم المؤلفة قلوبهم.. الذي برعت فيه الإنقاذ براعة فنان وماهر.. وفي دهاء الماكرين.. التقطت ذاك الشعار الصليبي الكافر الاستكباري الأمريكي وهو العصا والجزرة.. ولكن لأنها الإنقاذ التي تتمتع بسحر الحواة.. وذكاء رجال الأعمال.. ودهاء العباقرة في فن «الكسب» «بأي طريقة» وعلى «أي شكل» ولا يهم شكل «الوسيلة» فقد ادخرت العصا للمعارضين الصلبين الذين لا تلين لهم قناة ولا تهتز لهم عريكة.. أولئك القابضين على جمر قضيتهم بالأصابع.. بل أولئك الذين يرفعون لافتة «نحن لسنا للبيع».. فأعملت فيهم العصا.. ضرباً وتبريحاً.. وبذلت في ذات الوقت الجزرة لكل فم طامع في السلطة التي حتماً تقود إلى الثروة.. أو فقط الثروة إلى الذين لا يهمهم من كل هذه الدنيا غير «قروش» كثيرة و «أكل نضيف» وقصر فاخر.. وتعدد زوجات على سنة الله ورسوله.. كان الأسم الحركي للجزرة هي المؤلفة قلوبهم.. عندها اندفع طوفان من البشر إلى تلك الضفاف «اللينة» المترفة.. بتنا نسمع كل يوم.. كل يوم.. سقوط من كان يدعي أنه مناضل ضد الانقاذ.. وفي غمضة عين وانتباهتها.. أو في «غفلة منا» نجد من ظل يملأ الدنيا والإذاعات و«الجرائد» شتماً وسباً.. وتحقيراً للإنقاذ.. نجده ناطقاً رسمياً باسمها مدافعاً في العواصم البعيدة عن أفعالها وسياساتها.. في المدن المترفة.. أو وراء البحار حيث الحياة الناعمة.. والوظيفة السامقة و «الماهية» «المتلتلة».. وحكمة الله.. أن هؤلاء لا يخجلون من تلك الخفة والسرعة التي يتحولون فيها من معارض شرس إلى موال أشد شراسة وأكثر عنفواناً.. يستبدلون المواقع والمواقف وكأنهم يستبدلون «قمصان» أو «بناطلين».. وإذا وجدنا عذراً للإنقاذ للاستعانة بهؤلاء في أوائل هبوب عاصفتها.. وهي تحاول «التجميل» أو تدعي التمثيل العريض من أطياف العمل السياسي.. فلا نجد لها عذراً اليوم.. بعد أن مكنها الله من الحكم وامتلكت كل مفاصل الدولة بالكامل.. وبعد الانتخابات وانفصال الجنوب.. وهي بصدد تشكيل الحكومة على قاعدة أو مسمى الجمهورية الثانية.. لا ولن نجد لها عذراً في الاستعانة بأي أحد من المؤلفة قلوبهم.. وهذا ما سوف ننصحها به غداً..