يوم الخميس الماضي وفي مباني طيبة كان تدشين مؤلفات الأستاذ أيوب إسماعيل أيوب وهي ثلاثة كتب عن النوبيين «النوبي والنهر-المهدية وبلاد النوبة-الفردوس الموعود».. والمؤلف من النوبيين النشطين والغيورين على الأسرة النوبية وتراثها وتاريخها والحاملين لهموم المجتمع النوبي-غيور على الأسرة النوبية في إطارها الواسع الشامل لكل الأسر النوبية من أسوان شمالاً وحتى محافظة الدبة جنوبا«دناقلة-محس-حلفا -سكوت» بل والكنوز والفرجة والمتكية... الخ، وهم من القبائل النوبية المقيمين في محافظة أسوان المصرية. والمؤلف قد وصف بأنه كان نشطاً بإسهاماته في الصحف الجامعية وفي بعض الصحف المصرية عندما كان طالباً.. وكما هو معلوم ليست بين بلاد النوبة في السودان ومصر «فواصل»، بل هناك «تواصل» بين الأسر النوبية في أسوان والسودان، ونسبة لما دار من نقاش ثر ومفيد وأحاديث مهمة وممتعة عن الكتب الثلاثة وعن التراث النوبي والنوبيين، رأيتُ أن أفرد مقالاً عن ما دار من نقاش حول الكتب ومواضيع أخرى لها علاقة بما جاء في الكتب أوضح فيه رأيي الخاص حول ما دار من نقاش وآراء، على أن أقوم مستعيناً بالله وحده بعرض الكتب التي دار حولها النقاش على صفحات الصحف «الثقافية» لأهمية الكتب للمجتمع السوداني عامة والنوبيين بصفة خاصة.. ومعلوم عند جميع المثقفين السودانيين أن للثقافة النوبية أثرها الواضح في المجتمع السوداني على اختلاف قبائله وجهاته بدليل دخول كثير من مفردات اللغة النوبية على العامية العربية لأهل السودان، وفي كتاب العامية في السودان للبروف عون الشريف تم حصر مئات المفردات النوبية في لهجتنا العامية العربية السودانية، وباعتبار أن النوبة هم سكان السودان الأصليون نجد الجذور النوبية في جميع القبائل السودانية العربية وغير العربية، وهذا المزج الذي حدث بين النوبيين وسكان السودان من القبائل الأخرى جعل التعامل بين النوبيين وغيرهم تعاملاً معتدلاً لاعنصرية ولا جهوية فيه، ولا يعتبر مطالبة النوبيين بحقوقهم الإنسانية وإحياء تراثهم وثقافتهم وإحياء لغتهم دليلاً على العنصرية والجهوية، بل هذا حق مشروع أقره الدستور السوداني أخيراً لجميع أهل السودان. أدار الجلسة الأستاذ فيصل محمد صالح وهو «جعلي» على الرغم من هذا الاسم المشابه لأسماء النوبيين، وكان المتحدثان الرئيسيان هما الأب فيلوثاوس فرج والبروف علي عثمان محمد صالح..الأب فيلوثاوس باعتباره من المهتمين بالتراث النوبي وله عدد من المؤلفات ومئات المقالات في هذا المجال، وهو يرى أن النوبيين والأقباط أبناءعمومه والأقباط هم أبناء «مصرايم» والنوبيون أبناء«كوش» وكوش ومصرايم إخوة أشقاء والدهم نوح عليه السلام، ولهذا يرى النوبيون أن لهذا الرجل مكانة في قلوبهم ويرون أنه يهتم بقضاياهم، وقد ذكر أنه اقترح على القائمين على أمر البلاد والعباد أن تكون هناك ولاية جديدة باسم «حلفا العتيقة» بدلاً من القديمة، ويرى أن دنقلا «العجوز» خطأ والصحيح دنقلا «العتيقة» لأن الكلمة أخذت من «old Dongla» و«أولد» تعني «العتيق» وليس «العجوز» وقد وصف الكتب بأنها مراجع واشتملت على حقائق مهمة. لقد كتبت أكثر من مقال عن الأب فيلوثاوس كشخصية سودانية وفاقية وكنوبي يهتم بما يكتبه عن النوبيين، بل ورأيي فيه أنه شخصية وفاقية وأرى أنه لو كان في مصر أقباط ودعاة وفاق مثل الأب فيلوثاوس لما حدثت فتن طائفية فيها، وقد أحبه أهل السودان عامة والنوبيون بصفة خاصة لاهتمامه بتراثهم وتاريخهم، ولكن في الأيام الفائتة لاحظت فيه بعض ما لم نكن نراه فيه أو نسمع، ولعل من أهم العبارات الوفاقية الجميلة التي كان يبدأ بها هذا الأب أحاديثه عند مخاطبته للمسلمين أنه كان يبدأ حديثه بقوله بسم الله الذي نعبده جميعاً أي« مسلمين ومسيحيين» في بلادنا السودان، وكانت هذه العبارة تدخل برداً وسلاماً في قلوب المسلمين وتجعله أقرب مودة للذين آمنوا هكذا كان الحال وهو رجل محترم يلوي أعناق الجميع لاحترامه بتعامله الطيب إلا أنه في الأيام القليلة الفائتة بدرت منه بعض الكلمات والآراء التي لم ترض إخوته من المسلمين، منها وصفه للمجاهدين من أنصار الإمام المهدي رضي الله عنه بالدراويش وإن كانت هذه العبارة ليست بدعة ابتدعها هو ولكننا عهدناه دائماً يتجنب ما يمكن أن يثير المشاكل بين أبناء السودان ويحترم معتقداتهم، والصليبيون الأجانب يقولون هذه العبارة، ذكر هذه العبارة بل ويصر على صحة هذه العبارة ودليله أن الدراويش أي المجاهدين الأنصار قتلوا غردون مخالفين لرأي الإمام المهدي رحمه الله، وذكر أن الأنصار قتلوا شخصين أو أشخاص من الأقباط، ولكنه ينسى أن الأنصار قتلوا مئات بل آلاف المسلمين المخالفين لهم لدعوتهم المهدية وهؤلاء الأقباط الذين قتلوهم هم جزء من أبناء السودان الذين قتلوا، وهم بحكم وجودهم بين إخوتهم المسلمين كسودانيين يحدث لهم كما يحدث لإخوتهم، لقد تحدث الأب فيلوثاوس عن القبطيَيْن أو القلة من الأقباط الذين قتلوا بواسطة من وصفهم بالدراويش، ولكنه كسوداني وطني لم يتحدث عن الجيش الصليبي الأجنبي الذي أباد من إخوته السودانيين أكثر من 26 ألف سوداني مسلم، ومن الملاحظات أنه بدأ حديثه في هذا اللقاء بدلاً من بسم الله الذي نعبده جميعاً بقوله بسم الأب والابن .. الخ ثم ذكر أنهم موحدون لله جل وعلا ونحن لااعتراض لنا بما يبدأ به عملاً بالقاعدة «لا إكراه في الدين» ولكم دينكم ولنا دين كما جاء في معنى الآية «لكم دينكم ولي دين»، ولكننا نقول له إن التوحيد عند المسلمين والنوبة جزء منهم هو «قل هو الله أحد الله الصمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوءا أحد»، وليس الأب والابن..الخ ونقول له إننا نفخرأن يذكر الشعب النوبي في الكتب المقدسة نفخر بذلك ولكننا نحن النوبة ديننا الإسلام نؤمن بأنه «ومن يتبع غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين»، ونؤمن أن الآخرة «خير وأبقى»، وورود ذكر النوبيين أو بلادهم في الكتب المقدسة يدل على عراقة شعبنا، ولكن هذا لن يؤثر في معتقداتنا أو يجعلنا نستبدل منهاج حياتنا القرآن بالكتب المحرفة على الرغم من قدسيتها.وقد تحدث الأخ البروف على عثمان محمد صالح، وهو أحد علماء الآثار الأفذاذ وعلماء التاريخ والثقافة والحضارة النوبية، تحدث حديثاً شيقاً ممتعاً شارحاً آراءه وأفكاره بالعربي والرطانة، وهو نوبي أصيل له إسهاماته في مجال الآثار والثقافات والحضارات والتاريخ، علم من أعلام السودان ويعرفه المجتمع السوداني والإقليمي، وقد تحدث البعض عن اتفاقية البقط وأثرها على الثقافة النوبية، وكما قال أحد الأبناء المتحدثين ليس كل أعمال وأفعال أو تراث الخ نوبي يجب الأخذ به وهذا هو الصواب.