بدعوة كريمة من الإخوان والأبناء في اللجنة المنظمة للمهرجان الثقافي الثاني لتراث جبال النوبة الذي أقيم بميدان "الخرصانة" بالفتيحاب تحت شعار "النوبة أصل التاريخ ومنبع الثقافة"- وكان شخصي الضعيف والأخ والصديق الاستاذ محمد شريف وهو من المهتمين بالتراث والثقافة واللغة النوبية عامة وثقافة النوبة النيليين بصفة خاصة باعتباره نوبيا شمالا وهو يعد قاموسا نوبيا للغة النوبية "بلهجتي نوبين وأنداندى" وقد لبينا الدعوة ليس للمجاملة بل كسودانيين مهتمين بالتراث السوداني أولا وباعتبار أن ثقافة النوبة الشريحة الأصيلة من شعب السودان ثانيا وكواجب باعتبارنا جزء منهم ثالثا وكان وصولنا لمكان المهرجان في وقت مبكر قبل بداية العروض التراثية والفنية. وكان لقاء قبائل النوبة وكان كل شيء نوبة إنهم أصل السودان ومن لم يكن نوبيا من أفراد الشعب السوداني فله جذور نوبية في جزء من أصله من جهة الأب أو الأم وليس في السودان من ليس فيه الجذور النوبية هم الأصل ومن سواهم الفرع ممن اختلطوا بهم فكيف ينفصل الأصل من الفرع؟ هذا ما نقوله لدعاة الفتنة والانفصال. إن النوبة جذورهم من شمال السودان حيث إخوانهم النوبة النيليين وهذا أمر لا يختلف فيه مؤرخان أو شخصان عاديان وهذا ما يذكره أكثر قبائل جبال النوبة، في ما يذكرونه ضمن المعلومات عن قبائلهم، وقد قرأنا هذا في كثير من المعارض التراثية للقبائل المختلفة عند مرورنا على خيم القبائل للوقوف على تراثها، ووجدناها جميعها هي نفس "تراث نوبة الشمال" بل وجدنا إن "الزينة" التي تتزين بها نساء نوبة الجبال، هى نفس الزينة التي كانت تتزين بها المرأة عند النوبة النيليين، كما رأينا عند "نوبة الدلنج" وغيرهم، ووجدنا الأسماء المطابقة لأسمائنا في الشمال في كثير مما عرض من تراث، بل كل ذلك التراث كان يستخدم عند نوبة الشمال حتى أواخر الخمسينات. إن النوبة جذورهم من الشمال، وقد تتبع بعض المؤرخين هجرتهم من الشمال حتى وصولهم إلى الجبال، ومن المعلومات التي وجدناها مما كتبوها عن أصول قبائلهم، إن من أسباب نزوحهم ما أصاب المنطقة من جفاف وتصحر، وهذا سبب مقنع فالمنطقة الشمالية إنما هى جزء من الصحراء النوبية المرتبطة بالصحراء الكبرى. ونقول لدعاة الفتنة والانفصال: إن النوبة لا يعرفون لهم بلدا غير السودان، هم الذين وجدوا على أرض السودان، ومن أراد أن ينفصل عنهم لا يستطيع لأن جذورهم في كل الشعب السوداني. إن اسم السودان اسم حديث وقد عرف هذا السودان الحالي في الكتب المقدسة والمؤرخين القدامى من البشر عرف ببلاد النوبة وهذا النيل الذي يعبر بلادنا السودان كان يسمى "بالنيل النوبي" والصحراء التي بين حدودنا والدول المجاورة تسمى "الصحراء النوبية" والحجر الذي على أرض السودان الحالي يسمى "بالحجر النوبي" وأكبر نسور العالم الذي يوصف بسيد السماء الافريقية يسمى "بالنسر النوبى" والأغنام التي في السودان بل التي تستورد الآن من الخارج تسمى "بالأغنام النوبية" عالميا، أخذوها من بلاد النوبة "وهجنوها" والآن نستوردها من الخارج، اقول هذا لدعاة الفتنة والانفصال، وهؤلاء هم أعداء السودان الحقيقيون. وكان استعراض الفرق الفنية والتراثية والأغانى بمختلف اللهجات وثقافات مختلفة، وهم يحملون علم السودان، وكأنهم يقولون للمشاهدين المشاركين إن هذه الثقافات وهذا التراث هو جزء من ثقافات وتراث السودان الواحد الذي نرفع علمه، وجزء من تراث الشعب السوداني الواحد الذي نحن شريحة منه، هذا ما يدل عليه رفع الفرق المختلفة لعلم السودان، وأفراد فرقة الكمبلة يربطون علم السودان على قرونهم، وكأنهم يقولون إننا سنحمي السودان ووحدة السودان بقروننا هذه. ومما لاحظناه أن هناك تشابها كبيرا بين بعض رقصاتهم وكيفية أداء أغانيهم برقصات وأداء الأغانى عند النوبة النيلين في الشمال، حتى نوع الملابس التي ترتديها النساء وبخاصة قبيلة الدلنج كان عرض فرقتها وأداؤها يشبه السيرة عند النوبة النيليين في الشمال، ونحن نناشد المنظمات النوبية المهتمة بالتراث النوبي والثقافة في الشمال أن ترسل فرق فنونهم الشعبية والتراثية لعرضها في مناطق الجبال كنوع من التواصل بين النوبة النييلين في الشمال والنوبة في الجبال وهذا هو الاسم الصحيح كما يقول أستاذنا ميرغنى ديشاب، وما وصف النييلين بأنهم "النوبين" ونوبة الجبال "بالنوبة" إلا من وسائل التفرقة بين شعبنا الواحد. لقد كانت مشاهد رائعة، تدل على روعة وإبداع الشعب الاصيل، إنهم حقا هم أصل التاريخ ومنبع الحضارة، أينما تولي وجهك وبصرك لا ترى غير الإبداع والتراث، الاواني الفخارية والنباتية التي يشكل فيها القرع الجزء الأكبر بأشكال مختلفة وأحجام مختلفة، ويذكرنا هذا التراث بتراثنا في الشمال "الكنتوس- والاشنى- والطاجن- والكلول- والدوكة- وابريق الطين- والقدح الخشبى- والقبرة التي تصنع من القرع..الخ" إنه تراث مشترك- والاوانى المصنوعة من السعف- كالبروش والقفاف..الخ. إن كثيرا من النغمات والتراث الذي عرض، هو شبيه بالتراث والنغمات والايقاع عند النوبة النيليين، وهى نغمات ورقصات لها دلالاتها، ولعل من أهم تلك الدلالات استعراض القوة الفروسية- وقد تم عرض "بسيط" كمنوذج "للمصارعة والدواس" عند النوبة- وتعتبر "المصارعة" جزا اصيلا من التراث النوبي في الجبال ورقصة "الكمبلة" التي تؤديها قبائل النوبة المختلفة، وهى من الرقصات الشعبية التي تميز أهلنا النوبة في الجبال، وهى تمارس في الاحتفالات بل هى من الرقصات التي سحرت العالم بايقاعاتها وادائها الجميل وطرقت أبواب العالمية كما يقول أحد ابناء النوبة ومن حركات الرقص فيها ما يدل على القوة وحركات الرقص فيها مع وجود القرون على الرؤوس يذكرنا بحركات "جاموس الخلا" الذي يخيف الأسود، والضرب بالأرجل على الأرض بقو حتى يمتلئ جو السماء بالغبار الذي يتصاعد حتى يصل عنان السماء. ومما يدل على عظمة وحضارة هذا الشعب النوبي وتاريخة الأصيل وبأنه هو منبع الثقافة، إن هذا الإيقاعات التي سحرت العالم والأداء الجميل لم يدرسوها في المدارس أو الجامعات التي تعلم الرقص كما عند بعض الشعوب، بل هو تراث مقتبس من البيئة التي يعيشون فيها، وتوارثوها جيلا بعد جيل، بل نجد الرقصات الخاصة بالقبائل التي تجاور النوبة أخذت من إيقاعات النوبة، كما نجد آلاف المفردات من مفردات اللغة النوبية في عامية أهل السودان العربية، مما يدل على تأثير الثقافة النوبية على الثقافات السودانية الأخرى عربا وعجما، والأغاني والرقص فن أصيل في تراث وثقافة جبال النوبة، وهو تراث يستحق أن يتعرف عليها أصحاب الثقافات الأخرى غير العربية والعربية في السودان وخارجه، فهل يفسح القائمون على أمر البلاد والعباد وأمر الثقافة والتراث في هذه البلاد المجال للثقافات الأخرى عربية أو غير عربية في الشمال والجنوب والشرق والغرب؟ هذا ما نطالب به نحن النوبيين الشعب الذي هو أصل التاريخ ومنبع الثقافة، وهي ثقافات كلها تدل على ثراء هذه البلاد بالثقافات، ويمكن أن تصب كلها في قالب واحد تكون لنا الثقافة السودانية هذا ما نقوله وندعو له دائما حتى لا تسلب ثقافات الآخرين، ومتى يكون السودان عاصمة للثقافة الافريقية كما كان عاصمة للثقافة العربية عام 2005م حتى يعلم العالم كله أن بلادنا هذه غنية بالثقافات والتراث، وكلها تصب في قالب الثقافة السودانية وثقافة الشعب السوداني، وقبل أن أختم حديثي في هذه الجزئية من الدعوة إلى الاهتمام بالثقافات السودانية، أقول للإخوة والأبناء في اللجنة المنظمة للمهرجانات النوبية التالية في السنين القادمة إن شاء الله: إن أول من يجب تقديم الدعوة له للمشاركة هو الجنرال أحمد طه، المشرف على صحيفة السوداني الأسبوعي التي تصدر كل يوم جمعة، وهو الإعلامى الوطني القومي السوداني الذي يقوم بالدور الذي كان يجب أن تقوم به وسائل الإعلام التي نسميها أو اصطلح على تسميتها بالقومية من تلفاز وإذاعة وصحف، وهذا الجنرال أحمد طه هو الذي يفسح المجال في العدد الذي يشرف عليه من الصحيفة وهو في مجال الثقافات يفسح المجال لكل القوميات السودانية والقبائل السودانية وثقافاتها وتراثها في شرقها وغربها وشمالها وجنوبها بعد الانفصال والوسط، وفي ختام حديثنا نتوجه بالشكر للجنة المنظمة للمهرجان على حسن استقبالهم وحسن ضيافاتهم لأشقائهم من النوبة النيليين والتحية للابن طارق وزملائه من شباب النوبة وقد بذلوا جهدا كبيرا حتى يخرج المهرجان بتلك الصورة الرائعة، ومزيدا من التواصل بين أصحاب الثقافات بمثل هذه المهرجان، ما دامت الجهات الرسمية والقائمون على أمر البلاد والعباد عاجزين عن الاهتمام بكل ثقافات بلادنا الفنية بالتراث في شرقها وغربها وشمالها..إلخ وكل عام وأنتم والبلاد وشعبنا السوداني بخير. والله المستعان والهادي إلى سواء السبيل.