بدعوة كريمة كنت ضمن حضور تدشين كتاب (الجوابرة والأنصار الخزرج بالسودان)، لمؤلفه الاخ/ جابر الانصاري عبدالله معروف - وهو من المهتمين بالدراسات السودانية في الثقافة والتاريخ والانساب، وله عدد من المؤلفات في هذا المجال - كما جاء في كتابه - هذا وقد شارك عدد من العلماء المتخصصين في اللقاء، ودار نقاش مفيد ، نحسب انه سيفيد المؤلف في الجزء الثاني من الكتاب حيث كان التدشين للجزء الاول منه، ويعتبر الكتاب توثيقا مهما لجذور واصول ومناطق وجود قبيلة مهمة ممن قبائل السودان، قدمت الكثير لهذاالمجتمع السوداني ولهذا الوطن العزيز وهم الجوابرة احفاد جابر الانصاري رضي الله عنه. واورد هنا التعريف الذي اورده البروف يوسف محقق كتاب طبقات ود ضيف الله للجوابرة كما نقله المؤلف حيث جاء في تعريفه (تعريف جابري نسبة الى الجوابر، وهي مجموعة من الدناقلة التي ترجع نسبها البعيد الى جابر بن عبدالله الانصاري والى بني عكرمة وهم فرع من الانصار ، وقد اختلطوا بالدناقلة اختلاطا شديدا)، ويقول البروف عون الشريف قاسم رحمه الله عنهم (الجوابرة مجموعة وسط الدناقلة، واحدهم جابري ، ويرجعون بأصلهم الى الصحابي جابر بن عبدالله الانصاري وهم فرع من الانصار ويطلق عليهم في اللغة العبية جبركي) والتعريفات هذه تدل على ما حدث من خلط وتزاوج وتصاهر بينهم وبين الدناقلة ، مثلهم ومثل القبائل العربية الاخرى التي دخلت بلاد النوبة وساكنتهم. يقول المؤلف في كتابه صفحة (67) ان الكثير من اسر الجوابرة في شمال السودان قد ذابوا في القبائل الكبيرة هناك. كالبديرية والركابية والدناقلة والجعليين والمحس - برغم التاريخ العريض الذي عايشوه لقرون من الزمان في شمال السودان وحضورهم الفاعل في المجالات الدعوية والتعليمية والاجتماعية والقيادية، ويقول الاستاذ / سعيد محمد حسين، وهو من جابرة جزيرة بدين، ان هناك سبعة بيوت من البيوتات الاصيلة في جزيرة بدين من النوبيين تم التصاهر بينهم وبين الجوابرة ، وهم كمبال وكجراب وكولاب، وكرياب، وكبوسي ، وكساب وكوساب .. الخ وفي جزيرة مقاصر عدد من اسر الجوابرة منهم اسرة الشيخ هارون او اسرة (جوّي) وقد ناقشت احد ابناء مقاصر من جيراتنا بالحاج يوسف وعرفت ان هذه الاسرة (جوّي) قامت بتحفيظ القرآن لاكثر من الف شخص ممن اسمهم (محمد) فقط منذ انشاء الخلاوي. وقد جاء في الكتاب ان اول من دخل من الجوابرة ارض دنقلا هو الامام نفيع بن عامر، وكان ذلك سنة (725 هجرية) ومن ذريته محمد، سعد وسالم وخديجة، ومسرة، وقد تزوج سالم بامر عمه نفيع ببنت ملك النوبة، وانجب ثلاثة اولاد، هم ملوك الجوابرة ، ومن ذريتهم الملك الصالح محمد قرجة، ملك عموم الجوابرة، الخ وذلك ضمن الاعراف التي كانت سائدة في بلاد النوبة في توريث ابن البنت للحكم، وقد نجح العرب الذين دخلوا السودان في مصاهرة الاسر الحاكمة فانتقل الحكم منهم الى ابنائهم واحفادهم من بعدهم مما جعل كثيراً من النوبيين ينضوون الى لواء الاسلام. ولعل من اهم ما جاء في هذا الكتاب بالاضافة لتعريفه لهذه القبيلة العظيمة واماكن وجودها وعلاقتها بالقبائل الاخرى، توضيحه لدور قبيلة الجوابرة في السودان في مجال نشر العلم، وهم جماعة اينما (حلوا، هلوا) وهي من اهم القبائل التي اقامت خلاوي تحفيظ القرآن ، والاهتمام بعلومه، وتعتبر من انشط القبائل السودانية في مجال الدعوة الى الله حيث نجد ان معظم اصحاب الخلاوي والدعاة والعلماء والفقهاء جذورهم من هذه القبيلة ، ولا يذكر اسم المسجد او الخلاوي وتحفيظ القرآن والدعوة الى الله الا ويتبادر للاذهان الجهد الذي بذلته هذه القبيلة في هذه المجال، وقد وصلوا بدعوتهم حتى دولة اندونسيا حيث نجد فيها اسرة الشيخ احمد محمد سوركتي اصلها من جوابرة ارقو بالشمالية وقد علمت من مصادر اخرى ان اسم (سوكارنو) اصله (سوركتي) حيث كان الاندونوسيون يختارون لابنائهم اسم ذلك الشيخ الجابري تيمنا به وحرفت سوركتي الى سوكارنو ، وهم من اسماء احد رؤسائهم..! يوضح الكتاب ان من اهم اماكنهم في السودان الولاية الشمالية بصفة خاصة، في مدنها وقراها وجذورها ... الخ من حلفا وحتى مناطق الدبة والغابة وتنقسي الجزيرة حيث مناطق البديرية الدهمشية، وتعتبر جزيرة بدين هي مركزهم في الشمالية كما ذكر الاستاذ/ سعيد، هذا بالاضافة الى وجودهم في الولايات الاخرى وبخاصة في كردفان مثل مدينة بارا التي هي موطن مؤلف هذا الكتاب الاخ/ جابر الانصاري عبدالله معروف، والابيض وغيرها، وان كان في الكتاب ما يفيد ا ن جوابرة كردفان جذورهم من الولاية الشمالية، وفي ختم اماكن وجودهم اكد الاخ/ مؤلف الكتاب ان كاتب هذه السطور من منطقة شبتوت الواقعة في الريف الشمالي للقولد، وهي تنقسم الى شبتون قبلي وبحري وفي شبتون بحري نجد اسرة كاملة اسمها (الجبرنجي) ومن سكانها اخي وصديقي الاستاذ/ محمد شريف وهو من المهتمين بالتراث والاصول ويمكنني ان نهيئ لكم معه لقاء للتعرف على هذه الاسرة، وفي شبتون قبلي تزوج جدنا عبدالله حمد بإمرأة اسمها (حليمة جبرة) اشتهرت بهذا الاسم وهي من منطقة الذورات، وهي جدة صاحب شركة محمد نور للنظارات ومديرها نوري احمد نوري من (جهة والدتهم) واحفادها ربما يكونون بالمئات، وفي القضارف نجد حي (الجباراب) ولابد ان تكون لهذه الاسر علاقة بالجوابرة.. من اهم فوائد الكتاب ان المؤلف جزاه الله خيرا بذل جهدا كبيرا حيث شدّ الرحال الى اماكن وجود افراد هذه القبيلة، مما جعل التعارف والترابط بين افراد هذه القبيلة سهلا ميسرا، كما تعرف على مدى اتساعهم وعمقهم في تاريخ السودان وجغرافيته، هذا بالنسبة للجوابرة بصفة خاصة، كما ان في الكتاب تعريفا وافيا للمجتمع السوداني كله، والتعريف بدورهم في نشر العلم والدعوة الى الله حتى وصلوا الى اندونيسيا ،و وحضورهم الفاعل في كل المجالات، ومن اهم ما جاء في الكتاب توضيح المؤلف لما حدث من تصاهر وتزاوج بين الجوابرة كقبيلة عربية مع من ساكنوهم من النوبيين ، مما يساعد ويعين على تحديد (الهوية السودانية المسلمة)، للمسلمين في السودان ، وهذا ما يجب ا ن يهتم به المهتمون بالانساب وتاريخ السودان، والجذور النوبية بصفة خاصة نجدها في كل الاسر السودانية وقبائل السودان. ان هذا الشعب النوبي الذي منه امهات عرب السودان، شعب عريق ، ورد ذكره في الكتب المقدسة في اكثر من موضع، وتزوج منه الانبياء عليهم السلام، تزوج ابو الانبياء ابراهيم عليه السلام بهاجر النوبية، كما تزوج موسى عليه السلام بإمرأة نوبية كما جاء في الانجيل، هذا ما ذكره الاب فيلوثاوث فرج ، اقول هذا لمن ينكرون امهاتهم ويعترفون بآبائهم والله المستعان..