الذي يقود الإنسان دائماً إلى قفص الاتهام هو (الخصم) أما (ما) يقود إليه فهو (الفعل).. لذلك فإن الذي وضع الرئيس المصري السابق محمد حسني مبارك في قفص الاتهام يوم أمس وجعله يمثل أمام المحكمة، هم (الثوار) خصومه الذين أنهوا ثلاثين عاماً من حكمه استحق بعدها أن يحمل لقب صاحب أطول فترة حكم في تاريخ مصر الحديث.. والفعل الذي قاده إلى القفص هو ما يعتبره الخصوم تجاوزات للدستور والقانون واستغلال للنفوذ، وأي اتهامات أخرى (طويلة) و (عريضة) يرمي بها الخصوم دائماً في وجوه بعضهم البعض. لم أكن- وبصراحة شديدة- مؤيداً لمحاكمة الرئيس محمد حسني مبارك لثلاثة أسباب- أرى أنها منطقية، أولها أنه رجل تجاوز الثمانين، ثانيها أنه رمز مصري كبير، كان أحد أبطال حرب أكتوبر 1973م أو حرب العاشر من رمضان، وثالث الأسباب أنه كان رئيساً لمصر في مرحلة من أصعب المراحل التاريخية، وتجاوز بها الكثير من (المطبات) و (الشراك) السياسية التي نصبت لها طوال فترة حكمه. ولكن ظللت احتفظ برأيي الشخصي لأن الذي يقرر في أمر محاكمة «مبارك» هو الشعب المصري كله بطوائفه وأحزابه ومنظماته وكل شرائح المجتمع، وإن كنتُ لا أرفض أو أمانع في محاكمة بقية رموز تلك الفترة الممتدة من (1981) إلى (2011) أو ما يعرف بفترة حكم مبارك. وجدتُ نفسي بالأمس في غاية التأثر نتيجة إدخال رجل مريض إلى قفص الاتهام داخل سرير طبي، وهو رجل غير عادي، بل رئيس دولة، والدولة نفسها ليست دولة عادية، بل هي مصر، لكنني حمدتُ الله كثيراً أن الرئيس المصري السابق محمد حسني مبارك يحاكم أمام قضاء مدني عادل وليس أمام ما راج في فترة من فترات الانقلابات العسكرية بالمنطقة وعرف باسم (محكمة الثورة)، لأن المحاكمة هناك تكون الإدانة فيها سابقة للعدل، ويكون إعلاء قيم الثورة والثوار الجديدة مقدمة على كل قيمة أخرى. الذي أدخل الرئيس السابق محمد حسني مبارك إلى قفص الاتهام، وهو في مثل تلك الحالة التي ظهر عليها، لن يمنع من دخول آخرين يجلسون الآن على مقاعد الحكم إلى ذات القفص، لأن الذي يجري على الساحات العربية (كاسح) و (ماسح) إذا لم تتداركه أكثر الأنظمة وأكثر الحاكمين.. والحكمة تقتضي أن يخشى الحكام مثل هذا اليوم خشيتهم للموت، وأن يعملوا على ألا تحاسبهم الشعوب حتى وإن كان ذلك من خلال (محاكم عادلة)، عليهم أن يعملوا على أن يحاسبهم الله وحده في يوم الحساب العظيم، وأن يستعدوا لذلك بالعدل الذي هو أساس الحكم.