العمدة الحاج صالح من رجال الشمالية وأعمدتها المعروفين، وهو أديب وكاتب صحفي ظللت أقرأ له منذ فترة طويلة، وأخيراً رأيته بشكل راتب من خلال عمود (يومياتي) بصحيفة آخر لحظة المقروءة، وللعمدة أسلوب خفيف الظل وجذَّاب يلجأ فيه كثيراً إلى الطرفة والأمثال وفي لغة سهلة وممتعة، ويبدأ حديثه بعبارة ثابتة (سيداتي سادتي)، وكنت قد التقيت به قبل عدة سنوات وصار بيني وبينه ود واحترام، وخاصة بعد أن عرف بأني ابن أستاذه الشيخ نايل رحمة الله عليه- والذي قام بتدريبه في المرحلة الابتدائية بمدرسة مدينة الدامر، وكان العمدة يحدثني كثيراً عن والدي، وهي ذاكرة الطفولة عند طفل لمَّاح وذكي، وهي قطعاً لا تنسى، وقد أهداني العمدة أحد مطبوعاته، وأظن أسمه ذكريات، وفي هذا الكتاب حكي عن والدنا وأستاذه، وقال إن الشيخ نايل كان عندما يزورنا المفتش الانجليزي بالمدرسة ويقوم السيد الناظر بمرافقته ليتفقد الفصول، يقول لنا الشيخ نايل محذراً بأن هذا الزائر خواجة وكافر، فلا تقوموا لتحيته، وكان هذا الأمر يحرج السيد الناظر كثيراً، وكان يتفادى زيارة المفتش الانجليزي للفصل الذي يقوم بالتدريب فيه الشيخ نايل، وقد كان المفتشون من زوار المدرسة يعرفون هذه الحقيقة وعن العداء الذي يضمره الشيخ نايل لهم، الأمر الذي جعل الشيخ نايل لا ينال ترقياته مثل غيره، وقد ظل في وظيفة معلم حتى نزوله للمعاش عام 1948م ، وبجانب ذلك فقد كان يتم تنقله من ولاية لأخرى على مستوى السودان، ومع هذا فلم يغير الشيخ نايل من عدائه مع الانجليز، وقد كنت أتمنى أن يكتب العمدة الحاج صالح المزيد عن أستاذه الشيخ نايل، وقطعاً في هذا دروس وعبر توضح مدى تضحيات سلفنا الصالح ومواقفهم العدائية والوطنية ضد المستعمرين، حتى لو كان هذا يضر بمصالحهم ومعاشهم، وقد كان المرحوم الشيخ نايل شاعراً، وقد عبر بشعره عن الوطن ومواقفه التي كان يفخر ويعتز بها، ومنها نذكر له هذه الأبيات واصفاً نفسه: أراني كثير الهم في غير ما يجدي لقد عاقني الحظ السقيم عن المجد فإن اك في مهنتي غير موفق فإن يداي المكارم قد تفدي أحب الأيامي واليتامى ومن تكن به عاهة ذاك الذي مكرم عندي ولكن ذو المال المصعر خده فليس له مني سوى الهجر والصد وإن قيل لي طاطئ لراسك مرة ونعطيك ما تصبو اليه من المجد لقلت لهم خلوا سبيلي فإنني أبي يرى عيش المهانة لا يجدي لأني بحمد لله أصبحت فانها فلم ابتزل نفس إلى سافل وغد وللعمر ساعات تعد قلائل وأي خضوع للخسيس وللعبد