الخامس والعشرون من شهر يناير 2011م كانت هي بداية ثورة شباب المحروسة مصر، التي قامت لتؤكد أن ثورة القانون لن يعلو عليها أحد، وأن أبناءها يسيطرون على الوضع الذي دام فيه مبارك وسدنته لأكثر من أربعة قرون، لقد عانى الشعب المصري ما عانى، وعانينا نحن السودانيين ما عانينا، بل وعانت كل البلاد العربية والإسلامية والأفريقية وبقية دول العالم من حكومة مصر ومساندتها الواضحة الفاضحة لكل ما يمت بصلة إلى الحكومة الإسرائيلية، والحكومة الأمريكية ومن والاهما، فالدور المهم الذي لعبته مصر الثورة بعد نجاح ثورتها المنقطع النظير، نجده في فتحها السريع لمعبر رفح بين مصر وغزة دون أن تستأذن من أحد، أو تستشير أحداً، ليتمكن الأخوة الفلسطينيون من الذهاب والمجيء إلى بلادهم الحبيبة عبر الممر، بل لم تنطق إسرائيل بكلمة واحدة حتى الآن تشير إلى احتجاجها على فتح المعبر، لأنها مسألة سيادة لدولة مصر، لقد كان الرئيس السابق محمد حسني مبارك الذي يبلغ من العمر أكثر من 83 عاماً، يمنع دخول أو خروج الفلسطينيين من معبر رفح إلا بشق الأنفس، خاصة المرضى، وكبار السن، وذوي الاحتياجات الخاصة، وحتى الذين كانوا يتوجهون إلى الحج كانوا يتعبون كثيراً، وكانت إسرائيل وأمريكا يتفرجان وكأن الأمر لا يعنيهما. كان الرئيس السابق لمصر محمد حسني مبارك يقيم فى مستشفى شرم الشيخ الدولي، في الطابق الثالث، الغرفة رقم 309 بعد القبض عليه، ولكنه الآن نقل بعد تقديمه للمحاكمة صباح الثالث من رمضان 1432ه الموافق الثالث من أغسطس/ 2011م، إلى المستشفى العسكري الدولي بالقاهرة، أو إلى أي مكان بالقاهرة لم يكشف النقاب عنه، لأهمية السرية، وتحت العناية المكثفة والحراسة المشددة، وبجانبه زوجته سوزان ثابت التي لم تتركه أبداً أينما تم ترحيله، وقد قامت بالدور الملائم لزوجها بعد القبض عليه، خير قيام، ولم يتعرض لها الشعب المصري لأنه شعب واعٍ وفاهم، ويعرف متى يتحرك، وكان من أجمل قرارات السيدة سوزان ثابت، بأنها تنازلت عن جميع ما تملك من مال وعقار إلى دولة مصر الأم الرؤوم، لأنها شعرت كأم بأن هناك شيئاً ما ضد المحروسة مصر. احتل الشباب المصري الميادين العامة منذ انطلاقة ثورته في كل من القاهرة، الإسكنرية، السويس، الإسماعيلية والبحيرة، وكان أشهر ميدان تم احتلاله هو ميدان التحرير بالقاهرة، الذي كان بمثابة أم الميادين بمصر، حيث لزم فيه الثوار بالملايين إلى أن تحقق رحيل الرئيس السابق وانتصرت الثورة، ومن أخطر ما تنادت به الجماهير الشبابية الغاضبة كان هو اجتثاث حوالي تسعة آلاف من قيادات وحاشية الرئيس السابق محمد حسني مبارك في شتى أنحاء الجمهورية، لتقديمهم إلى المحاكمة المدنية العادلة، وقد ذكر الدكتور أحمد السمان المتحدث الإعلامي باسم رئاسة مجلس الوزراء في حكومة تصريف الأعمال، أنه سيتم إبعاد كل قيادات الحزب الوطني المنحل، سواء من الصف الأول أو الصف الثاني، ولكن أجمل من كل ذلك هو أنه ستتم إقالة من يثبت تورطهم عند تقديم أي شكوى ضدهم، ولا ننسَ أن حركة التطهير سوف تشمل نواب المحافظين، سكرتيري عموم المحافظات، رؤساء المدن والمراكز والأحياء والقرى، رؤساء الشركات العامة والشركات القابضة، ورؤساء الجامعات.. الخ، وقد قدرت المصادر أعداد المتوقع خروجهم في حركة التطهير من6 إلى 9 آلاف مسؤول مصري، ومن تتم إدانته في هذا التطهير الواضح، سيمنع من أداء العمل السياسي في مدة تتراوح من خمس إلى عشر سنوات، وذلك وفقاً للجريمة المرتكبة في حق مصر والمصريين. لقد كانت ثورة شباب مصر عظيمة وفريدة في نوعها، واستطاعت بعزتها ، وقوتها أن تقول كلمتها، ولم تتلاعب أبداً في مصلحه الشعب المصري، بل استطاعت أن تسدد طعنة قاتلة للرئيس السابق محمد حسني مبارك وأعوانه وسدنته قبل أن يفتك بهم، فقد كانت خطته هي إظهار الفتنة بين الجيش والشعب ليصطاد ابنه ومن معه في الماء العكر، ولكنه والحق يقال قد شرب من ذلك الماء العكر، فقد جردهم الشعب من كل شيء في اللحظة المناسبة، ووضعهم في قفص الإتهام ليكتبوا بأيديهم أن مصر ليست عزيزة بإهراماتها فقط.. ولكنها عزيزة بمحاكماتها لفرعون مصر وسدنته بواسطة قضاة مدنيين، ملتزمين بكل ما يكفله القضاء لمثل هذه المحاكمات من عدالة وشفافية. إن وقوف أو رقود الرئيس المصري السابق على السرير، أمام قاضي مدني ليتم التحقيق معه بكل أمانة وهدوء وعدالة وشفافية، يعتبر في حد ذاته انتصاراً كبيراً لهذه الثورة العظيمة ولشعب مصر، فمن كان يظن أن فرعون مصر الذي يهابه الجميع، يدخل في هذا القفص لاستجوابه؟.. ومن كان يظن أن إقرار مبدأ المساواة في العدالة الناجزة الذي نسمع عنه فقط، سيطبق بحذافيره مع فرعون مصر وسدنته بهذه السرعة؟، وحقاً أيها الإخوة ليس هناك كبيراً على القانون، فالكل سواسية أمامه كأسنان المشط، وشكراً لشباب مصر الثورة الذي أظهر لنا المعنى الحقيقي لمصر.. أم الدنيا.