يوم الأربعاء 4 أغسطس كان يوم محاكمة رئيس مصر السابق حسني مبارك الذي جثم على كرسي السلطة 34 عاماً، منها ثلاثون عاماً رئيساً للجمهورية وثلاث سنوات ونصف نائباً للرئيس الراحل أنور السادات-ومنذ اليوم الأول كان للشعب المصري رأي فيه، فقد اسموه لافاش كيري LA Vache quirit أي البقرة الضاحكة وهي المفارقة اللماحة التي أطلقها الشعب المصري الذكي لرجل بلا ماض ولا تاريخ وجد نفسه فجأة رئيساً بعد بطل تاريخي أسطوري في مواقفه وحياته الخاصة والعامة وأحد صناع أهم ثورة في الشرق الأوسط والأدنى، وبعد بطل أسطوري آخر هو الزعيم المتفرد جمال عبد الناصر الأب والقائد المخطط لثورة 23 يوليو. ü إذن وجد المصريون أنفسهم فجأة أمام هذا المسخ الذي بلا ماضي ولا تاريخ.. ولا مسوغ مفهوم لهذه القفزة في الهواء التي دفعهم فيها العبقري الذكي أنور السادات الذي لا يفصح عن خطوته التالية-وقد تأكد للكثيرين أن خطوته التالية كانت إزالة هذا الشبح.. ولكن عاجلته المنية غدراً وغيلة في وضح النهار يوم عرسه القومي نصر أكتوبر 1973. ü تريث الناس قليلاً ليعطوا سي حسني فرصة.. كانت هذه الفرصة بضع سنوات وبعد ذلك انهالت سيول الشتائم والضيق والنكت بحيث لم تحدث لشخص آخر أو حاكم آخر منذ عهد قراقوش الذي أثبتت الأيام أنه كان غير ذلك. ü النكات التي تطلق عليه كانت لا تقتصر على العامة.. بل يضحك فيها ويتداولها الخاصة على أعلى مستوى.. ومن ذلك تلك النكتة التي أطلقها أستاذنا الفرنسي وهو يفتقد صورة حسني مبارك في صدر القاعة وهو يستقبل قيادات وزارة الداخلية في مصر.. إذ صاح فيهم بعفوية بلغته الفرنسية المحببة ou est la vache quirit أين البقرة الضاحكة.. فضحك الجميع من نكتة الأستاذ الفرنسي العفوي الذي التقط هذا التعبير من أفواه المصريين ولم يكن أمام السادة الوزراء إلا أن يضحكوا. ü القاهرة ظلت تغلي خلال شهور منذ انفجار ونجاح الثورة.. وظلت الجمع تتالى جمعة الشهداء، جمعة التطهير جمعة الحسم وظلت الشكوك تتعالى في صدور المصريين الثائرين هل تقوم المحاكمة أم لا تقوم.. فقد جثم على صدورهم كابوس يثير الشكوك في أعتى القلوب يقيناً.. إلى أن جاء يوم المحاكمة كانت المدينة تغلي والميادين تغلي في السويس مهد انفجار الثورة وفي الأسكندرية موطن الشهيد خالد سعيد.. شهيد الثورة الأول.. وفي ميدان التحرير الذي كان يعد لجمعة الغضب.. ولكن يوم الأربعاء قبل الجمعة الرهيبة المتوقعة بيومين تمت المحاكمة فشملت الجمهورية كلها روح غريبة من الهدوء والسعادة وارتاحت أرواح الشهداء في عليائهم وخرجت صحف القاهرة وفي عنوانها الرئيسي سطر واحد: الفرعون في القفص.. الآن نجحت الثورة.