اذا تجاوزنا حقيقة أن النظام في سورية مايزال متماسكاً وقوياً إلى الآن، وأنه يحظى بتأييد الأكثرية من السوريين، وجادلناهم حول اليوم التالي لإسقاطه لما وجدنا لديهم إجابة واضحة تفيد الشعب السوري بشيء، فالغرب لا يريد من وراء إسقاط النظام إلا الخلاص من دوره الوطني والقومي وتحالفاته، وليحدث لسورية بعد ذلك ما يحدث، أما المعارضة، ونقصد الوطنية منها فقط، فيبدو أنها تأخذ الأمور بمنتهى البساطة حيث تتصور أنها ستصبح في سدة السلطة تدير شؤون حكم ديمقراطي تعددي كما تطرح، ويأخذ البعض، وهم في مجملهم من المتدخلين الغربيين وما يسمى المعارضة السورية، على النظام، تباطؤه في تنفيذ عملية الإصلاح، وهذا الاتهام لا يصدر إلا بهدف الاستمرار في حملات هؤلاء ضد النظام والتشكيك في رغبته المعلنة بالقيام بالإصلاح وبالتالي مواصلة الدعوة إلى تغييره،وهذا ما يعكس تجاهلاً واستهانة بالخصوصية السورية من حيث تركيبتها الغنية بالتنوع الإثني والديني وبما أنه لا يمكن التصور بالمطلق بأن هذه السلطة الجديدة ستكون قوية، وبافتراض أن عملية تغيير النظام تمت بهدوء ودون أي تداعيات، فإنها ستواجه مشاكل لا عدّ لها ولا حصر قد تدفع الأمور إلى الفوضى، ولا سيما في ضوء انعدام وجود نموذج إيجابي تستهدي وتسترشد به في سعيها لبناء نظام سياسي جديد وفق تصوراتها، بل إن النموذجين الماثلين أمام سورية في لبنان والعراق اللذين يتشابهان مع التركيبة فيها يدفعان كل مخلص لسورية إلى التحسب والحذر والتأني، آخذين بالاعتبار أن التنوع السوري أكثر غنى عما هو موجود في البلدين المذكورين، مع ملاحظة أن الجهات الخارجية هي من شكّل النظامين فيهما، وأن هذه الجهات لا تكنّ أي حرص أو مودة للبلدين أو لشعبهما أو لأمتهما، وهي جهات تعمل لتفتيت المنطقة ودولها وشعوبها كي لا تقوم لها قائمة يمكن أن تهدد يوماً ما مصالحها ووجود طفلها الصهيوني المدلل في المنطقة،وفي ضوء ذلك ما على سورية كي توفق بين تنوعها وسعيها لبناء نظام عصري يقوم على التعددية أن تبتكر نموذجها الخاص الذي يحمي ويقوي وحدتها الوطنية، ولا يؤسس للفتن في المستقبل، وهذا بالتأكيد لا يمكن تحقيقه بمجرد الرغبة في الإصلاح وإصدار القرارات ،أو بين عشية وضحاها، فالتحسب هنا ضروري، والتمهل أيضاً ضروري، والقرارات الصادرة منذ بداية الأزمة، وحتى قبلها تؤكد جدية النوايا الإصلاحية، بل وتؤكد إدراك القيادة في سورية أن ما صح قبل الأزمة وحراك المنطقة استنفد وفقد صلاحيته، وأن مواجهة الأزمة لا يمكن أن تتم إلا بوسائل جديدة، بدليل كل القرارات الإصلاحية التي صدرت، تأسيساً لنظام ديمقراطي تعددي يقوم على الانتخابات الدورية يحمي ويحفظ الوحدة الوطنية، ويعطي نموذجاً خلاقاً في المنطقة، تصبح معه سورية منارة في نظامها السياسي، كما كانت طوال أربعين عاماً منارة في قرارها الوطني والقومي المستقل،إن سورية على أعتاب مرحلة هامة، ولعلها الأهم، في تاريخها تتطلب تضافر جهود كل المخلصين من أبنائها كي تتجاوز أزمتها وتقوّي وحدتها وتستمر في تأدية دورها الذي تنعقد عليه آمال كل العرب. ولكن ، ماذا عن مواقف بعض الأشقاء ، فمنذ ان اعلن سعد الحريري موقفه الواضح والصريح من احداث سورية في بيانه الاخير قبل اسبوعين، يكون اخذ قرار الحرب ضد الدولة التي للبنان علاقات مميزة معها وفق اتفاق الطائف، وتجاوز معاهدة الاخوة والتعاون والتنسيق، هذا ما تخلص اليه قيادات حزبية وسياسية حليفة لسورية في لبنان، وتجاهر به ،وتؤكد ان سعد الحريري الذي صمت هو شخصيا اشهرا كي لا يحسب عليه اي موقف ضد سورية ونظامها، فإنه في بيانه الذي في مضمونه ادانة لما حصل في حماه من (مجزرة)، وفق ما صدر عن المكتب الاعلامي للحريري.