ثمة سؤال يفترض في اركان النظام السوري، او ما تبقى منهم طرحه: هل من افق للقمع؟ كيف يمكن للنظام متابعة امساكه بسوريا بعد كلّ ما حصل في السنة ونصف السنة الماضية؟ ما الذي سيفعله النظام بحلب واهلها، على افتراض انه استطاع تدمير المدينة على رؤوس اهلها؟ الم يتعلّم شيئا ان حماة عادت وانتفضت بعد ثلاثين عاما من تدمير جزء منها وقتل الآلاف من اهلها وتشريد عشرات آلاف العائلات؟ ليس في استطاعة ايّ من اركان النظام الاجابة عن اي سؤال من هذا النوع. من كان يمتلك بعض الشجاعة والجرأة على مواجهة الواقع قرر التخلي عن النظام. هذا ما فعله العميد مناف طلاس وغيره من الضباط والمسؤولين مثل السفير في بغداد نوّاف الفارس. يعرف شخصان مثل مناف طلاس ونوّاف الفارس كلّ شاردة وواردة عن النظام. ولم يكن خروجهما من سوريا، بالنسبة الى الاوّل، ومن النظام بالنسبة الى الثاني، سوى مؤشر الى ان مرحلة انتهت وان ثمة حاجة الى تغيير جذري. انه تغيير يؤدي، في احسن الاحوال، الى مرحلة انتقالية. البديل من المرحلة الانتقالية حروب صغيرة او كبيرة ذات طابع مذهبي او مناطقي او حتى اقليمي معروف كيف تبدأ وليس معروفا كيف تنتهي. هذه الحروب بدأت بالفعل، لكنها ما زالت محصورة في الوقت الراهن في انتظار ما ستسفر عنه معركة حلب وما ستؤدي اليه المواجهة التي يفتعلها النظام السوري مع تركيا. يسعى النظام الى مواجهة مع تركيا عن طريق حزب العمّال الكردستاني الذي يتزعمه عبدالله اوجلان. انه اوجلان نفسه الذي سلمته السلطات السورية الى تركيا بطريقة غير مباشرة عندما ابعدته عن اراضيها في العام 1998. شهدت الايام القليلة الماضية تطورين في غاية الخطورة. يتمثل التطور الاوّل في تفجير "خلية الازمة" في دمشق ومقتل قياديين امنيين على راسهم هشام اختيار (او بختيار) وآصف شوكت. اما التطور الثاني فيتمثّل في حشد قوات في محيط حلب ومباشرة الهجوم عليها والسماح في الوقت ذاته للمقاتلين الاكراد بالعمل ضد تركيا انطلاقا من الاراضي السورية. ماذا يعني ذلك؟ يعني التطوران ان النظام لا يمتلك اي مخيلة من اي نوع كان وانه يظنّ ان في استطاعته ترويض المدن والمناطق السورية على غرار ما فعل الاسد الاب في العام 1982 مع حماة. اكثر من ذلك، يظن النظام ان هناك ورقة يستخدمها مع تركيا اسمها حزب العمال الكردستاني. يرفض النظام السوري ان يتعلم شيئا من تجارب الماضي القريب. يعتقد الرئيس بشّار الاسد ان الشعب السوري يحبّه وان لديه مؤيدين ومناصرين ومحازبين في درعا ودوما ودمشق والزبداني وحمص والرستن والقصير وحماة وادلب ودير الزور وحتّى بانياس واللاذقية الخ... لم يستوعب في اي لحظة انه خسر كلّ شيء وانه لا يمتلك اصلا اي شرعية وان كلّ ما كان يستطيع عمله هو الخروج من البلد او الانتقال الى القرداحة، في حال كان ذلك ممكنا، والتمتع بالثروة التي جمعتها العائلة. المؤسف بعد الذي حصل انه لن يكون قادرا على التمتع لا بالسلطة ولا بالثروة وان السوريين سيلاحقونه الى يوم القيامة بدعم من المجتمع الدولي. لم يعد لديه مكان يلجأ اليه سوى ايران وروسيا. وفي حال استمرّت الاوضاع في التدهور، قد لايجد ملجأ في اي من هذين البلدين، خصوصا ان النظام الايراني آيل الى السقوط عاجلا ام آجلا. لا مكان لمثل هذا النوع من الانظمة التي تعتقد ان لديها دورا اقليميا تلعبه يفوق حجمها وامكاناتها... كان الاعتقاد السائد بعد الذي حصل في لبنان بين العامين 2004 و2005، اي بعد التمديد للرئيس اميل لحود واغتيال الرئيس رفيق الحريري ورفاقه ثم خروج القوات السورية من الاراضي اللبنانية، ان بشّار الاسد جديد في السياسة ولا يعرف الكثيرعن لبنان واللبنانيين وان ثقافته لا تتجاوز ما يروى له عن ان لبنان بلد "هش" وذلك من اجل ارضاء غروره. لم يستطع التعاطي سوى مع اسوأ انواع اللبنانيين. ولذلك عجز عن فهم طبيعة الوطن الصغير وتركيبته الفريدة والمتنوعة ، بحسناتها وسيئاتها. يتبيّن كلّ يوم ان هذه التركيبة اقوى بكثير من التركيبة السورية، خصوصا اذا اخذنا في الاعتبار ما تعرّض له لبنان منذ قرر العرب ان يكون الجبهة الوحيدة المفتوحة مع اسرائيل!... بعد اندلاع الثورة في سوريا، تبيّن انه لا يعرف شيئا عن بلده وعن مواطنيه ايضا. ظنّ بكل بساطة ان في امكانه ان يكرر مع المدن ما فعله والده في حماة قبل ثلاثين عاما. لم يتخيّل يوما انه كان عليه التخلي عن السلطة بعد شهرين او ثلاثة اشهر من بدء الاحداث وظهور مدى عمق الرفض الشعبي له للنظام. الجديد الآن انه يبحث عن مشكل كبير مع تركيا التي مارست سياسة ضبط النفس الى ابعد حدود منذ بدء الثورة السورية. يمكن لتركيا قبول امور كثيرة، لكنها لا يمكن ان تقبل لعب ورقة حزب العمال الكردستاني. مثل هذا التطور في غاية الخطورة وقد سبق للنظام السوري ان لعب هذه الورقة في الثمانينات والتسعينات من القرن الماضي وانتهى به الامر الى الاستسلام امام الاتراك وتسليم اوجلان والاعتراف بان لواء الاسكندرون لم يعد "اللواء السليب". يشير التصعيد مع تركيا الذي يترافق مع الحملة على حلب الى نهاية مرحلة في سوريا. ما الثمن الذي ستحصل عليه انقرة يوم صدور الاعلان الرسمي عن نهاية النظام؟ هل يمكن ان تكتفي بالتفرّج على ما سيدور في سوريا؟ خيرالله خيرالله