رأي: د. عبد السلام محمد خير رمضان كريم وفوق الشكوك، وحكاية (سكر رمضان) مثال لما هو مشكوك فيه من أخبار وأقوال وتصرفات مضللة فى وضح النهار، ومخيبة للآمال، بل هي مثال مكشوف لشكوك وظنون ضمن ما نصنعه بأيدينا من أزمات ثم نشكو من وجود متربصين بنا فعلوها بلا رأفة. نحن الذين فعلناها بلا رحمة في شهر الرحمة، فرمضان بريء من صناعة أزمة (سكر رمضان) ومن كل ما ظل يفعله المفلسون والمزايدون والمشككون قبل حلول الشهر الذي صفته الأساسية أنه كريم.. نأمل أن تتحقق (فرضية) أنهم تنازلوا عن أفعالهم هذه واستغفروا بمجرد دخول الشهر الكريم، فهو جاء ليشفي من الجشع وما يلحق به من وساوس، وسنكتشف نحن وهم أن رمضان فاض بخيره على كل البيوت والأفئدة برغم كلما أحيك باسم (سكر رمضان). شيء محير، محافل رمضان وموائد رمضان كالعادة حافلة بالخير وباليقين والإيثار الذي تتضاءل أمامه كل أشكال الأنانية،ومنها الشكوك، إن الشكوك فى طريقة تفكيرنا وأسلوب حلنا للمشاكل وصياغتنا للتصريحات وافتعال الأحداث والخصومات، تكشف عنه عناوين الصحف، فكثير من مشاكلنا السياسية والاقتصادية والاجتماعية يمكن إرجاعها إلى الرواسب التي تشكلت في النفوس جراء حالات الشكوك والظنون التي تحيط بالمعاملات وتنعكس بكل أسف على طريقتنا فى اتخاذ القرارات وتصريف الشؤون العامة وتربية النشء. يحتاج الأمر لدراسة لكن الملاحظة تكفي للقول بأن هناك تحولاً يشهده المجتمع بحلول الشهر لينعكس سلوكياً على التصرفات والخطاب العام وروح المعاملات، حيث تهدأ النفوس مما يوترها طوال العام، هل ذلك نتيجة تراجع حمى الظنون والشكوك؟ ومن أين تأتي هذه الشكوك والظنون أصلاً؟ قلة المعلومات وحجب الحقيقة وسوء الظن بالآخرين، الآن يشهد العالم ثورة فى مجال الاتصال وتدفق للمعلومات وتعدد مصادرها واستعصامها بالقيم، مما يفترض أن ييسر للناس كشف الحقائق ومحاربة الشكوك والظنون وإحلال الشفافية مكان عدم المصداقية، لتنجو البشرية من شرور التشكيك والتضليل وسوء الظن وإخفاء الحقائق. علمياً تصنف الشكوك والظنون على أنها هواجس نفسية ضاغطة منبعها الأساسي هو (الوسوسة) التي هي من صنع الشيطان لتشوش على النفس البشرية وتمزقها بالظنون، ولها مرجعية، فهي التي أخرجت (آدم وحواء) من الجنة كما ورد فى سورة الأعراف (فوسوس لهما الشيطان...) الآية (20)، ثم سارع (فدلاهما بغرور...) الآية (22)، أي (فأنزلهما من مرتبة الطاعة بخداع)، كما يقول بعض المفسرين إن ما يفعله رمضان هو عكس ذلك تماماً(يرتقي) بالصائم إلى مرتبة (الطاعة باقتناع) تقرباً لله تعالى واهب الجنة. رمضان بالصوم يعيد الصائمين إلى ذات الجنة، فجزاء الصائم تكفل به الله جل وعلا (فهو لي وأنا أجزي به)، كيف يفعل رمضان ذلك؟.. أهل العلم يقولون إن رمضان يتلخص في كلمتين (النية) و(الكيفية)، ويقصدون بالنية الصوم إيماناً واحتساباً لله تعالى ليس عن الأكل والشرب فقط، وإنما (سلوكياً) أيضاً ولوجه الله تعالى (من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة فى أن يدع طعامه وشرابه) رواه البخاري، أما الكيفية فهي أن يصوم (عملياً) بممارسة الفضائل ومنها الصبر على الآخرين، الصدق في القول، الإيثار والإنفاق والتواصل والتراحم والكف عن ما يؤذي الآخرين.. وأول ذلك التخلص من الشكوك وسوء الظن، هذه هي (الكيفية)، أي تغيير كلي في سلوكياتنا وتصرفاتنا نحو الأفضل. هذا الشهر (الكريم) تأكد أنه يرسخ سلوكيات وقناعات ضد أمراض كثيرة منها الخصومات والشكوك، فالإنسان بالصوم يحصن نفسه منها، فلا تكدر حياته، يتعامل معها بموضوعية أي برصيد من (اليقين) على أنها من صنع الشيطان فيستغفر لنفسه ولغيره ويمضي، أليس الاستغفار من تربية رمضان أيضاً؟ رمضان ضد الأنانية والشكوك والوسوسة التى تخرب البيوت وتربك الدواوين وتزيف القرارات والذمم، فليت قيمه تبقى بيننا طوال العام لنعيش مجتمعاً ودولة دون شكوك، وليت هيكلة الدولة الجديدة تتشرب هذا (المناخ القيمي).. لماذا لا؟ دولة ذات مرجعية من صميم قيم أهل السودان ومنفتحة على العصر برشد. وللخواطر بقية: - (لا يرد، قافل موبايله، قاصد)!.. هكذا حول البعض الجوال إلى مصدر للشكوك، الأمر قد يكون غير ذلك تماماً، ليتنا نعتاد أن يعذر بعضنا بعضاً. - يقول بعض خبراء الاتصال إن توارد الخواطر رفاهية، تابعت برنامجاً يتحدث عن أسرار الراحة التي توحد شعور الصائمين قبيل الإفطار.. غمرني إحساس بالرفاهية كوني مع كل هؤلاء (شعورنا واحد) والحمد لله. - أدركت صلاة العشاء والتراويح في عدة مساجد بأم درمان، فبهرني هذا التنوع والتوحد (على تقوى من الله ورضوان). - مع تسجيلات الشيخ محمد سيد حاج رحمه الله، سافرنا (بالسياحي) للشمالية، إنها (برمجة رمضان).. سبحان الله (البص) له Media Policy تراعي (ظروف الجمهور!). - تكثر الشكوك في المهن التنافسية، من تجاربي أن تأسيس (رصيد) لعلاقات (حميمة) مع الآخرين يسعف الحال متى ساور الشك أحدهم، فيعذرونك. - مواجهة الشك فيما نلاقي تختلف والأجدى أن يعذر بعضنا بعضاً، ومن أخلاق السلف الصالح قولهم عليهم رضوان الله (من خدعنا في الله انخدعنا له). - أشواق توحيد أهل القبلة تتجدد في رمضان، يقول البعض فلنبدأ بفضائية خطابها جامع، والبعض يدعو لتوحيد الأذان أولاً فنسمع (الصلاة خير من النوم) من كل المساجد فى وقت واحد ليسلم صومنا من الشكوك.. (صعبة دي؟!).