ما أكثر المفكرين في هذا الوطن الشاسع الكبير الممتد حضارة وثقافة وتمدناً، وما أعظم ما فيه من طاقات كامنة أو ظاهرة تتفجر يوماً بعد يوم.. ثم وأخيراً ما أكثر المسارات فيه وتعددها والتي تستبين في بعضها أنوار التنمية والتقدم والرخاء.. وفي بعضها أيضاً قفزة في ظلام تقودنا إلى التهتك فالتشرذم فالإنقراض، يمكن أن نطلق على حالتنا مسمى المشروب السوداني اللذيذ في رمضان «الحلو مر»، فتناقضاتنا السياسية تحتويها اجتماعياتنا واقتصادنا الذي تلهب سياساته ظهورنا بسياطه، تخفف عنا وطأة ولسعة سياطه أسوار التكافل الاجتماعي التي تحيط بالمجتمع السوداني، إن طعم الحلو مر ونكهته في كل أمورنا. ü لنعتبر أن في بعض منسوبي الحركة الشعبية الشمالية مفكرين، هذا الفكر الوافد الساقط عجز عن إعطاء المجتمع السوداني أي مردود خير خلال مسيرته، تشبث الكثيرون به تشبث متعة شخصية لا مصلحة وطن، ثم إنهم دمغوا هذا الفكر بالممارسات الخاطئة في ممارسة اللعبة الديمقراطية، حيث كانت نظرتهم غير ديمقراطية لأي عملية انتخابية جرت في كل المستويات، لذا لجأوا إلى الأساليب الخاطئة، حتى أنهم عجزوا عن إدراك المصالح القريبة لهم والمصالح البعيدة للوطن أو تعاموا عنها، إنهم يتعاطون سلوكيات رديئة في ممارساتهم الاجتماعية التي لها ارتباط وثيق وقوي بالممارسات السياسية. إن بعض العقول التي تحمل فكر الحركة الشعبية الشمالية «خاصة الرؤوس».. عقول خربة، فاسدة، لقد أنساهم الفشل أبسط شعاراتهم «الديمقراطية» ولم يمارسوها بروح رياضية وشاهدة على ذلك أحداث انتخابات جنوب النيل الأزرق، ثم جنوب كردفان، وفي الأخيرة عميت الحركة الشعبية تماماً عن الديمقراطية التي تتباكى عليها، لقد أفلست فقتلت، لقد كان أسلوب الحركة في غاية الرداءة والسوء، فكان مردودها عليها وعلى المجتمع وهي إضافة لماضيهم ولكنها إضافة قاتلة إذا التأم شمل الغيورين من أبناء المنطقة على السودان الوطن الرمز. إن المبادرات الشعبية الآن في جبال النوبة تأتي لتحطم الركام الذي وضعته الحركة الشعبية، ولتزيل الران من على القلوب ليستطيع شعب الجبال أن يرى الأمور على حقيقتها وهو الذي عرف كيف ينتخب وكيف يختار أبناءه الحقيقيين الذين يمثلونه في الفكر والسلوك والممارسة السياسية والتربوية، لن يستطيع فكر الحركة الآن أن يبدد خيوط النور التي تلاقت وتجمعت وصوبت نحو الظلام لتبدده. تبديد الطاقات واحد من الأمور التي تخصصت فيها الحركة الأم ورضعت منها حركة الشمال هذه الخصلة، فطيلة فترة الصراع كان هدفها تبديد طاقة البلاد البشرية والمادية لإضعاف الدولة وتركيعها للمجتمع الدولي المتآمر أصلاً عليها ولولا حنكة الحكومة في توظيف الموارد في فترة الحرب لما قامت هناك تنمية، ذات الأمر تقوم به الحركة الشعبية الشمالية الآن في كل من جنوب كردفان وجنوب النيل الأزرق. تبديد المسارات فن أجادته قيادة الحركة الشعبية، فالمسار السياسي طاله الغبش وعدم الوضوح والمصداقية رغم مصداقية وشفافية الطرف الحكومي في الطرح والأسلوب والغاية، وعكسه تماماً الطرف الآخر بلا وصف، لقد جاء المسار السياسي متعرجاً وبه نتوءات حادة جارحة ولو مرحلياً، وأكبر المسارات التي بددت بها الحركة جهود الحكومة المبذولة لتحقيق السلام والتنمية وإيقافها، كان المسار العسكري الذي بوغتت به القيادتان السياسية والعسكرية رغم الحرص والدلالات ولكن كان لسرعة رد الفعل المضاد أثر كبير في إعادة التماسك والتوازن السياسي والعسكري للمنطقة.. ولكن يبقى السؤال إلى متى!.. أما المسار الثالث الذي لغمته الحركة الشعبية الشمالية وجعلت السير عليه محفوفاً بالمخاطر الجمة، هو المسار الاجتماعي الذي يجب أن تقوم الآن وليس غداً.. الحكومة في المركز والولاية بإعادة التماسك الاجتماعي والترابط لمكونات جبال النوبة من الأثنيات المختلفة، وقطعاً تتأثر المسارات الاقتصادية بالمسارين العسكري والاجتماعي. من هذا الواقع وهذا التبديد للفكر والطاقات والمسارات وارتباط ذلك بأجندات خارجية ومهددات تهدد الأمن الوطني للدولة، تنبغي علينا الإجابة على أسئلة مشروعة وتحتاج إلى جلسة صادقة مع النفس السودانية وحكوماتها، مع عدم التفريط في الأمن القومي، وفي الوقت ذاته الأخذ في الاعتبار التجاوزات السياسية أو المناورات الدبلوماسية المطلوبة في مثل هذه الأحوال بما لا يخدش في الثوابت المعلومة، هل مؤشرات الواقع تشير إلى صعوبة أو سهولة الالتقاء للفرقاء كي يصلوا إلى حل ما؟.. كثرة المبادرات وتعددها ثم المباحثات وكسرها ثم رتقها، ألا يخدش في مصداقيتنا أمام المجتمع الدولي الذي نعلم تماماً أنه من يحرك من خلف الكواليس الدمي التي نتأذى من حركتها على مسرح الأحداث؟ التهديدات التي تطلقها الإدارة الأمريكية بإرسال قوات لفرض الأمن في جنوب كردفان أو جنوب النيل الأزرق، ثم التهديد بضرب المطارات السودانية، نحن نثق في الإعداد العسكري لها ولكن ماذا عن التعبئة الجماهيرية الإيجابية.. وما هو دور الولاة خاصة جنوب النيل الأزرق وصاحب المواقف الهلامية حتى الآن تجاه الولاية والمركز؟ عموماً إن توحيد الفكر والفهم السياسي السوداني، مسؤولية الدولة ليس عنوة ولكن بتسخير كل وسائل الإعلام العامة والخاصة لحشد الطاقات الفكرية المتعددة بعد توحيدها وتوجيه المجتمع وتبصيره بخطورة المرحلة التي تمر بها البلاد خاصة ونحن في الثلث الأول من تنفيذ خطة العشرين عاماً التي سيتشكل بها الشرق الأوسط الجديد ومنطلق الأمر من السودان، وأداة التغيير أو التطويع أو التنفيذ قوات الأفريكوم التي ستكون لجوبا فيها القيادة والسفارة الأمريكية في الخرطم التوجيه والإرشاد، أما لجمع الطاقات وتوحيدها وحشدها وتوجيهها، فعلينا بالإعلام ثم الإعلام ثم الإعلام الذي يصنع الثورات والحروب ويحدد المنتصر والمهزوم، إعلامنا سوداني وطيع مهما تباينت وجهات نظره مع النظام أياً كان، فلنملكه ما يمكنه من القيام بدوره. وأخيراً رغم الترصد لابد من جمع وحشد طاقاتنا القتالية. أما تحديد المسارات فهذه رهينة بتكوين إجماع شعبي كبير تتحد فيه كل ألوان الطيف السياسي السوداني، رامية خلفها كل مرارات الماضي، واضعة أمامها غاية وهدف صون هذا السودان. لقد آن الأوان أن نرصد الفكر ونجمع الطاقات ونحدد المسارات، فلا نبدد الوقت الذي نجيد نحن السودانيين تبديده.. والله المستعان.