وثيقة الدوحة الأخيرة التي وقعت بقطر بعد محادثات ومفاوضات ماراثونية ومعارضات من قبل بعض الحركات المسلحة بدارفور وموافقة البعض الآخر في أطول عملية تفاوضية سياسية برزت على الساحة الإقليمية بعد اتفاقية السلام الشامل إلا أنها حسمت الكثير من القضايا المتعلقة بالإقليم، وقد وجدت قبولاً من كافة أصحاب المصلحة في دارفور لأنها كفلت جميع الحقوق لمواطن دارفور مع تعهد الحكومة السودانية الصارم لتنفيذ هذه البنود لوثيقة الدوحة التي جاءت نتيجة جهد متواصل. الاتفاقية كما هو معلوم أعطت حتى الحركات غير الموقعة فرصة ثلاثة أشهر للحاق بقطار السلام والتوقيع، وإلا أن الحوار سينتقل إلى الخرطوم فقط!! وقالت الحكومة إن منبر الدوحة هو آخر محطات التفاوض بشأن دارفور مما جعل الجميع أمام أهمية تطبيق وثيقة الدوحة!! وفد المقدمة والحراك السياسي: على خلفية عودة قيادات حركة التحرير والعدالة من الدوحة بعد توقيع الاتفاق الأخير بدت الساحة السياسية الدارفورية في حالة حراك سياسي لبداية العمل الفعلي لتطبيق الاتفاق الذي أبرم في الدوحة، وكشف رئيس حركة التحرير والعدالة بالداخل عمار زكريا في مؤتمر صحفي عقد بالخرطوم أمس الأول بأن وفد المقدمة الذي سيضم (20) قيادياً برئاسة كبير المفاوضين/ أحمد بشير نيام بينما سيصل الوفد الرئاسي والذي يضم رئيس الحركة التجاني في الفترة ما بين (10 - 15) من الشهر القادم، وأكد على أن هنالك لجنة مشتركة من الحركة والحكومة لتقييم الاتفاقية والمشاركة فيها لتنفيذ الاتفاقية!! بينما أكد الدكتور سيسي في حوار صحفي على أهمية وحدة أبناء دارفور بمختلف قبائلهم وإثنياتهم لإقرار السلام، وأن هناك خطوات ضرورية وملزمة في سلم تنفيذ الاتفاقية ويجب التركيز عليها وعلى رأسها قضايا النازحين واللاجئين وعودتهم لمناطقهم وتوفير الحماية والأمن والسلام لهم!! النازحون واللاجئون قضايا مستعجلة: من أهم بنود الاتفاقية والمعنيين هم النازحون واللاجئون جراء الحرب الطويلة، ومنهم النازحون إلى الداخل السوداني من مواطني إقليم دارفور واللاجئون إلى دول الجوار وخاصة الجارة تشاد، لحل قضيتهم ولتغيير من أولويات اتفاق الدوحة لإعادة اللحمة الاجتماعية لمجتمع دارفو،ر ووضع حد لحياة التشرد والضياع والعذاب. بعثة الأممالمتحدة والاتحاد الأفريقي العاملة بدارفور «اليوناميد» أعلنت عن انخفاض أعداد النازحين في الإقليم من (2.8) مليون إلى (1.8) مليون نازح كدليل لتحسن الأوضاع مما يشجع القائمين بأمر الاتفاقية من حركة التحرير العدالة والحركات الأخرى الموقعة على سلام دارفور بالعمل بحرية لاستيعاب البقية من النازحين وتحسين أوضاعهم واستقلال الدعم المادي الكبير الذي قدم من دولة قطر في سبيل الاستقرار والتنمية لإقليم دارفور وتهيئة الإقليم لعودة اللاجئين من تشاد، وكذلك النازحين في المعسكرات المختلفة وإعادة لم الشمل وبداية عمليات الإنتاج والاستقرار.! وفد المقدمة والتحديات!! اجتماع اللجنة التحضيرية لاستقبال وفد المقدمة لحركة جيش التحرير والعدالة بالقاعة الكبرى بمركز الشهيد الزبير يوم الخميس الماضي أظهر بعض أنواع الخلاف وإن كانت في رئاسة اللجنة التي سوف تستقبل الوفد، ولكن هذا يدل على أن هنالك الكثير من الوقت تحتاجه كل حركات وقطاعات دارفور للوصول إلى توافق وتراضي لتنزيل اتفاقية الدوحة إلى أرض الواقع وتنفيذ اشتراطاتها في سبيل دعم الاستقرار دونما خلاف على المناصب وتقسيم المغنم !! ولكن الشاهد على الأحداث وتطورها في دارفور أن المسألة ليست في استقبال المقدمة ولجنتها، بل تكمن في استعداد أهل المصلحة والشأن جميعاً بدارفور بالإرادة السياسية لاستغلال هذه الفرصة التاريخية بتوقيع اتفاق الدوحة والدعم الإقليمي والدولي لها وكذلك الدعم المالي الكبير لتنفيذ مشاريع بالإقليم وضمان المجتمع الدولي لتوفير كل المعينات لإنجاح الاتفاقية التي شهدت جلسات ماراثونية بالدوحة صبرت عليه دولة قطر حتى وصلت بها إلى الاتفاق الأخير - التحدي هو لقادة لحركة التحرير والعدالة دكتور التجاني سيسي ورفاقه في تطبيق الاتفاقية دون النظر للمناصب والسلطة والثروة حتى لا يتكرر سيناريو اتفاقية أبوجا والذي لم يطبق فيه الاتفاق فانهار قبل أن يبدأ!! الحركات المعارضة والدعم الخارجي!! وفيها يبدو على الطرف الآخر أن الحركات المعارضة لاتفاق الدوحة والتي رفضت الاتفاق والتوقيع لم تكتفِ بإعلان رفضها، بل شرعت في تكوين تحالفات عسكرية مع الحركة الشعبية وكذلك قطاع الحركة بالشمال في حركة ارتدادية على توقيع وثيقة الدوحة. فاجتمعت في جوبا وتم توقيع تحالف بين قطاع الشمال وحركات دارفور كل من حركة تحرير السودان جناحي مناوي وعبدالواحد وحركة العدل والمساواة تحت مسمى الجبهة الوطنية للمقاومة، ودولة الجنوب قامت برعاية هذا التحالف في سلسلة تآمرها المستمرة ضد الشمال فيما يلي تمويل هذه الجماعات والحركات وتأمين قادتها. ورغم ظهور بوادر لمبادرة أمريكية لإقناع الرافضين لوثيقة دارفور للتوقيع والانضمام لها في سبتمبر المقبل، إلا أن بعض المحللين السياسيين ربطوا ذلك بالدور الأمريكي المستمر لعرقلة أي مسيرة سلام بالإقليم طوال فترة النزاع وتغذيتها المستمرة للحركات المسلحة لتنفيذ أجندتها الخاصة منذ اتفاق أبوجا وهدفها الأساسي عدم الاستقرار السياسي للسودان وإسقاط نظام الحكم فيها لدعم الحركات المتمردة في دارفور والآن تحاول إدخال رأسها في جنوب كردفان!! أهل المصلحة والشأن والتحدي: الآن أمام أهل المصلحة والشأن تحدٍ كبير في تنفيذ اتفاق الدوحة ووثيقتها الحاوية على كافة حقوقهم والملزمة بتوفير الدعم المعنوي والمادي للإقليم ومواطنيهم، وإعادة النازحين واللاجئين. التحدي الرئيسي لمواطني دارفور وقيادتها يتمثل في التوافق والتراضي وكيفية تغيير الاتفاق على أرض الواقع بالابتعاد عن الأجندة والمصالح الذاتية حتى لا يكون مصيرها مصير الاتفاقية السابقة (أبوجا) وما آل إليه حال الحركات التي وقعت على الوثيقة ولم تستطع فعل شيء لإنسان دارفور الذي انتظر طويلاً وعانى أكثر من ثمانية سنوات بحثاً عن الاستقرار والتنمية. ويبقى التحدي أكبر في ظل إعلان الحكومة بأن منبر الدوحة هو المنبر الأخير للتفاوض، وفي الوقت الذي مازالت فيه هنالك حركات تحمل السلاح وتشكل تحدياً آخر أمام إنفاذ الوثيقة التي تحتاج إلى الأمن والاستقرار أولاً حتى تنزل اشتراطاتها واستحقاقها على المواطنين عملاً وتنفيذاً.. فالإرادة السياسية ضرورة لهذه المرحلة حسب تحليلات مراقبين سياسيين للمشهد السياسي بدارفور طوال فترة الصراع الدائرة، وما بين تكتيكات الحركات المختلقة وانسلاخ مجموعات منها لتجيء وثيقة الدوحة كضامن للسلام والتنمية رغم اختلاف البعض حولها لكنها شهدت التوافق الإقليمي والدولي.. فهل تكالب أهل الشأن والمصلحة وكل مواطني دارفور وقياداتها للخروج بالإقليم إلى بر الأمان؟!