تأتي الذكرى العاشرة لأحداث الحادي عشر من سبتمبر وقد غيبت الأقدار بطلي الأحداث .. الرئيس الأمريكي جورج بوش والمجاهد أسامة بن لادن، فقد توارى الأول خلف ظلال مزرعته بولاية تكساس وابتلع البحر مؤخراً جثة أمير الإرهابيين في التاريخ المعاصر، ولكن يظل الحدث الأعظم شاخصاً وماثلاً بزلزاله الكبير وتداعياته الخطيرة. أنتجت أحداث سبتمبر 2001م حربين كبيرتين في العراق وأفغانستان، أضرت بعلاقات أمريكا بالعالم العربي والإسلامي وقوضت مكانتها العالمية وأضافت مزيداً من الإرهابيين أكثر مما قتلت. فقدت أمريكا حوالي ألفين جندي عسكري في أفغانستان وحوالي (5000) خمسة ألف جندي بالعراق وفقدت بريطانيا نحو (500) خمسمائة جندي في الحربين، في حين بلغ ضحايا الحرب من المدنيين العراقيين نحو مليون شخص وبلغ ضحايا الحرب بأفغانستان عشرات الآلاف. تسببت أحداث سبتمبر وتداعياتها في استنزاف الخزانة الأمريكية التى خسرت نحو أربعة تريليونات دولار أمريكي مما يعد أكبر ضربة مؤذية يتلقاها الاقتصاد الأمريكي في تأريخه المعاصر، الأمر الذي أدخله في نفق مظلم من الركود الاقتصادي وأفرز نتائج اجتماعية واقتصادية قد تقود إلى غيبوبة نفسية مهلكة بسبب الفشل والسقوط دون تحقيق الأهداف رغم غرور القوة والشعور بالاستكبار بالنظر إلى الجيوش والأساطيل الحربية. أما العامل النفسي فيبدو جلياً من الشعور بخيبة الأمل وعقدة الذنب حيث إن حصاد تداعيات سبتمبر لم يكسب الغرب رغم التخويف والعدوان والقهر الأمني للآخرين لم يكسبه إلا مزيداً من الخوف وعدم الاطمئنان. نتيجة لدراسة أعدت لصالح مجلس (نيوستيتمنت) وجد أن % 30 من البريطانين لا يشعرون أنهم اليوم أكثر أمناً مما كانوا عليه قبل العاشر من سبتمبر عام 2001م. يرجح كثير من المحللين والباحثين أن ثورات ما يسمى بالربيع العربي بالرغم من مبرراتها المحلية والإقليمية مثل استبداد الحكام وتفشي مظاهر الظلم وانحسار العدالة الاجتماعية وضيق سقف الحريات العامة والظروف المعيشية الضاغطة، إلا أن المرجح قيام الغرب بدور كبير في إزكاء نار الثورات والتحريض عليها كمحاولة لفك الخناق عن رقبته والخروج من ورطة الحروب التى دخل فيها تحت غطاء الدعوة للديموقراطية والحكم الراشد. من جانب آخر فإننا نلحظ بروز منابر تعمل في المراجعات الفكرية والمنهجية نقدت كثيراً من اجتهادات الشهيد أسامة بن لادن، انبرى لها كبار العلماء والدعاة خاصة أئمة الجهاد وأهل الثقة في هذا المجال، أسهمت تلك الآراء والمراجعات في تصويب مسيرة العمل المسلح وتنظيم أدب المقاومة وفق منهج الإسلام الصحيح، وإنارة المسيرة الجهادية بمصابيح الهدى ومشاعل الحق، الذي لا يجيز قتل الأبرياء بسبب الدين أو الانتماء للغرب ما داموا غير محاربين وكذلك عدم جواز إصدار الأحكام السطحية بغير علم كاف أو دراية وافية ينتج عنها ممارسات طائشة مثل الاعتداء على الحرمات وارتكاب مذابح وحشية وإجراء محاكمات متهورة بحق أفراد أو جماعات كصدى وردود أفعال غاضبة لبعض تصرفات الخصوم مما أظهر الإسلام أحياناً بصورة شائهة مجانبة لصورته الرائعة في الواقع، وكذلك خلط بعض شباب الإسلام بسبب الحماس الزائد، خلطوا، فقه المراحل في الدعوة إلى الله واستيعاب الواقع في مدارج الهداية والإصلاح، وفات على بعضهم معرفة الأسس السليمة وترتيب الأولويات في البلاغ ونشر الإسلام وكذلك ضوابط عقد ألوية الجهاد والاستشهاد في سبيل الله هذه المراجعات والتصويبات سيكون لها كبير الأثر في تجفيف ظواهر الغلو والتطرف وتفشي العنف الذي شاب سلوك كثير من الجماعات الإسلامية الجاهلة أو المخترقة. إن الاعتراف بأن الثقافة الإسلامية والعربية والشرقية لها محدداتها وخصائها التي تختلف عن الثقافة الغربية بمكوناتها المختلفة، مما يدعونا أن نقرر بشجاعة ضرورة النظر بعمق وإعمال الفكر بحيوية وتقليب الأمور بموضوعية تثمر اختيار الطريق الأسلم، والميدان الأرحب لإدارة الخلاف مع الخصوم والعمل على تلاقي الأفكار بدلاً عن مصادمتها والالتقاء عند الحد الأدني للتعاون وتحقيق المصالح المشتركة وتبني علاقات جديدة تستهدف التعايش وإفشاء مفهوم التسامح واحترام ثقافة الغير مما يولد مناخاً يمكن من خلاله أن تبرز الأفكار الناجحة والرؤى الناضجة وتسود بالتالي الحضارة الغالبة دون الحاجة إلى الإفلاس والانحدار لمستنقع الصراع الآثم.