تربع السيد رئيس الجمهورية المشير البشير وتوهط على أرضية مسجد الشهيد بضاحية المقرن بالخرطوم مشاركا ً في عقد زواج أحد رموز وزاراته ورجال دولته الأوفياء. حضور السيد الرئيس لم يسبقه سلام جمهوري أو برتوكولات مراسمية.. ولكن عند دخوله اشرأبت الأعناق، وتلفتت يمنة ويسرة، ولم يستقر رأس من رؤوس الحاضرين في موضعه، طمعاً في رؤية الرجل الذي دوّخ أوكامبو وتسبب له في أمراض نفسية وجسدية، ويكاد يكون فقد الكثير من وزنه و وقاره و وعيه، وصار من مدمني المخدرات حتى يتخيل أنه الأكثر قوة.. وكلما تطير طائرة تحمل الرئيس يكون لسان حال أوكامبواللعين إن شاء الله الطائرة ألشالتك أنت تتكسر حتة.. حته. إنه لشرف كبير لهذا الشعب مضرب الأمثال في الطيبة والذكاء اللماح ، أن يشارك فيه السيد رئيس جمهوريته أفراح رعيته حاضراً أو شاهداً، وفي بعض الأحيان وكيلاً عن العروس أو العريس.. الأزواج الذين يشارك في عقد زواجهم السيد الرئيس عليهم تكوين رابطة تسمى نفسها اسماً يليق بانتمائهم للبشير مفخرة السودان و الأمة العربية و الإسلامية والإفريقية. لم تقتصر مشاركة السيد الرئيس رمز الدولة في أفراح رعيته، بل تكون الاستجابة فورية عند أحزانهم فكم من الوفيات قد رُفع لها اجتماع أو تأجل لها لقاء ليس لعدم الأهمية وليس أيضا ً لأن الميت أولى من الحي، ولكن لأن الدافنة عندنا في السودان لا تنتظر و لأنها حق من حقوق المؤمن حتى بعد مماته.. هذا تراثنا وعقيدتنا وعليهما نشأنا وعلى هذا الدرب نسير راعي ورعية، نوقر الكبير ونحترم الصغير ميتاً كان أوحياً.. فالموت عظة وعبرة، نتسابق للمقابر ونحن ندفن موتانا ودرجة حرارة الجو قد تتجاوز الخمسين، ننسي حرارة الدنيا ونخاف حرارة الآخرة . في أكثر من مدينة نشاهد السيد رئيس الجمهورية يفتتح منشآت مفخرة لنا رغم الحصار المضروب على طول البلاد وعرضها ويحيط به كثير من رجالات الدولة شهوداً على هذه الأحداث التاريخية التي تكتسي فيها المدينة حلة باهيه وفرح ينغمر ويطفو على سطح الوجوه فتنفرج الأسارير في وجود البشير.. اختيار هذه المواقع يتم بعناية فائقة وصرامة شديدة لا تقبل المجاملة، بل وموازنات قد يجهلها الكثيرون الذين لا علاقة لهم بعمل المراسم، فالمختصون في مجال المراسم بالقصر الجمهوري يدرسون بانتباه شديد وملاحظات دقيقة درجة وأهمية هذا الافتتاح وهل يتناسب وقامة رأس الدولة أو يسند الأمر إلي من ينوب عنه من السادة الوزراء المرافقين والمختصين، وتكون هناك أيضاً معايير دقيقة في تحديد حجم العمل الذي تم إنجازه.. كثير من المشروعات والصروح التي يشرف على افتتاحها السيد الرئيس قد تكون من قروض أو منح لحكومة السودان كمستحق من مستحقات التنمية والتي تهدف إلى رفاهية الإنسان في مجال الصحة، التعليم أو الأمن أو غيرها من المجالات الحيوية. تتسابق الولايات في دعوة السيد الرئيس بتشريفها لزيارة ولايتها وتهتم كل قطاعات الولاية بالزيارة المرتقبة وتتشكل اللجان وتتوزع المهام على لجان منبثقة تحت إشراف السيد الوالي، بجانب اللجنة الأمنية وهى الأهم، و لجنة أخرى لا تقل أهمية يقع على عاتقها البرنامج المصاحب من عرض للتراث الفني والأدبي والثقافي للولاية إلى مقترح للمشاريع التنموية والبنيات الأساسية التي يفتتحها السيد الرئيس بالولاية.لقد قرأت لافتة بولاية من الولايات كتب عليها «تم الافتتاح علي يد الفريق عمر البشير في 12 أغسطس 1995م» وهو مستشفى لعلاج الأنف والأذن والحنجرة.. أصبت بالدهشة والاستغراب للحالة المزرية التي وصل إليها شكل هذا المبني من تدهور مرير وحالة تحتاج فعلاً إلى علاج الأنف ليشم ما ينبعث من روائح كريهة، وإلى علاج الأذنين لتسمع خرير المياه ونداءات المرضى، بل وتحتاج إلى علاج الحنجرة حتى ترتفع كل الحناجر وتقول وا...عُمراه . سألت عن الأمر فكانت القصة من أساسها تحتاج إلى مراجعة، فقد كان المبنى قائما ًأصلا ً قبل الافتتاح ويعمل في علاج الأطفال، وتطور العلم وتوفرت الإمكانيات واجتهدت الدولة في تحسين بيئة علاج الأطفال أمل المستقبل وشيدت مبنى آخر أكثر اتساعا ً وحداثة ً لمقابلة احتياجات المدينة، وفكرت لجان استقبال السيد الرئيس في تلك الفترة في تحسين صورة المبني القديم الخاص بالأطفال والتعديل في بعض جوانب وهندسة البنيان وصار بقدرة قادرمستشفى يفتتحه السيد الرئيس صاحب المكانة العالية والدرجة الرفيعة. وهذا المبني في الأصل لم تنشئه الدولة إنما مجهود نقابي لنقابة تؤمن بدورها في التدخل لحل مشكلات المجتمع ومساهمة فاعلة من قطاعات المجتمع المدني إذا توفرت لها إمكانيات وقدرات وقبل ذلك العزيمة والصبر.. ساهمت هذه النقابة بالإشراف والتمويل في إنشاء هذا المبنى لعلاج حالات الأنف والأذن والحنجرة بولاية تحسب من الولايات الغنية برجالها ومالها . سقت هذا المبنى كمثال لأهمية المرافق الصحية في حماية المواطنين ولاهتمام الدولة بالناحية الصحية، واعتقد أن هناك كثيراً من المرافق في مجالات التعليم والمياه والبنية التحتية تحتل فيها لافتة مكتوب عليها تم افتتاحه على يد السيد الرئيس مما يشير إلى أنها قد وضعت في برامج رئاسة الجمهورية وأخذت الطابع الاحتفالي والزخم الإعلامي ثم يبدأ بريقها في الانخفاض .. دعونا نتوهط كما فعل الرئيس ونجلس علي الأرض ونعمل جرد للمشروعات التي افتتحها سيادته وما هي مآلاتها ومعرفة قيمتها الحقيقية. هل أوقفت المصانع بعد افتتاحها ؟ هل أظلمت القرية بعد إنارتها أو وقف تدفق المياه بعد ضخها؟ حتى المؤتمرات المحلية والعالمية التي يفتتحها السيد الرئيس يجب أن يختلف مصير توصياتها عن غيرها... أمر واحد متأكد منه.. لم يصمت صوت الأذان في مسجد افتتحه السيد الرئيس.