أكاد أجزم بأن أكثرية الحكام العرب الذين يتعاملون مع شعوبهم ب (فرض الوصاية) إلى الدرجة التي تجعل الشعوب تؤمن تماماً بأن حكّامها لا يكنون لها ذرة من المشاعر الطيبة في قلوبهم، أكاد أجزم أنّهم لم يكرهوا شاعراً مثلما كرهوا الشاعر العراقي مظفر النواب، ولم يبغضوا قصيدة بغضهم لقصيدته الرائعة - التي أحبتها الشعوب - التي جاءت بعنوان (القدس عروس عروبتكم) والتي لم يسلم منها حتى أولئك الانقلابيين أدعياء الثورة، وقد جاء في بعض أبياتها الآتي:- دلتني الأشعار عليك بجمرة أشعاري جعلتني الدمعات كمنديل العروس طريّاً لا أجرح أحداً خذني وأمسح فانوسك في الليل يشع بكل الأسرار.. لا تلم الكافر في هذا الزمن الكافر فالجوع أبو الكفّار مولاي..!! أنا في صف الجوع الكافر ما دام الصف الآخر يسجد من ثقل الأوزار *** القصيدة ثائرة وفائرة، وكنّا أيام الدراسة والطلب في المرحلة الثانوية نتنافس على حفظها وترديدها مع أخريات لشعراء آخرين، فالثورة كانت تعتمل في القلوب الشابة التي تحلم بالمستحيل.. والمدينة الفاضلة. في ذلك الوقت ما كانت بلادنا تعاني جوعاً ولا فقراً بائناً ينعكس على الأجساد عرياً وعلى الأقدام حفاء، وما كانت المدارس تلفظ المنتسبين لها بسبب الدرهم والدينار، وكان الناس يجدون الطبيب داخل عيادات المستشفيات الحكومية المجانية، وكانوا يجدون الدواء مقابل الروشتة والوصفة الطبية فقط.. ومع ذلك كانت الثورة تعتمل داخل صدورنا لأن الحكومة تدخلت وحالت بين الناس وبين حرية التعبير وحالت دون تكوين الأحزاب، وأرادت أن تأخذ كل الناس معها في سفينتها التي تقودها فوق بحر أحمر قانٍ ظنت أنها سفينة نجاة.. وما كانت تؤمن بمقولة السيد المسيح عليه السلام: (ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان). الرسالة الآن لأولي الأمر وقادة الدولة وأجهزتها ومؤسساتها بأحرف واضحة جلية بأن العيش يكاد يكون مستحيلاً في ظل زيادات غير معقول ولا مقبولة في أسعار كل السلع والخدمات، ومع زيادة مضطردة ومطالبات مستمرة في رسوم النفايات والعوائد وسلسلة لا تكاد تنتهي من الأعباء المالية التي ما عاد يحتملها أحد. الآن علينا مراجعة السياسات - كل السياسات - حتى لا ينهد المعبد علينا أجمعين.. ونحن نعلم والجميع كذلك أن الحرية وحدها لن تحقق استقراراً ولا أمناً.. ولا الخبز وحده يكفي.