أعذروني.. أحبتي.. هذه هي المرة.. الألف.. التي أكتب فيها.. حروفاً ما قالا زول وما أظن يقولا وراي بشر.. إعجاباً.. وافتناناً.. بل وولهاً.. بإذاعة ساهرون.. وأقسم بالتي أحبها وقسماً لأبرن قسمي.. إني قد أدمنت هذه الإذاعة.. إدمان ابن زيدون وهو يهيم في دنيا البشر متسقطاً أخبار ولادة بنت المستكفي.. وأنا تالله قد «فترت» بل «خجلت عديل» من كثرة الاحتفاء والاحتفال والإشادة.. بهذه الإذاعة الفاتنة.. كل عزائي.. أن ملك الحروف المجنحة.. وأمير الكلمة الأنيقة المترفة.. وبديع العبارة الثرية الجزلة.. البحتري.. الذي أغرقه «المتوكل» في بحار الهدايا.. والعطايا.. والدنانير.. لم يجد غير «الخجل» كلمة.. تحكي حاله في صدق.. صادق وساطع.. فقد أنشد الرجل وهو بين المتوكل.. والعرق يفصد «جبهته» ليقول.. أخجلتني بندى يديك فسودت ما بيننا تلك اليد البيضاء.. وها هي ساهرون تضيء حتى سودت الذي بيني وبينها تلك اليد البيضاء.. وإليكم «عينة» من تلك اليد البيضاء.. كان ذلك في نهار غائظ.. في أواخر شهر رمضان الذي ارتحل.. كان يوماً مشتعلاً بالجحيم.. بل بالسعير.. «المروحة» ترسل لك شواظاً من نار.. و«العطش».. يجفف الحلوق والشفاه والثغور.. وفجأة.. تهب نسمة.. عطرية منعشة.. مشبعة.. بأنفاس الزهر.. باردة.. تهزم تلك الأجواء الخانقة الملتهبة.. والتي تحتشد غير مرئية.. محلقة في تحدٍ في كل الفناء والفضاء المتاح.. لم تكن النسمة.. غير برنامج.. يرد الروح ويزيل القلق والضيق والمعاناة.. عبر أثير ساهرون.. ولأن «الجواب باين من عنوانو».. فقد تيقنت أن «الجواب» يحمل فنوناً.. وبهاءً.. وفرحة.. كان الثنائي البديع على ضفة المحاور.. ثنائياً أنيق الأسئلة.. غزير المعرفة.. خفيف الروح.. هما.. زهير.. ووشاح.. لحظة.. سماعي.. للأسماء.. وقبل أن أعرف منهما الضيوف.. طفقت أردد مع عبد العال السيد.. رائعته.. إنت المهم.. وجيتك شعاع.. نجمة وشراع.. جاء زهير.. شراعاً ملوناً.. محتشداً بالرياح الرخاء.. منزلقاً على بحيرة.. كما بحيرة «دستوفسكي».. وعلى السطح.. أسراب من البجع.. وجاءت وشاح نجمة.. زاهرة وساهرة.. ويا لبهاء وروعة.. ورونق الاسم.. أن يكون اسمها «وشاح».. يعني ذلك.. أنها جد مختلفة عن كثير من «خلق الله».. ويعني ذلك أنها محظوظة بروعة الاسم.. ولابد من الإشارة.. إلى أن الفضل.. والبهاء.. والتوفيق و«الثقافة».. بل و«الحضارة» تعود لأبويها.. وهما يهبانها مفتاحاً.. لا تصمد أمامه «طبلة» ولا يعجزه رتاج.. كانت الهبة روعة وموسيقى.. ومهارة ونضارة.. ثم يأتي الضيوف.. بل جاء الضيفان.. الدكتور كمال أب سن.. ثم الأستاذة.. أميمة التجاني.. نعم أتى كمال أب سن.. وأتى معه ظُرفاً.. وعلماً.. و«خفة دم».. وتواضعاً وشهرة.. ووفاء.. للوطن.. وقلادة على صدر الوطن.. وفخراً للوطن.. وإنسانية شاهقة شاسعة.. و سلاسة في السرد.. جاء معه ذاك الوجع الخرافي.. والسؤال الذي استعصت إجابته.. علينا.. على كل الشعب.. لماذا.. يبدع هؤلاء.. ويصبحون نجوماً خارج أسوار الوطن.. لماذا يكتملون بدوراً في المدن والعواصم المغسولة شوارعها بالجليد.. لماذا يتقدمون كل صفوف العباقرة والعلماء من أساطين العلم والمعرفة من «الخواجات».. لماذا هناك يكتشفون.. ويذهلون العالم أجمع.. ونحن آخر من نعلم.. فقد لمعت من خلال «الونسة» والسياحة.. نجمة الطيب صالح.. ونتذكر ود المكي.. وفي الخاطر.. بل في «أوديسا» هناك في روسيا.. وعلى تلال وجبال وهران بالجزائر.. كان يضيء كوكب دري «جيلي عبد الرحمن».. يا لروعتك دكتور أب سن.. وأنت.. تهب العافية والأمل.. عبر «المشرط» و«المبضع» فقراء شعبك.. ومواطني أمتك.. صدقوني.. كنت أعتقد.. أن بين مهنة الطب.. والأدب والشعر وبديع النثر خصاماً وجفاء.. حتى كان ذاك البرنامج.. حتى هشم أب سن ذاك الصنم الذي كنت أحمله بين ضلوعي وفي تجاويف صدري..الآن أنا الحقك وأضمك.. يا دكتور.. وفي ضروب الأدب والشعر.. مع حسبو سليمان.. ذاك الذي كتب.. «والله لو طلقوا البخور من الصباح حتى السحور..».. ذاك الذي سألته يوماً.. ليس في «العيادة» طبعاً.. حتى لا يظن بي أحد الظنون.. فالرجل.. طبيب نفسي.. سألته.. يا دكتور.. يأتيك الخاسرون عشقهم وهم على حافة.. الجنون.. أو اليأس.. بل بعضهم يأتي على أبواب.. الانتحار.. عندما يغادرهم مقاطعاً.. أو يغدر بهم الحبيب.. يأتي لك أحدهم ملتمساً العلاج من حب اغتيل في وضح النهار.. وسفك دمه في رابعة النهار.. كيف يأتيك هؤلاء.. وأنت القائل عبر «سيد خليفة» من غيرك انت إيه الحياة.. إيه البشر.. أحبتي.. بالله عليكم.. دعوني اليوم أعيش «حسادة» أو «أنانية».. لأني لن أحكي لكم.. كم كانت تلك الجلسة رائعة.. دسمة.. أنيقة.. مشبعة.. مترفة.. كيف كان الحوار رشيقاً.. ذكياً.. وكيف.. قاد هذا الثنائي البديع والرفيع..زهير.. وشاح.. الضيوف.. عبر ممرات عشبية خضراء.. وسط جداول رقراقة تنساب فضية عليها الماء.. عبر صفوف وصفوف من باقات وأفنان الزهر.. منذ الميلاد وحتى آخر إعجاز وإنجاز.. ولكني أحدثكم عن الختام ذاك الرفيع.. عندما سألت وشاح.. دكتور أب سن.. ماذا تقول في ختام البرنامج.. قال الرجل.. أتمنى.. أن ترتسم ابتسامتك هذه.. على كل وجوه الشعب السوداني.. والأحد نواصل..