ظللنا ندين ونتمسك حتى الآن وإلى الغد البعيد إن شاء الله بمبادئنا التي ارتضيناها عن قناعة وإيمان رغم الأعاصير والأهواء التي قذفت ببعض من إخواننا إلى شواطيء أخرى أو أماكن بعيدة عنا، وبدلوا جلدتهم كلية بأساليب تختلف عن البعض وأسباب واهية عند بعض آخر نحسبها لا ترقى إلى مستويات المباديء في مراقيها العليا حتى تتبدل، وإننا لنحمد الله الذي أحيانا لنعيش لزمن أصبح فيه تبديل المباديء أمراً عادياً كتبديل الأزياء في اليوم، ولكن ورغم أن الحراك والاختلاف في الرؤى المبني على أسس في مباديء الحزب التي عشناها لفترات عديدة في تاريخ حزبنا مع بداية الاستقلال ولكنها لم تصل لحد التبديل والخروج عن مبادئنا العريقة، فقد كان أولئك البهاليل الأماجد الذين يقودون الحراك، لا يلبثون إلا وهم يعودون أكثر قوة وصلابة، جاعلين مصلحة الوطن هي الأساس الذي يتم عليه الخلاف أو اللقاء ولا شيء غير ذلك، لا أغراض شخصية ولا حسابات ذاتية، ولذلك لا يدوم الخلاف ولا يخرج عن طور التنسيق وإعادة الترتيب لما فيه مصلحة الوطن، ولم نشهد طوال هذا التاريخ أن أولئك الذين اختلفوا وصلوا حد التكوين والتشكيل لكليات وأحزاب مغايرة إلا مرة واحدة وحسمت ودفنت في ستينيات القرن الماضي، ويظل الحوار وتظل اللقاءات داخل المؤسسة لتوضيح المواقف والرؤى ويعودون كما كانوا. هذا حصل لمرات عديدة ولم يرقَ لدرجة الانشقاق أو الخروج عن إطار الحزب، فلا هم أعلنوا انسلاخهم عن الحزب صراحة، ولا قيادة الحزب قررت فصلهم منه، هذا هو منهج القيادة ولا زال حتى الآن، لا فجور في خلاف ولا رد على إساءات، ولا خروج عن المألوف.. والمعروف عنه في تاريخهم المجيد.. ولا يسمحون لمن يقفون معهم في الدخول في معترك المهاترات والأقاويل من خلال الصحف أو غيرها، هكذا كان شأن الحزب وهكذا كان أسلوب رجالاته في ممارستهم السياسة بإخلاص وتفانٍ.. رحم الله من مات منهم وأطال الله عمر الباقين. والآن قد كثر هذا الحراك بأشكال متعددة من أفراد ينتسبون للحزب الاتحادي الديمقراطي وتتوالى لقاءاتهم ويتنادون في كل حين، رافعين رايات جاذبات مظهرها العمل (وحدة الحزب) وباطنها دوافع وأغراض أخرى، ولأننا مسكونون بمباديء الحزب لا نملك إلا أن نأتيهم ونستمع لهم، فقد بدأت مجموعة الحلفاية (محمد ماجد) بلقاءات واجتماعات عديدة حضرناها ووجدنا أن الأمر يسير بلا هدف ولا اتجاه، ويطرقون ألواناً شتى إلا وحدة الحزب، ولذا انتهوا إلى لا شيء، ثم شهدنا بعد التدافع والإعلانات الكثيفة للهدف المنشود في قاعة الشارقة وكثفت الدعاية بأسماء قادة لهم وزنهم ومكانتهم وقالوا إن كل الفصائل سوف تحضر وحتى الذين يقفون بعيداً في الرصيف، أعد المكان إعدادا جيداً وحشد له العديد من طلاب الجامعات وبدأت المنصة في الخطاب وتعاقبوا في الحديث بأساليب هي للفرقة أقرب منها للجمع، وتتخللها الهتافات المقصودة والمعدة لذلك، وينتهي الأمر بلا أثر فهو نار (عويش) بسرعة شبت وبسرعة خبت ولم تترك له أثراً، ثم تتوالى المحاولات ويدعوننا إلى لقاء حاشد في قرية أم دوم وهي معقل من معاقل حزبنا الحصينة وفي دار الوجيه السيد العبيد، تلك الدار الرحبة الواسعة والتي أعدت إعداداً عظيماً وقدمت أسباب الضيافة والتكريم كعادة صاحب الدار، وتبدأ المنصة في طرح موضوع اللقاء بأحاديث تحملها أجنحة الأهواء الشخصية والأهداف الخفية، ولذلك كل كلام تحمله الأهواء يذهب مع الهواء ولا يبقى له أثر.. عظم الله أجر صاحب الدار، ثم تتوالى المحاولات ونحن نستمع ونترقب لكل من يقول إنه اتحادي ونعطيه الفرصة حتى يستبين لنا أمره ولا يؤثر ذلك في شأننا.. ويدعوننا إلى لقاء جامع بنادي الخريجين بأم درمان (شيخ الأندية)، وكأني بهم يختارون المكان لقدسيته في نفوس السودانيين لما له من أثر في الحركة الوطنية والتحرير والاستقلال لا يمحى، ونحن مقبلون على الدار العريقة تذكرت والذكرى مؤرقة، أنه في بداية الحركة الوطنية أوعز بعض المغرضين من الجانب الآخر، لحفنة من الغوغاء بتحطيم الدار والعبث بما فيها، فما كان من شاعر المؤتمر رحمه الله إلا أن قال: ما حطموك وإنما بك حُطموا* من ذا يحطم رفرف الجوزاء يا لروعة ذلك الزمن، يا لعظمة أولئك الرجال وما أبلغه من حديث سامق شاهق حفر في ذاكرتنا نحن شباب ذلك العهد النبيل، كتب هذا البيت في لوحة كانت معلقة في الدار إلى عهد غير بعيد بجانب ذلك البيت الذي نسيت قائله: أدعوا إلى النادي فما النادي سوى دار لنبض القلوب تنادي ثم دلفنا إلى الدار وقد جهزت المنصة وأعد المكان بعناية واهتمام،وغطت الجدران بالملصقات واللافتات التي تدعو لوحدة الحزب موضوع اللقاء، تبدأ المنصة بالتقديم وإعطاء الفرصة لمختارين للحديث، ولم يتطرق أحد منهم اإلا القليل من وفد الأقاليل لموضوع اللقاء ولا شيء، كلام وحديث أبعد ما يكون عن الموضوع الذي دعينا له قال، لي صاحبي دعنا نخرج فالأمر كالسابقات تماماً ولا جديد، فخرجنا كما دخلنا نقول ماذا يريد هؤلاء القوم والبلاد تسير لعتمة حالكة الظلام والوطن مستهدف لكل مقومات بقائه ووجوده وقد اقتطع ثلثه وتحاك المؤامرات في أطرافه والجماعة يعلمون ذلك ويتجاهلون أمره ويعرفون الحقائق والطريق السليم للحل ولكنهم يتنكبون السير فيه ولا حول ولا قوة إلا بالله. إن أصحاب هذه الأغراض لن يملوا السير في متاهاتهم، ولن ينالوا خيراً إن شاء الله، فالحزب متماسك ومتحد تحت قيادة مولانا الميرغني ولن تؤثر فيه الترهات (كناطح الصخرة أعيا قرنه الوعل).. ولن نمل نحن الحديث عن ألاعيبهم ومحاولاتهم البائسة وسنعاود الحديث إن شاء الله.