لم نكن مخطئين لا.. ولا كان حديثنا الذي ذكرناه سابقاً على صفحات هذه الجريدة هو ضرب من ضروب الافتراض والتنبوء والتخمين، بل انعكاس للحقيقة، والأمر الواقع الذي لمسناه، فقد قال ونقول الآن: إن الإخوة الذين يتولون أمر ما يسمى «الحركة الاتحادية» بفصائل ومسميات مختلفة ومكونات متفاوتة عدة وعتاداً ويسعون لتوحيدها.. مرة بلقاءات عامة وخاصة وجانبية، وإصدار الوثائق للتوقيع عليها حتى يتم بعدها التوحيد، ويمضي الزمن وتتوالى الدعوات ولا يتحقق شيء، وفي مرة دُعوا الحادبون على القضية للقاءٍ بدار أبو الأندية (نادي الخريجين بأم درمان)، وتدافع العديد من الناس الذين ينشغلون بالأمر، وقد أُعِد المكان إعداداً جيداً، وغُطِيت الجدران الخلفية للمنصة بشعارات الندوة الداعية لتوحيد الحركة الاتحادية، وبدأت المنصة بالحديث العام، وتم توزيع فرص الحديث لأشخاص مُنْتقين ومختارين، إلا أن الأحاديث كلها شملت جوانب لا تمت بصلة لموضوع الندوة من قريب أو بعيد، مما جعلنا نقول: لا جديد ولا صدق في المحاولة كالعادة، ثم تتوالى الأخبار الصحفية من الجهود التي تُبذل لهذا الغرض ومن الدعوة للاستماع في دار الزعيم الراحل الأزهري عليه رحمة الله، ولأننا مسكونون حتى النخاع بمبادئ الاتحادي.. فإننا لا نتردد في الحضور إلى دعوة بهذا الخصوص، لذا تسارعنا وتملؤنا الرغبة والأمل في أن ننجح هذه المرة، خصوصاً ونحن في هذه الدار، عسى أن تحفنا روح صاحبها الصادقة لتدفعنا في قولنا، ونتناسى أغراضنا وأحقادنا ليتم توحيدنا. ويتبارى المتحدثون في سرد تاريخ الحراك السياسي والجهود التي بُذلت سابقاً دون التطرق لمقترح أو سبيل يقود للتوحيد الآن. ورغم أن المتحدثين هم أنجال أولئك القوم الأماجد عليهم رحمة الله الزعيم الأزهري، عبد الماجد أبو حسبو، حسن عوض الله، إبراهيم حمد، كلهم كانوا عليهم الرحمة، جنود عمل مخلصين للحزب بتجرد ونكران ذات، وعدم أغراض شخصية، تحدث هؤلاء- زعماء المرحلة الحالية- وقادة الفصائل المعنية دون أن يتطرقوا للتشرذم والتشكل الحالي والسبيل لتوحيده، حتى وصل الأمر للسيد محمد مالك صاحب قطاع الحلفايا الديمقراطي السابق، ليعلن أن توحيد الحركة الاتحادية لن يتم مطلقاً، بل ذهب إلى أبعد من ذلك ليعلن ميلاد حزب جديد بمسمى حزب الوسط الديمقراطي، والعجيب أن هذه هي الصفات التي تلازم الحزب الذي خرج منه مثله في ذلك، مثل أولائك الذين انشقوا من أحزابهم وشكلوا أحزاباً بمسميات أخرى لا تخرج من عباءة أحزابهم السابقة، على أمل أن يستقطبوا القواعد أو هكذا يظنون. والمتتبع للحراك السياسي في بلادنا يدرك هذه الحقائق، فحزب الأمة أصبح الآن حزب الأمة القومي- حزب الأمة القيادة الجماعية- حزب الأمة الوطني، حتى الأحزاب العقائدية، لم تسلم من هذا التشتت.. ويا للأسف، ولأننا يشغلنا أمر الحزب الاتحادي الديمقراطي الأصل، ننظر إلى أوضاعه والحركة السياسية في بلادنا يلفها أمر التشتت والانشقاقات متعددة الصفات والنوازع والأغراض، لنقول للإخوة الذين يتحدثون أو يدّعون أنهم من الاتحادي الأصل، ويسعون للتوحد متسائلين وراجين أن يصدقونا القول كيف كان وجودكم في الحزب، وكيف كان انتماؤكم إليه، وكيف خرجتم منه وهل أعلنتم أسباب الخروج علينا حتى نؤيدكم أو نتبعكم؟ هل اختلافكم بسبب المبدأ أم بسبب الممارسة والتطبيق؟ ثم هل حاولتم إصلاح الأخطاء في الممارسة والتطبيق، أم جعلتم ذلك السبب المنشود والمطلوب للخروج؟ لماذا تجعلون مسافة بيننا وبينكم، ليصبح سماع حديثنا وقولكم غير ميسر إلا للقيل والقال، وما يحتويه هذا من كذب وافتراء؟ لماذا يكون أمركم كالذي يبحث فقط عن الخطأ لكل قول أو عمل، بالطبع الباحث عن الخطأ لابد أن يجده؟ لماذا تحملون القول بمعانٍ ليست هي المقصودة، وتنظرون للأفعال بمنظار مغاير جداً.. لماذا تجعلوننا نقول كما قال الشاعر:إذا محاسني اللائي استدل بها لديك عدت ذنوبنا ü فبالله قل لي كيف أعتذر.. ثم هل كنتم في الحزب كأفراد أم فصائل وكيانات؟ إن قلنا جمع الشمل فهل هذا خطأ، وإن كنّا نعني أعضاءنا الذين تفرقوا وتشتتوا بأسباب متباينة كما يحصل في الأسرة الواحدة.. هل في هذا خطأ؟ إن المقصود هنا أفراد الحزب لا الآخرين، إننا نعني الأعضاء الذين يؤمنون بمبادئه، ويرضون بمؤسساته. أما أولئك الذين تجمعوا في فصائل وتسمى اتحادية، ويريدون أن يتّحدوا مع الحزب، فهو أمر مختلف ولا يرقى إلى شعار لم الشمل، فاتحاد كيان ما مع كيان آخر، أو يأتلفان مع كيان أمر مغاير جداً، لأن الطرفين في هذه الحالة يحددان شروط الاتحاد، أو الائتلاف، مثل أن تأخذ أنت هذا.. وآخذ أنا هذا وتبقى الكيانات موجودة، أليس هذا هو المنطق؟ثم إننا نتساءل للأهم من كل ذلك، هل اختلافكم مع الحزب بسبب الوطن المستهدف الآن في حدوده كلها، ليست الجنوبية فقط، بل من كل الاتجاهات؟ هل الاختلاف في موضوع مياه النيل التي تحكمها اتفاقيات قديمة أصبحت الآن غير مقبولة، بل دخل في الأمر أعضاء آخرون؟ هل الاختلاف في مشاكلنا الاقتصادية وضائقتنا المعيشية التي تمسك بخناق المواطن ولا سبيل للفكاك منها؟ هل الاختلاف في مشاكل التعليم ومناهجه وتشغيل الخريجين، وقد بلغت الجامعات والمعاهد العليا ما يزيد عن الأربعين. ثم بلغ عدد السكان ما يفوق الأربعين مليون؟ أم هل الاختلاف بسبب نذر تقسيم الوطن إلى دويلات، وأن يكون الوطن أو لا يكون؟ ثم هل والأمور تتسارع والدسائس تحاك، فهل يا ترى الزمن يسمح لما تسعون إليه الآن؟ هل الحل هو إنشاء العديد من الأحزاب والفصائل، والبحث عن توحيدها أو ائتلافها؟ مالكم كيف تحكمون عافاكم الله وأبقاكم.