تابعتُ الليلة الماضية القرار- بل الحدث الاستثنائي- الذي اتخذه العاهل السعودي الملك عبد الله بن عبد العزيز وتفاعلاته الفورية، ذلك القرار التاريخي الذي قرر بموجبه حصول المرأة السعودية على الحق في التصويت والترشح في الانتخابات، والمشاركة في مجلس الشورى ومجالس البلديات. ولقي القرار ترحيباً وحماساً من قبل المواطنين السعوديين والمرأة السعودية بخاصة ومن كل دعاة الإصلاح في المملكة، باعتباره مقدمة أحيت الأمل في إمكانية الاستجابة في مقبل الأيام لمطالب أخرى تتحرك بالمملكة نحو مزيد من الانفتاح والديمقراطية والحقوق الاجتماعية. ففي خطابه الذي ألقاه أمام مجلس الشورى أمس الأول«الأحد» واستمر نحو خمس دقائق قال الملك عبد الله إن النساء سيشاركن أيضاً في الدورة القادمة لمجلس الشورى- وهو مجلس غير مُنتخب- وينظر في القوانين، لكنه لا يملك سلطات دستورية ملزمة للملك أو السلطة التنفيذية في البلاد، وأضاف «لأننا نرفض تهميش دور المرأة في المجتمع السعودي في كل مجال عمل، وفق الضوابط الشرعية، وبعد التشاور مع كثير من علمائنا في هيئة كبار العلماء وآخرين من خارجها والذين استحسنوا هذا التوجه وأيدوه لقد قررنا الآتي: مشاركة المرأة في مجلس الشورى عضواً اعتباراً من الدورة القادمة وفق الضوابط الشرعية»،واستطرد العاهل السعودي «اعتباراً من الدورة القادمة يحق للمرأة أن ترشح نفسها لعضوية المجالس البلدية، ولها الحق كذلك في المشاركة في ترشح المرشحين بضوابط الشرع الحنيف». وبالرغم من أن القرار لا يعني الكثير بنظر بعض المراقبين الغربيين، وفهم محللي وكالة رويترز للأنباء، استناداً إلى أنه لم يتطرق إلى الكيفية التي تدار بها البلاد والتي تسمح فقط بانتخاب نصف المجالس البلدية التي تملك سلطات محلية محدودة، إلا ان مثل هذه النظرة وهذا التحليل يتسم بقدر من الجمود وكثير من السطحية التي لا تأخذ في الاعتبار الأبعاد التاريخية والمجتمعية للحدث المتصل بوضعية المرأة في السعودية، والتي عانت من ظلم واضطهاد طويل ليس بسب التعاليم الدينية - كما يعتقد بعض المراقبين الغربيين- ولكن بسبب الموروثات والعادات والأعراف القبلية، التي فرضت على المرأة عزلة وتهميشاً واتخذت من الدين مطية وتلبست بأردية المحظورات المقدسة، والدين في أصله منها براء. من بين المرحبين بالقرار كانت وجيهة الحويدر الكاتبة والناشطة في مجال حقوق المرأة، التي اعتبرته «أخباراً عظيمة» وقالت: إن الوقت قد حان لإزالة حواجز أخرى، مثل السماح للمرآة بقيادة السيارة من أجل السماح لها بالعيش بشكل طبيعي دون وصاية صارمة من الرجال، وبالرغم من أن خطاب الملك لم يتعرض لتلك القضايا المتعلقة بالسلوك الاجتماعي للمراة كقيادة السيارة والسفر بدون محرم وولايتها على نفسها، إلا أن متحدثين استضافتهم قناة «العربية» في برنامج «بانوراما» الذي تقدمه منتهى الرمحى، ذهبوا إلى القول إن العاهل السعودي بدأ من «السقف الأعلى» وهو سقف المساواة في الحقوق السياسية بين الرجل والمرأة، وستصبح بالتالي الحقوق الأخرى ومنها المساواة الاجتماعية وفي فرص الحصول على العمل وغيرها «سقوفاً أدنى»، ويمكن الولوج إليها بسهولة بعد أن تصل المرأة إلى تلك المنصات العليا في مجالس الشورى والبلديات، بحيث تستطيع الدفاع عن تلك الحقوق التي يجب أن تكون «تحصيل حاصل» إذا ما تم تفعيل قرار الملك التاريخي. وقال عقل الباهلي الكاتب والمحلل السياسي السعودي الذي أبدى فرحه بالقرار إن الخطوة «ستحرج الرجال» عندما تجري الانتخابات القادمة للبلديات، فسيجد الرجال أن الناخبين سيختارون المرشحات من النساء أكثر من ميْلهم للمرشحين من الرجال، لأنهن سيكنَّ أكثر حماسة للدفاع عن حقوقهم من الرجال، لكنه أكد على ضرورة اختيار الناشطات وليس كبار الموظفات وبنات الذوات والأسر الكبيرة، لأن هؤلاء الناشطات كن وراء دفع الملك والمسؤولين والمستشارين لاتخاذ القرار التاريخي. ونبهت الناشطة السعودية بدرية بشر - في ذات البرنامج- إلى أن القرار السياسي ليس كافٍ في حد ذاته، بل يجب تفعيله، خصوصاً مع طول الفترة، من الآن وإلى موعد الدورة القادمة للانتخابات البلدية التي تصل إلى أربع سنوات، حيث يمكن للمحافظين والمتنطعين الرافضين لمشاركة المرأة وحريتها أن يعملوا بطريقة أو أخرى على تعطيل القرار وتسويف الإرادة الملكية. ومن المؤكد أيضاً، أن القرار لم يأتِ بمعزل عن أجواء «الربيع العربي» والمناخات المطالبة بالحرية والتحرير في كل مجال من مجالات الحياة التي أفرزها، وبالتالي ومن هذه الزاوية يمكن النظر إليه باعتباره خطوة ذكية من جانب الملك، خصوصاً بعد الحراك النسائي السعودي الذي تابعنا بعض فصوله من خلال قنوات التواصل الاجتماعي الالكتروني والفضائيات، والذي عبّر عن تطلعات المرأة والفتاة السعودية إلى التحرر وقيادة السيارة كنظيراتها وأخواتها في البلدان الخليجية والعربية الأخرى. وبالرغم من أن حقوق المرأة في السعودية تلقى معارضة مريرة من بعض رجال الدين المحافظين- بسبب فهمهم للدين وليس لأن الدين يأمر بذلك- فإن الناشطات السعوديات من صحفيات ومعلمات وطبيبات تمكن من إقناع المراجع العليا في الدولة من اتخاذ الخطوة الأولى الضرورية باتجاه تحرير المرأة ومساواتها مع الرجل، كما ينص الدين والذكر الحكيم «..الذي خلقكم من نفس واحدة». وفي هذا الصدد يمكن استذكار الصدمة الكبيرة التي سببتها شرطة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر للسعوديين والعالم أجمع، عندما منعت الطالبات في إحدى المدارس من الخروج من بناية تحترق، لأنهن لم يكن يرتدين «النقاب» فاحترق«15» منهن، ذلك النقاب الذي لم يفتِ أي من علماء الدين العارفين والمستنيرين بأنه زيَّاً شرعياً مفروضاً بنص الكتاب والسنة، بل اقتصر أمر الحجاب على الحشمة وارتداء الأزياء التي لا «تشف ولا تصف» ولا تدعو للإثارة والفتنة. الخطوة، في أول رد فعل دولي، وجدت ترحيباً من جانب الولاياتالمتحدة، حيث قال البيت الأبيض في بيان له «إنها تمنح المرأة سبلاً جديدة للمشاركة في القرارات التي تؤثر على حياتهن.. وخطوة مهمة إلى الأمام نحو توسيع حقوق المراة في السعودية.. ونحن نؤيد الملك عبد الله والشعب السعودي عندما يقومون بهذه الإصلاحات وغيرها». المهم، أن الملك عبد الله بهذا القرار قد ألقى «صخرة» وليس مجرد حجر في بركة ظلت ساكنة وآسنة عبر القرون تقاوم التغيير وتقدس ما ليس هو مقدس شرعاً، ولكن إرادة التغيير لدى الرجل ومناخات التغيير المواتية جعلته يلقي بتلك الصخرة ويتحدى «المحظورات القبلية والاجتماعية» عملاً بقول الآية «إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم»، ولو لم يفعل غير ذلك لكفاه.