لا حديث للشارع السوداني هذه الأيام إلا حديث الدولار وارتفاع أسعاره، وأخذت الصحافة وعامة المواطنين يتابعون أسعار الدولار مقابل الجنيه، وذهبت الصحف إلى القول بأن (الانخفاض) المفاجئ لأسعار الدولار هو ما قام به البنك المركزي - بنك السودان - من إغراق للسوق بالعملة الصعبة الأمر الذي أدى إلى تدني سعر الدولار حتى بلغ الأربعة جنيهات وربما تدنى إلى أقل من ذلك. السؤال الذي يجب أن نطرحه على أنفسنا هو لماذا حدث ما حدث..؟ ثم هل حقيقة أن سعر الدولار قد انخفض..؟.. نبدأ بالإجابة على السؤال الثاني، وهي أن سعر الدولار (واحد) وقيمته معروفة وتقاس عليها قيمة العملات الأخرى، أي أن الدولار لم يرتفع أو ينخفض فالذي انخفض هو الجنيه السوداني، وعلى الدولة كلها - حكومة ومؤسسات ومنظمات وصحافة وتجار وغيرهم - أن تعمل على (تقوية) الجنيه ومنعه من السقوط في مهاوي الانهيار، وهذا لن يتم إلا باتباع السياسات الاقتصادية الراشدة، وهذه تتوفر لدى المختصين وأهل المعرفة والعلم، لذلك على الدولة أن تستعين بهم لأن الخراب إن وقع فإنّما يعني دمار الدولة وهذا يعني تفككها الأمر الذي يؤدي إلى عدم الاستقرار وانفلات الأمن، وهو ما لا يتمناه أحد. نعود ونحاول الإجابة على السؤال الأول الذي طرحناه وجاء بصيغة: (لماذا حدث ماحدث؟).. والإجابة على ذلك ليست صعبة، وهي أننا جعلنا السياسة والسياسيين هم الذين يرسمون ملامح الخطط الاقتصادية وهذا خطأ لأنّ النشاط الاقتصادي العام يقوم على قواعد محددة ويحقق النتائج بناءً على السياسات المتبعة، وتكون تلك النتائج مفيدة بقدرما كان عائدها مفيداً للمواطن والمجتمع. نرى أن المعالجة العاجلة - ولسنا بمختصين - تجيء من باب زيادة الإنتاج... ونعني الإنتاج الذي يعود للبلاد بالعملة الصعبة، لا الإنتاج المحلي الذي يتم استهلاكه في الداخل.. ونرى ضرورة التحول إلى زراعة المحصولات النقدية ذات العائد في المشروعات الكبيرة ذات البنيات الأساسية باهظة التكاليف، لأننا نتساءل مثلما يتساءل كثيرون كيف لنا أن نُحيل حواشات مشروع الجزيرة إلى مزارع لإنتاج الذرة التي يمكن أن تزرع بالري المطري، ونترك زراعة القطن أو أي من المحصولات ذات العائد التي يمكن تصديرها إلى الخارج وتدعم الخزينة العامة!! نحن لا نريد (تخفيض) قيمة الدولار لسببين.. الأول هو أن هذا ليس من شأننا، بل من شأن الولاياتالمتحدةالأمريكية، والثاني هو لأننا لا نستطيع ذلك حتى وإن أردنا.. لكننا نريد تقوية الجنيه السوداني.. وهذا ممكن.. اسألوا أهل العلم إن كنتم لا تعلمون.