راصد بيت الأسرار لا يكل ولا يمل في تجواله اليومي الذي يطوف من خلاله على المؤسسات الصحفية والإعلامية، فتراه صباحاً في إحدى الصحف، وظهراً في أخرى، وعصراً في جهاز إعلامي ومساء في آخر، والراصد كما يقول عنه أصدقاؤه مثل الظل، يدخل الى المؤسسة فلا يسمع له أحد صوتاً، وينطبق عليه القول «دخل القش ما قال كش» ولاحظ الراصد منذ نحو ستة أيام إختفاء المهندس عبد الرحمن ابراهيم عبد الله مدير عام المركز السوداني للخدمات الصحفية، وتولى نائبه المهندس راشد الفاضلابي مسؤوليات الإدارة، تحرك الراصد يميناً وشمالاً ليعرف هل سافر الباشمهندس الى خارج السودان في بعثة عمل، أم سافر ضمن أحد الوفود الرسمية، أم يقضي إجازة مع أهله في النيل الأبيض كما إعتاد! الراصد لم يسأل أحداً حتى لا يترسخ في أذهان الناس انه فضولي، وهو متهم دائماً بذلك، وظل السؤال الحائر يؤرقه إلى أن كان يوم الأمس عندما لمح من بعيد في إحدى الحدائق العامة المهندس عبد الرحمن جالساً في الصباح الباكر أمام إحدى المراجيح تحت شجرة وارفة الظلال.. هنا ابتسم الراصد، وزحف ببطء شديد، ودخل هذه المرة فعلاً «القش وما قال كش» ليفاجأ بعد أن اقترب من مجلس الباشمهندس بأنه يلاعب طفلته ذات الثلاث سنوات وهي تضحك بالصوت العالي.. ثم يرن هاتفه ليرد بصوت مسموع، ليكتشف الراصد أنه يرد على زوجته الطبيبة ويقول لها: إن «البت الكبيرة في المدرسة، ودي مجناني جن.. حاولي تجي طوالي علينا في الحديقة بعد ورديتك ما تنتهي». إبتسم راصد بيت الأسرار، وحيا الباشمهندس عبد الرحيم وسأله قائلاً «وين إنت؟» فرد بإنه في إجازة بدأت منذ خمسة أيام سيقضيها في الخرطوم.. وإن هواتفه مغلقة.